سِلْسِلَةُ حَقِيْقَةِ النَّفْسِ البَشَرِيَّة (فيديو)

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه السلسلة سوف تجمع بحوث النفس البشرية على هيئة حلقات فيديو منشورة على موقع يوتيوب ، نأمل أن تكون وافية وتساعد من لا يرغب في القراءة على الاستماع لها ، وسيتم تحديثها كلما اضيفت حلقة جديدة.

 

 

 

 

 

12 تعليق

  1. بسم والحمد الله والصلاةة والسلام على رسل الله
    أولاً جزاك الله خيراً وامدك بالعلم النافع
    س. اريد اسئل عن عندما قال تعالئ بسم الله الرحمن الرحيم أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
    فهل اذا القلب الشرعي الضمير عمى فأني في ذاكرتي
    اتوصل لربط قوله تعالى. : إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. فهل هل الربط الذي توصلت له انا خطأ ام صح فقد أتاني لأارادي وانت كنت علا خطأ ارجو التوجية جزاكم الله خيرا

    1. حياك الله اخي خالد
      لم افهم مقصودك ، وان كنت تقصد ان من عمي قلبه عن الحق فمصيره الى النار الا من رحم الله فنعم ارادة الله لا حدود لها فيغفر من يشاء ويعذب من يشاء واذا رحم عبدا فلا الذ من رحمته ، ولكن المغفرة شيء اخر فالرحمة درجات من التخفيف والتيسير اما المغفرة فهي ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها

      1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عيدكم مبارك
        س. هل القلب الشرعي عندما يأتيه رأي من العقل او من الفؤاد هل النفس دار القرار بما تختار امأ من العقل ، او الفؤاد ، وهل هي على ادراك من الصح او الخطاء وان اختارت هل تكون مكروه او راضيه بما تختار ؟

      2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عيدكم مبارك
        س. هل القلب الشرعي عندما يأتيه رأي من العقل او من الفؤاد هل النفس دار القرار بما تختار امأ من العقل ، او الفؤاد ، وهل هي على ادراك من الصح او الخطاء وان اختارت هل تكون مكروه او راضيه بما تختار ؟ ..،
        واشكرك على بحثك في النفس والوفاة والروح والموت ،، والقلب الشرعي (النفس) والعقل والفؤاد . فأني بدأت ادرك شيً من التمييز والرأحة من كثرة التفكير بما اختار ،
        واسئل الله ان يمدك بالعلم النافع والرزق الطيب والعمل المتقبل وجزاك الله خير الجزاء .

  2. حياك الله اخي خالد
    كل عام وانت بخير
    اذا تبعت النفس شهوتها تركت امر العقل واخذت برغبة الفؤاد بكامل ارادتها ، تكبت صوت العقل في التراجع عن هذا القرار وتتجاهل النفس دعوات العقل ، فإن انقضت الشهوة تراها تلوم ذاتها على فعل السوء ان كانت تحمل شيئا من الايمان .
    فالقلب مدرك للحق والباطل وهو راض بما يميل اليه سواء كان حقا او باطلا .

  3. حياك الله دكتور .
    عندي استفسار حول طبيعة الحياة البرزخية ومابعد الموت وقد علق باذهاننا تصورات اقرب إلى الرعب والغموض بسبب ما تعلمناه وكنا نسمعه منذ الصغر من التخويف والتهويل من مصادر التلقين والتربية المعروفة في مجتمعاتنا ..يضاف إلى ذلك الجهل وبعدنا عن مصادر العلم الصحيحة …احاول ان اختصر قدر الإمكان وارجوا أن يتسعك صدركم لما سأكتب فنحن عوام نبحث عن الحق والحقيقة
    فكرة العالم البرزخي وكل ماعدا عالمنا المحسوس والمشاهد ( عالم الشهادة) تكاد تكون مبهمة وغامضة ومرعبة نوعا ما ويتحرز الكثير من التطرق لهذا الموضوع ولا تكاد تجد ما يشبع فضولنا العلمي له لقلة المعلومات حوله وخاصة أنه مصير ينتظر كل واحد منا .
    حياة البرزخ اول ديار الآخرة (عالم الغيب) الذي يختلف عن عالمنا .. والاكيد أنه عالم تحكمه قوانين فيزياءية مغايرة لعالمنا لكنه يبقى إحدى العوالم التي تعايشه الروح والنفس والعقل والجسد ولكن كل عالم بحسب قوانينه الخاصة به وهنا يجرنا الحديث إلى فكرة العوالم أو الأكوان الموازية أن صح المفهوم والتي يمكننا فهمها من خلال مصادرنا (القرآن والسنة ) وليس كما يطرحها الآخرون …أو ربما نصطلح على الأمر اسم جديد ك ( معارج الروح ، عوالم النفس ، منازل حياة الغيب ….
    فهل يمكن أن يكون عالم البرزخ هو حياة من نوع اخر فقط دون أي غموض ورعب وتهويل وجهل بحقاءقه وماهيته؟
    وهذا يقودنا إلى الحديث عن ماهية الاحلام والرؤى وبعض الظواهر ( الرؤية المسبقة déjà vu و التخاطر ( حادثة عمر بن الخطاب : ياسارية الجبل)
    والكرامات وهي أمور غير مٱلوفة وخارجة عن العادة لكنها ثابتة الوقوع
    كما أن حادثة الاسراء والمعراج اكبر دليل على ماهية هذه العوالم و وجودها وهذا قد يزيل الاشكال القاءمة بين العلماء ( بين الجسد والروح ) في حادثة. الاسراء والمعراج وفي حياة القبر والسؤال المعهود ( هل تم الأمر بالجسد فقط ام بالروح ام بكلاهما ؟؟!
    وربما صيغة السؤال غير صحيحة مبدءيا ! لانه من منطلقات قوانين عالم الشهادة الذي نعيشه بالجسد والروح وبحواسنا المعروفة والمحدودة والتي اكيد انها مغايرة لادوات التواصل والاتصال في العالم البرزخي وقبل ذلك في عوالم الرؤى والظواهر الأخرى التي لا نجد لها تفسيرا !

    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      اختنا الفاضلة
      نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح القول والعمل
      لي بحث متكامل يفسر ما تفضلتي به من جوانب على ضوء القرآن الكريم ولعلي اقتطف منه عدة نقاط .
      (إن تعريف السماء والسماوات في القرآن الكريم مرتبط بالسياق، ولكن سنعرف المفردتين بعمومية ثم سيتبين من خلال السياقات المختلفة إلى أي من الجانبين تنتمي المفردة المستعملة في الآية فنقول وبالله التوفيق :
      السماوات : هي الأكوان السبعة المتفوقة على بعضها البعض التي خلقها الله متفاضلة يتميز كل كون منها بسنن خاصة تتفوق على السماء التي دونها ، وفي كل كون (سماء) خلق ونظام وقانون يختلف عمّا دونها.
      السماء : هي الفضاء المادي الدنيوي الذي يعلو الأرض ويحيط بها ويحيط بالأفلاك والأجرام وتسبح فيه وفق نظام معين ، والسماء هي أحد عناصر الكون الذي نعيش فيه وهو السماء الدنيا (السماء الأولى).
      وهكذا فالأكوان المختلفة تسمى بالسماوات وفي مجموع السماوات والأرض هو ملكوت الله سبحانه وتعالى وفي كل كون من الأكوان عناصر مكونة له وسنن وقوانين خاصة به ، فالسماء الدنيا (الكون الأول) الذي نحن فيه يخضع لسنن وقوانين المادة وقوانين الحياة والحركة والطاقة وغيرها من القوانين تشكل في نهاية الأمر منظومة محكمة متسقة تسير بتناغم مذهل بين مكوناتها المختلفة وهكذا الكون الثاني والثالث وحتى السابع (المسماة سماوات).
      وأهم نتيجة يجب أن نعيها تماماً وهي إحدى ثمرات هذا البحث :
      أن الأكوان والعوالم الحية الأخرى المثبتة والمذكورة في القرآن الكريم كعالم الملائكة والجن والبرزخ والجنة والنار والموقف العرض والحساب والصراط ليست امتداداً للكون المنظور الذي نحن فيه اليوم ولا تخضع لقوانينه ولا تعد جزءاً منه أبداً)

      —-
      باب في القوانين والسنن الكونية
      قبل أن نبدأ في استجلاء الصورة على ضوء النص القرآني، فإنه ينبغي أن نفكر بصوت عالٍ ، لأي قانون تخضع الملائكة والشياطين والأنفس المختلفة غير البشر ؟؟ ، هل تخضع للنظام الكوني المادي الذي نخضع له نحن ؟؟
      هل تؤثر مسائل المسافة والزمن والارتفاع والانخفاض، والنزول والصعود والجاذبية على تصرفات الملائكة مثلا ؟ ، وهل ينطبق عليهم في حالة ( العروج ) الانتقال من نقطة الى نقطة بقطع مسافة (مادية) معينة في زمن محدد ؟؟ ولم سميت عروجاً وليس صعوداً طالما أنهم ينتقلون بين (فوق أو أعلى) و (أسفل)؟
      من المؤكد بأن عوالم الملائكة مثلا لا تنتمي للكون المادي الذي نعيش فيه، ولكنها تنتمي لأكوان أعلى درجة وأكثر تطوراً وتقدماً من الكون المادي وبالتالي فإن حركة الصعود والنزول والحركة والسرعة والزمن إنما هي قوانين تنتمي الى الدنيا ولا تنطبق عليهم لأنها قوانين نسبية تنطبق في بيئة ذات احكام ومكونات وقوانين معينة لا ينتمون هم إليها.
      لقد اعتاد المتخصصين والعامة على تسمية القوانين الفيزيائية ومنظوماتها المختلفة بالسنن الكونية ، والحقيقة أنها متعلقة بالكون الأول الذي في محيط رؤيتنا ، ولكنها لا تسري ولا تجري على الأكوان الأخرى فلكل كون منظومته الفيزيائية التي تختلف عن بعضها البعض ، فالملائكة مثلا عندما تعرج والروح فيها لا يراد بالعروج انتقال من نقطة أ الى نقطة ب مثلا بقطع المسافة المحددة في زمن معين ، لأنهم لا ينطبق عليهم القانون الدنيوي ، فالعروج في حقيقته انتقال من كون إلى كون ولا يلزم وجود الملائكة في كون من الأكوان أن قوانين ذلك الكون تنطبق عليه ، بل يبقى بقوى و بخوارق لتلك القوانين.
      لقد أثبتت نظرية آينشتاين النسبية العامة والخاصة بأن كافة عناصر والقوانين الكونية هي نسبية ومرتبطة ببعضها البعض وبمجرد تغير أحدها تتغير البقية ، فتغيير المكان أو السرعة أو الزمن يعني تغير بقية العناصر وبذلك يمكن القول بأن أي خوارق لتلك العناصر المترابطة لا تنتمي لهذا الكون ولهذه السماء التي نعيش فيها.

      فصل في الفرق في العرض بين السماء والسماوات
      من خلال استقراء آيات القرآن الكريم يتبين لنا أن هناك فرقٌ جوهري بين السماء السماوات، وقد يتبادر لأذهاننا أن السماء هي الغلاف الجوي بينما السماوات هي الفضاءات السحيقة خارج المجال الجوي الأرضي، أي أننا نعتقد بأن السماوات هي فضاء مادي خاضع لقوانين المادة التي نعرفها بذراتها ومكوناتها من إلكترونات وبروتونات ونيوترونات.
      ونتصور بأن قوله تعالى:
       وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ133 [آل عمران]
      فنظن أن العرض هنا يشير لمسافة مادية مقابلة للطول، وكأن الكون مستطيل الشكل له طول وعرض، ولكن لو تدبرنا هذا القول وتفكرنا فيه لما استقام أن يجمع عرض السماوات والأرض وهي ذات أبعاد ثلاثية غير متجانسة فالأرض شبه البيضاوية ضمن جسم مادي، والسماء فراغ في أغلبه فكيف يكون العرض هنا مسافة مادية مقابلة للطول؟؟ وكيف يمكن أن نقيس مسافات ليست من جنس بعضها البعض أصلا حتى نخضعها للمقارنة، فنعتقد بأن الأمر في حقيقته له مفهوم آخر، وهذا ما سوف نفصل فيه لاحقا.
      ولكن لو تتبعنا الآيات التي تشتمل على مفردتي السماء ، والسماوات لوجدنا أن الدلالات و المعنى والمفهوم العام مختلف اختلافاً كلياً ، فالسماء -كما اسلفنا- تستعمل عندما يتعلق الأمر بما يعلونا من طبقات الجو المحسوسة التي في نطاق رؤيتنا المادية سواء أغلفة الأرض الغازية أو الفضاء الذي يمتد لمليارات السنين الضوئية ، فكل تلك المساحات (شبه الفارغة) ملحقة بمفهوم السماء لذلك فلا نجد السماء في أغلب مواضعها في كتاب الله إلا وهي متلازمة مع احدى الظواهر الطبيعية للسماء الدنيا (أي السماء الأولى التي نعيش في بيئتها) سواء المطر والسحاب والرياح والطير والنجوم والأفلاك وغير ذلك من المشاهدات.
      أما السماوات فإن دلالتها متعلقة بالأبعاد والعوالم غير المرئية لنا كعالم الجن وعالم الموتى والملائكة والجنة والنار ، وكل سماء منها عالم وكونٌ مستقل له نظامه الخاص ومجال رؤية وطبيعة فيزيائية مختلفة تماما عن السماء الدنيا ولِنَقُل السماء الأولى بأرضها وفضاءها ومجراتها وكواكبها وأجرامها ونظامها الفيزيائي وقوانين الجاذبية والمادة والعناصر الكيميائية فكل تلك المنظومة سماء مستقلة ضمن السماوات السبع الأخرى التي لكل سماء منها منظومتها الخاصة بها وكون من سبعة أكوان مصداقاً لقوله تعالى :
      فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ12 [فصلت]
      فكانت كل سماء لها أمرٌ مخصوص ونظام معين يختلف عن السماء الأخرى، ثم انتقل للسماء الدنيا فكانت النجوم التي نراها ضمن السماء الدنيا فالدلالة هنا – على سبيل المثال- تؤكد أن مفردة السماوات متعلقة بالعوالم والأكوان العلوية غير المرئية التي تناسب مخلوقات كالجان والملائكة بأصنافهم المختلفة والموتى والجنة والنار والعرض والحساب وكل تلك البيئات المستقلة عن سمائنا الدنيا والتي تعلوها تفوقاً ونظاماً وليس مسافة أفقية أو عمودية، وسنرى تفصيل ذلك مما يلي في هذا البحث.
      وبالتالي فمسألة العرض في التعبير القرآني لا تتعلق بالمسافات الأفقية المعروفة لدينا بالطول والعرض، ولكن بنطاق الرؤية والمشاهدة والقدرة، ويمكن القول بأن السماوات السبع وما فيهن ومن فيهن تسمى ملكوت الله.
      فالفرق بين السماء والسماوات يتبين لنا بالصورة التي قلناها من خلال النص القرآني والأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن السماوات المختلفة ومن فيها كما سنرى بإذن الله.
      —-
      باب في الدلالات القرآنية للسماوات
      قبل سرد الآيات الدالة على مفهوم السماوات نبين ماهيتها، والسماوات هي الأكوان الخاضعة لنظم وقوانين وسنن مختلفة عن القوانين الدنيوية، وكل سماء تعلوها سماء والعلو هنا ليس علواً مادياً متعلق بالمسافات وما يسمى (الزمكان) بل علواً وظيفياً، فالسماء الثانية أعلى شأناً وأكثر تطوراً من الأولى وكذلك السماء الثالثة والرابعة وحتى السماء السابعة.
      وقد تقدم معنا بأن العلو والدنو ، الارتفاع والانخفاض هي مسائل نسبية فماهي عالٍ بالنسبة لك هو منخفض بالنسبة لغيرك ، وكل تلك الأوصاف متعلقة بالسماء الدنيا أو الكون المادي الذي نعيش فيه ، بل حتى في الكون الذي نعيش فيه فإن من يسكن القطب الجنوبي ويحلق في السماء فهو بالنسبة لساكن القطب الشمالي ويبتعد عنه نزولاً والعكس صحيح ، ونحن ندرك بأن عوامل (الزمن والمسافة والسرعة) عوامل تحكمها علاقة نسبية تختلف من موضع لآخر ، فلو سكنت على كوكب المريخ لكان الوقت والمسافة والسرعة مختلفة بالنسبة لمثيلها على الأرض ولو بقي إنسان في الفضاء الخارجي فإن عامل الزمن (بالنسبة له) اختل تماماً وهكذا فإن منظورنا الدنيوي مقارنة بالمنظور الكوني لملكوت السماوات والأرض مختلف تماماً لذلك فإن اليوم عند الله تعالى ذا معيار مختلف عن اليوم على كوكب الأرض وفي السماء الدنيا .
      وكل سماء من السماوات السبع نطاق وبيئة مخصوصة لحياة مخلوقات مختلفة وتشمل حياة البرزخ، وحياة الملائكة، وحياة الجن وحياة ما يعلم الله من خلقه العظيم والكائنات التي نعلم شيئا ما عنها كمن رفعه الله من الأنبياء أو لا نعلم عنها شيئاً.
      فالدنيا بما فيها من أرض وكواكب وأجرام وبشر وحيوانات وذرات وسنن وقوانين تسمى السماء الدنيا، وضمن هذه السماء الدنيا ما يسمى (السماء) بالنسبة لأهل هذه البيئة والكون أي ما علاهم وأظلهم.
      وبالتالي فالسماء يمكن فهمها حسب السياق القرآني عند ذكر الظواهر الكونية المتعلقة بالفضاء والمطر والغيوم والفراغ وطبقات الجو المختلفة فنحن نتحدث سماء (السماء الدنيا) ، أما إن ورد النص القرآني بذكر السماوات فهو يتحدث في غالب مواضعه عن مجموع السماوات السبع التي تسكنها فئات من المخلوقات كالملائكة والجن والأنفس التي نزعت من أجساد أصحابها الدنيوية وغيرها من المنظومات الحية وغير الحية .
      وقد يعتقد الكثير بأن تلك العوالم والسماوات لا وجود لها إلا يوم القيامة، ولكنها في الحقيقة موجودة وسارية مكتظة بالخلق منذ أن سواها ربنا جل وعلا ، وسننتقل إليها عند موتنا ، ثم ننتقل لما فوقها عند بعثنا ، ثم ننتقل لما فوقها عند حسابنا وأخيراً ننتقل للجنة أو النار التي عرضها كعرض السماوات والأرض وسنتعرف على مفهوم عرض السماوات والأرض من خلال هذه الدراسة.
      والعلاقة بين السماء الدنيا والسماوات الست الأخرى ليست كالعلاقة بين الأرض وما فيها وما يعلوها فهذه المكونات تخضع لقوانين فيزيائية وسنن محددة تقوم على قوانين المادة والزمن والمسافة والسرعة والحيز والطاقة وغيرها ، وهذه القوانين لا تسري على السموات الأخرى فلكل سماء منظومتها القانونية وسننها الربانية الخاصة بها ، فلا يقال أن السماء الثانية فوق السماء الأولى بالمعنى المادي للموضع فوق وتحت ، بل موجودة بصورة موازية مع بقية السماوات يفصل بينها أبواب ومنافذ تسمى (أقطار) تقود للانتقال من سماء لأخرى أي من كون وبيئة محددة لبيئة أخرى وكل كون (سماء) له محيط مادة خاصة به وسنن ومجال رؤية خاص به كما سيأتي معنا مستقبلا.
      وسننطلق لمواضع مفردة السموات في القرآن الكريم لندرك الفرق الدلالي بينها وبين مفردة السماء التي تعلقت بالكون المادي الذي نعيش فيه وتحديداً الفضاء الذي يحيط بالأرض ، أما السموات فهي الأكوان الأخرى التي تتواجد في نفس الوقت بحالة أخرى لا نستطيع إدراكها ولا الانتقال إليها.
      قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33]
      فالله جل وعلا يتحدث للملائكة وآدم قبل هبوطه من السماء السابعة لما دونها فعندما يقول تعالى غيب السماوات والأرض فهو يتحدث عن كل الأكوان المتطابقة المختلفة التي تضم أصنافا من المخلوقات بما فيها السماء التي التقت فيها الملائكة بآدم وبإبليس قبل أن يسكنهم الله الجنة، في حين كانت الأرض وسماءها كوناً وضيعاً سفلياً دنيئاً بالنسبة لملكوت الله.
      فلو قال قائل أن الله يتمدح بعلمه بما في الكون المادي الذي نحن فيه فأين ذهبت بقية السموات الست والموضع الذي التقى فيه آدم وإبليس والجنة التي أسكنهما ربهما فيها ثم أهبطهما الى الأرض ، فلزم أن يكون قول الله عن علمه لما في السماوات والأرض شاملا لتلك العوالم والأكوان.
      أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ  [البقرة:107]
      ولما علمنا بأن مُلك الله يشمل الجنة والنار وأرض العرض والحساب وسدرة المنتهى والصراط وجب أن تكون داخلة في مفهوم (السماوات والأرض) وليست منفصلة عنها ، وإذا كنا نعلم أن قوانين الحياة في تلك العوالم مختلف تماماً عن قوانين السماء الدنياً علمنا بأن كل عالمٍ هو كونٌ مستقلٌّ يسمى سماء.
      وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ[البقرة:116]
      أن الله تعالى لو أراد أن يتخذ ولداً لاتخذ من عوالم أكثر تطوراً وتفوقاً من السماء الدنيا فكلها ملكه، ولكنه تعالى وتنزه عن ذلك فهو يملك كل ما في السماوات والأرض ولا ينبغي له أن يلد أو يولد أو يكون له كفؤاً من مخلوقاته.
      ——————-

      باب في طبيعة الرؤى وخروج النفس من السماء الدنيا
      سنرى في بحث لاحق في هذا الكتاب دراسة حول حقيقة النفس في القرآن الكريم ونقول فيه بأن النفس هي مناط الاختيار والإرادة والذاكرة والخبرة، وهي ما يسميه أهل علوم النفس بالعقل الباطن فهي المحرك الأساس للجسد، وحينما تستقر في الجسد الصحيح فإنها تحرك أعضاؤه وتتحكم بأطرافه وحواسه الحية فينتج عن إرادتها وأوامرها حركة وأفعال ملموسة.
      والقلب هو نواة النفس، ومفهوم القلب في التعبير القرآني هو الضمير وليس العضلة التي تضخ الدم، بل القلب في القرآن هو جهاز التحكم المركزي الذي يوجد في مقلوب النفس ودواخل العقل وسمي (قلباً) لأنه لا يرى وهو من المصدر “فَعْلْ” وهو كالنفس لا يعد جرماً مادياً ملموساً، بل هو نواة النفس لأنه داخلها
      وقلنا بأن النفس البشرية هي ذات ابن آدم الحقيقية التي خلقت مع خلق آدم وأن حالتها الدنيوية إنما هي حالة مؤقتة تتقمص فيها بدناً بالياً وتتحكم فيه وتقوده وقد بدأ سكناها في هذا البدن مع تكون الجنين في رحم أمه ونفخ الروح فيه ، وإلا فإن النفس سابقة للوجود وخالدة في ذاتها لا تفنى بعد خلقها الأول أبداً.
      وهذه النفس بقيت ما شاء الله لها أن تبقى في سماوات غير السماء الدنيا حتى أراد الله أن يقرنها بجسد في رحم الأم تسكنه وتخضع لاختبارات الحياة الدنيا حتى يأتي الموت فتنزع الروح (الطاقة التي تبث الحياة في الجسد الفاني) وتخرج النفس وتزهق وتنتقل لسماء أخرى وحال آخر ، وستنتقل من طبق إلى طبق حتى تصل لمرحلة البعث والحساب والجنة أو النار أجارنا الله منها وفي كل حال من هذه الأحوال يسكنها الله قميصاً ملائماً لكل سماء من السماوات التي تتنقل فيها.
      إن خروج النفس من السماء الدنيا لا يقتصر على حالة الموت فقط ، بل يمتد طوال عمر ابن آدم ، ففي كل مرة ينام الإنسان فإن نفسه تفارق بدنه ولكن روحه لازمة للبدن لأنها مادة الطاقة والنمو والحياة والنفس جوهر الإنسان وقائدة البدن.
      وخروج النفس من البدن بفعل الموت يترافق معه مشاهدات للملائكة ولعوالم من خارج السماء الدنيا لذلك يقول تعالى:
      لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:22]
      فكشف الغطاء جعل الإنسان حال النزع يرى شخوصاً ويسمع حديثاً لا يراه من حوله لأنه في طور الانتقال العسر بين السماء الدنيا والسماء التالية.
      وكذلك الحال عند النوم، فإن الرؤى والأحلام إنما هي واقع آخر، ولكنه خارج السماء الدنيا، ويمكن تفسير ما تحمله الرؤى من رموز وإشارات تدلنا على وقائع مستقبلية يكون أمراً مفهوماً ومعقولاً في هذه الحالة فإن النفس تنتقل لسماء خارجة عن ناموس السماء الدنيا وقانونها ، فلا يقع عليها قانون الزمن ومفاهيم الحاضر والماضي والمستقبل لأنها خارج إطار هذا القانون ولا تخضع للزمن لذلك فمن خلال الرؤى يمكن معرفة بعض الغيوب كوقائع من المستقبل أو من الماضي ولنا في سورة يوسف مثلٌ بيِّن.
      فنخلص إلى أن الحياة في السماء الدنيا يفرض الخضوع لقانون الزمن والخروج من هذه السماء يبطل تأثير هذا القانون، فخروج النفس بالنوم أو بالموت يفسر ويبين كيف أن المرء يرى ويعلم مالا يراه في السماء الدنيا.

      ——————

      وأختم في الحديث عن البرزخ الذي تفضلت بذكره والذي استقر من خلال البحث أن البرزخ لا يتعدى شعور الميت بأنه قضى يوماً أو بعض يوم وليس أكثر من ذلك ، فالميت بعد الموت يفاجأ بأنه يصحو بعد ساعات قليلة من موته ووارءه سائق الى المحشر لأنه خرج من القيد المسمى الزمن وسيرى اسلافه وابناءه ومن أتى بعده ، والناس في الدنيا مقيدون بقيد الزمن يعملون ويكدحون وينتظرون قياماتهم بخروج أرواحهم من أجسادهم ، وهم يحاسبون في مكان وكون آخر ، وهذا مالا يمكن تصوره لأننا تحت تأثير الزمان والمكان ولكن الرؤى والأحلام القابلة للتفسير والتي تخبرنا عن الواقع والمستقبل وأنواع من الغيوب تفسر لنا كيفية هذه الحالة.
      والله تعالى أعلم

      1. نفع الله بكم دكتور وقد أوضحت وزال الاشكال واتضحت الرؤيا وبدت الأمور تظهر بمنطقية أكثر ولله الحمد وهذا باعث على الارتياح وخاصة أن الأمر يتعلق بمصير حتمي سيعيشه كل شخص اجلا أو عاجلا نسأل الله حسن الخاتمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *