مَرَاتِبُ الدِّيْن ، مَفَاهِيْمُهَا فِيْ ضَوْءِ القُرْآنِ الكَريْم وَ السُّنّة المُطهَّرة (14)

مَرَاتِبُ الدِّيْن ، مَفَاهِيْمُهَا فِيْ ضَوْءِ القُرْآنِ الكَريْم وَ السُّنّة المُطهَّرة (14)

الشعبة الثالثة عشرة

ولاية المؤمنين والبراءة من الكافرين.

إن محبة المؤمنين وموالاتهم والنصح لهم دليل إيمان العبد ، ذلك أن المشترك الاعتقادي بين المؤمنين يفرض عليهم مودتهم تجسيد شعب الإيمان فيهم من إكرام وإطعام وشفقة ونحو ذلك.

{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة:71]

وبالمقابل فإن المؤمنين محبين لله متشوقين إليه مشفقين من عذابه وأعداء الله أعداء لأولئك المؤمنين ، فينبغي بغض ما هم عليه من ضلال ومقاومة عداوتهم لله وللمؤمنين ،البراءة منهم لأن من فعل ذلك فقد خلع ربقة الإيمان.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } [الممتحنة:1]

 

ناقضها:

تولي الكافرين من دون المؤمنين ، والمنافقين عديمي الإيمان ولا يعتقدون بقدرة الله على النصر ولا يثقون بالمؤمنين فضلا عن أن المؤمنين بالنسبة لهم أعداء المنهج للمنافقين، وتوعدهم ربنا جل جلاله بالعذاب الأليم.

بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)

 

 الشعبة الرابعة عشرة

الوفاء بالعهد.

إن العهد مما يلتزم العبد بإنفاذه ، وقد يقطع العبد على نفسه عهداً فيبدو له غير ما عاهد به ، أو يرى أن فيه ما يؤذيه أو لا يجلب نفعا إليه فينكث عهده وينكره ، وهذا النكران من صفات اليهود والمنافقين ، وكلا الفريقين يحملان ذات الصفة ، وقد عدَّ الله تعالى الوفاء بالعهود من صفات المؤمنين وذلك في سورة أسميت (المؤمنون) لافتتاحها بأبرز شعب الإيمان وصفات المؤمنين ، ومنها الآية التالية التي تكررت بذات الرسم في سورة المعارج أيضاً:

{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [المؤمنون:8] .

 والعهد كلمة قد تقال باللسان وليس عليها شاهد ولا وكيل، ولكنها ملزمة لمن عاهد بها فنسب الله تعالى العهد إليه فأسماه (عهد الله) فالمعاهدة تشتمل على اليمين بالالتزام بالعهد فمن نقضها انتفى عنه الإيمان لأن المؤمن بالله حق الإيمان لا يمكن أن ينقض العهد وهو يعلم أنه جل وعلا مطلع على فعله الخبيث.

{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [النحل:91]

 إن الولاية على مال اليتيم من مغريات المنافقين وقليلي الايمان للعبث به وأكله بالباطل ، وولاية مال اليتيم عهد على من بيده الولاية فإن نقض هذا العهد فقد انتفى الإيمان عنه لذلك حث المؤمنين على الوفاء بالعهد بعمومه وبالأخص في حفظ مال اليتيم لما يترتب على هذا النقض من إفساد لحياته واستغلال لضعفه عن طلب حقه واستغلال عدم وجود والده للاستيلاء على ماله وقد يكبر ولا يعلم بما حدث لماله في صغره.

{ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } [الإسراء:34]

  ومن الآثار والأحاديث النبوية في الوفاء بالعهد حديثٌ عن عبد الله بن أبي الحمسا رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏بايعت النبي قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئت فإذا هو في مكانه فقال يا فتى لقد شققت على أنا ههنا منذ ثلاث انتظرك‏)‏ رواه أبو داود في سننه

 عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم‏)‏ رواه ابن حبان في صحيحه وكذا الحاكم في مستدركه وغيرهما وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال أخبرني أبو سفيان رضي الله عنه أن هرقل قال له سألتك ماذا يأمركم فزعمت ‏(‏أنه يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة نبي‏)‏ أخرجه البخاري

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفع لكلِّ غادرٍ لواءٌ، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان)) ينصب الله للغادر يوم القيامة لواءً فيفضحه الله على رؤوس الأشهاد.

ناقضها:

نقض العهد من أظهر علامات النفاق ، ويشترك اليهود والمنافقون في جمع من الصفات ومنها التقليل من شأن الله تعالى والاستهانة بإحاطته تعالى بخلقه وقدرته على محاسبة الناس على أفعالهم ، ومن تلك الصفات نقض العهد والميثاق يقول تعالى :

{ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [الرعد:25]

 

وبلا شك أن الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين فيقتضي ذلك أن نقيض الوفاء بالعهد هو من صفات المنافقين يقول صلى الله عليه وسلم : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ). رواه البخاري

إن العهد في أصله لا يستشهد فيه بشاهد ، فهو بين المعاهِدِ والمعاهَد ولذلك كانت خيانة العهد استغلالا لغياب الشهود من أعظم الذنوب ومن أدل الأمور على حصول النفاق في القلب.

الشعبة الخامسة عشرة

أداء الأمانة

دليلها:

من صفات المؤمنين أداء الأمانة ، وتوافر الإيمان في قلب العبد يجعله مقراً بوجود الرقيب سبحانه على المؤتمَن ومراقبته تمنع المؤمن من مجرد التفكير في الخيانة ، والله تعالى يأمر بأداء الأمانة فيقول جل شأنه

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } [النساء:58]

ويصف تعالى المؤمنين برعاية الأمانة:

{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [المعارج:32].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “ أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ

وأداء الأمانة بالتالي ليست بالمقابلة ولا الجزاء بل بالابتداء ، فلو خانك من أديت إليه الأمانة لم يجوِّز لك ذلك أن تخونه مما يدلنا على عظم الأمر .

ناقضها:

خيانة الأمانة وهي من شعب النفاق ، ودلائلها كثيرة منها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : ” لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، يَظْهَرُ النِّفَاقُ ، وَتُرْفَعُ الأَمَانَةُ ، وَتُقْبَضُ الرَّحْمَةُ ، وَيُتَّهَمُ الأَمِينُ ، وَيُؤْتَمَنُ غَيْرُ الأَمِينِ ، أَنَاخَ بِكُمُ الشُّرْفُ الْجُونُ ، قَالُوا : وَمَا الشُّرْفُ الْجُونُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ” .

وكأنه فداه أبي وأمي يتحدث عن يومنا هذا ، فالنفاق ظهر والخيانة صارت معتادة ومرد ذلك إلى مراتب الدين المبتدعة.

عَنْ أبي هريرة ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “ إِذَا اتُّخِذَ الْفَيءُ دُوَلا ، وَالأَمَانَةُ مَغْنَمًا ، وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا ، وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الدِّينِ وَأَطَاعُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وَأَقْصَى أَبَاهُ ، وَظَهَرَتِ الأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ ، وَظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ ، وَلَعَنَ آخَرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَمَسْخًا وَقَذْفًا ، وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ ” .

وكأنه يتحدث عن عصرنا هذا حيث ازدهر النفاق وكانت كل بلوى في الحديث نراها واقعاً في حياتنا هذه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري (33) ومسلم (59)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) رواه البخاري (34) ومسلم (58

فكان فيما تقدم دلائل ساطعة على أن خيانة الأمانة شعبة من شعب النفاق.

 

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مشاركة

مقالات اخرى

ذو القرنين الذي أتاه الله من كل شيء سبباً (1)

كتبه : زائر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء ذكر ذي القرنين في سورة الكهف كجواب على أسئلة اليهود الثلاث التي أمروا كفار قريش أن يسٱلوها النبي كتحدي له وتعجيز فسألوه عن : الروح وعن فتية ذهبوا في الدهر الاول

المزيد »

دَعْوى مَشْرُوْعِيّة مُتْعَةُ النِّسَاء

  في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 24 [النساء] القائلون بوقوع

المزيد »