بسم الله الرحمن الرحيم
أَوْجُهُ البَيَانْ فِي كَلَامِ الرَّحْمَنْ (ظلال الساجدين)
قال تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } [الرعد:15]
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً أما بعد:
فقد استوقفتني هذه الآية الكريمة كثيراً فجهدت في فهم أوجه البيان فيها ، وعندما رجعت لكلام السلف رحمهم الله وجدت تأويلات لم أتبين منها المعنى المتسق مع قواعد كلية في القرآن الكريم حتى ظننت أن الله جل وعلا أكرمني بفهم وجه من وجوه البيان في هذه الآية الكريمة لعلي أعرضه آملاً من كل قارئ كريم أن يعقب بما يصوّب ما وصلت إليه فإن كنتُ أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فأسأل الله لي ولكم العفو والمغفرة والأجر على الاجتهاد ، وسأبدأ بعرض آراء المفسرين رحمهم الله وما نقلوه ُمن فهم بعض السلف رحمهم الله جميعاً ، ثم أبيّنُ ما وصلتُ إليهِ بإذن الله.
بعض أقوال المفسرين رحمهم الله:
-
تفسير القرطبي رحمه الله : قوله تعالى : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال قوله تعالى : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها قال الحسن وقتادة وغيرهما : المؤمن يسجد طوعا ، والكافر يسجد كرها بالسيف . وعن قتادة أيضا : يسجد الكافر كارها حين لا ينفعه الإيمان . وقال الزجاج : سجود الكافر كرها ما فيه من الخضوع وأثر الصنعة . وقال ابن زيد : ” طوعا ” من دخل في الإسلام رغبة ، و ” كرها ” من دخل فيه رهبة بالسيف . وقيل : ” طوعا ” من طالت مدة إسلامه فألف السجود ، و ” كرها ” من يكره نفسه لله تعالى ; فالآية في المؤمنين ، وعلى هذا يكون معنى ” والأرض ” وبعض من في الأرض . قال القشيري : وفي الآية مسلكان : أحدهما : أنها عامة والمراد بها التخصيص ; فالمؤمن يسجد طوعا ، وبعض الكفار يسجدون إكراها وخوفا كالمنافقين ; فالآية محمولة على هؤلاء ، ذكره الفراء . وقيل على هذا القول : الآية في المؤمنين ; منهم من يسجد طوعا لا يثقل عليه السجود ، ومنهم من يثقل عليه ; لأن التزام التكليف مشقة ، ولكنهم يتحملون المشقة إخلاصا وإيمانا ، إلى أن يألفوا الحق ويمرنوا عليه . والمسلك الثاني : وهو الصحيح – إجراء الآية على التعميم ; وعلى هذا طريقان : أحدهما : أن المؤمن يسجد طوعا ، وأما الكافر فمأمور [ ص: 264 ] بالسجود مؤاخذ به . والثاني : وهو الحق – أن المؤمن يسجد ببدنه طوعا ، وكل مخلوق من المؤمن والكافر يسجد من حيث إنه مخلوق ، يسجد دلالة وحاجة إلى الصانع ; وهذا كقوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده وهو تسبيح دلالة لا تسبيح عبادة .
-
تفسير ابن كثير رحمه الله : يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ، ودان له كل شيء . ولهذا يسجد له كل شيء طوعا من المؤمنين ، وكرها من المشركين ،( وظلالهم بالغدو ) أي : البكر والآصال ، وهو جمع أصيل وهو آخر النهار ، كما قال تعالى : ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ) [ النحل : 48 ] .
-
تفسير ابن جرير رحمه الله : قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له فلله يسجد من في السماوات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعا ، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كرها حين يكرهون على السجود . كما : –
– 20298 – حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) ، فأما المؤمن فيسجد طائعا ، وأما الكافر فيسجد كارها .
– 20299 – حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان قال : كان ربيع بن خثيم إذا تلا هذه الآية : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) قال : بلى يا رباه .
– 20300 – حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) قال : من دخل طائعا ، هذا طوعا ( وكــرها ) من لم يدخل إلا بالسيف .[ ص: 404 ] وقوله : ( وظلالهم بالغدو والآصال ) يقول : ويسجد أيضا ظلال كل من سجد طوعا وكرها بالغدوات والعشايا . وذلك أن ظل كل شخص فإنه يفيء بالعشي ، كما قال جل ثناؤه ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ) ، [ سورة النحل : 48 ] .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
– ذكر من قال ذلك :
– 20301 – حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وظلالهم بالغدو والآصال ) ، يعني : حين يفيء ظل أحدهم عن يمينه أو شماله .
– 20302 – حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان قال في تفسير مجاهد : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) قال : ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره .
– 20304 – حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وظلالهم بالغدو والآصال ) قال : ذكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له ، وقرأ : ( سجدا لله وهم داخرون ) [ سورة النحل : 48 ] . قال : تلك الظلال تسجد لله .
-
تفسير البغوي رحمه الله : قوله عز وجل : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا ) يعني : الملائكة والمؤمنين ( وكرها ) يعني : المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسيف .
3 تعليقات
بارك الله بك و بمواضيعك القيمة
الرجاء متابعة http://www.youtube.com/watch?v=qDAlru9-kww و اعطائي رأيك
تحليل غاية في الروعة والعمق. أسأل الله أن يكتبه في ميزان حسناتكم وينفع به.