مفهوم الاستثناء في قوله تعالى (إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) [المؤمنون]

أجمع المفسرون على أن المراد بالاستثناء هو في قوله “ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ” هو إحلال الجماع للفئات المستثناة وهم الأزواج وملك اليمين ، وفي هذا البحث سنتناول الآية بمزيد من التدقيق ، ولكن قبل البدء سنستعرض من اقوال المفسرين منهم قول ابن جرير في ( إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ) يقول:

“إلا من أزواجهم اللاتي أحلهنّ الله للرجال بالنكاح.( أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) يعني بذلك: إماءهم. و ” ما ” التي في قوله: ( أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) محل خفض، عطفا على الأزواج.(فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) يقول: فإن من لم يحفظ فرجه عن زوجه، وملك يمينه، وحفظه عن غيره من الخلق، فإنه غير مُوَبَّخٍ على ذلك، ولا مذمومٍ، ولا هو بفعله ذلك راكب ذنبا يلام عليه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) يقول: رضي الله لهم إتيانهم أزواجهم، وما ملكت أيمانهم.”

ونرى أن الوجه الأقرب لمفهوم الآية مغاير لذلك لوجود إشكالات من عدة أوجه:

الإشكال الأول: أن الخطاب شامل للرجال والنساء فعندما يقول تعالى قد افلح المؤمنون فهو يشير إلى النساء والرجال على حد سواء ، فإن قال إلا على أزواجهم شمل ذلك النساء والرجال أيضاً ، وعندئذٍ فالإشكال يظهر فكيف للنساء أن يجوز لهن مواقعة ما ملكت أيمانهن ؟؟.

الإشكال الثاني : أن الاستثناء يخرج ما بعده من الحفظ فقوله تعالى “حافظون إلا على أزواجهم” كانت مواقعة الرجل لزوجه أو ما ملكت يمينه أو جماع المرأة مع زوجها فعلٌ ينافي الحفظ فإنْ واقَعَ الرجل امرأته فهو قد أخلَّ بحفظ فرجه وأخلت زوجته بحفظ فرجها ولكنهما غير ملومين في هذه الحالة ، والحقيقة أن إتيان الشهوة في موضعها الشرعي هو عين الحفظ ، فالمؤمنين بإتيان الجماع الشرعي يحفظون فروجهم فالفعل الشرعي حفظ للفروج في حقيقته.

الوجه الصحيح للسياق :

إن الله يبين بأن من صفات المؤمنين حفظ فروجهم من هتكها بالفاحشة ويشمل ذلك النساء في حفظهن لفروجهن من فاحشة الزنا محصنات وغير محصنات وكذلك الرجال ثم يستثني فيقول (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) أي أنهم مسئولون عن حفظ فروجهم ولكنهم غير ملومين إن وقعت الفاحشة من أزواجهم أو ما ملك أيمانهم والمراد كل ما لهم عليه ولاية أو بينهم وبينه عقد وميثاق.

فإن فعلت امرأة الفاحشة فلا يلام لجرمها هذا زوجها ولا والديها وإنما يقع اللوم على الفاعل دون سواه فلذلك يقول تعالى إلا حِفْظُ فروجِ من تحت ولايتهم أو بينهم ميثاق كالأزواج وملك اليمين من أبناء وبنات وغير ذلك (فإنهم غير ملومين) إن وقع من أيٍّ منهم فاحشة تنافي حفظ الفرج ، ولو كان المراد وقوعهم هم في الفاحشة لما كانت التبعة مقتصرة على اللوم.

فيكون الحفظ هو اجتناب الفاحشة والامتناع عن انتهاك الفروج بأي فعل محرم سواء كان بالزنا أو بفعل قوم لوط أو بأي فعل سوى ذلك للمحصنات وغير المحصنات ، وللرجال والنساء على حد سواء فتكون الآية أعمّ وأشمل في مسألة حفظ المؤمنين لفروجهم بهذه الصورة وتبرئتهم من اللوم في حال فرط أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم في فروجهم فلا يلحق بهم ذنب ولا تبعات.

والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

3 تعليقات

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ابني عدنان
    استميحكم العذر بعدم توافق رأيي مع رأيكم. فقد بدأت بالقول بأن المخاطبين هم المؤمنون ولكن هذه الآية بنفس النص نزلت في أواخر سورة المعارج وهي من السور المكية. فهي كانت تخاطب الرجال فقط لأنهم كانوا يأتون الفاحشة من جميع أبوابها وليس للنساء حيلة ولا قوة في

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      حياكم الله والدتنا الكريمة
      هذه الآية نزلت في سورة المؤمنون ، في سياق تعداد صفات المؤمنين حتى بلغ وصفهم قوله تعالى:
      وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) [المؤمنون
      فهل الذين يأتون الفاحشة هم المؤمنون الموصوفون في هذا السياق؟؟
      ثانيا : فالآية عندما نطبقها على المؤمنين ذكورا وإناثا ، رجالا ونساء نجدها منطبقة لا تتناقض مع مقتضى الآية.
      وكذلك الامر في سورة المعارج فالسياق يستثني المصلين من المجرمين ويصفهم بنفس وصف المؤمنين فيقول تعالى:
      إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ (22) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ (23) وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ (24) لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (25) وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ (26) وَٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَيۡرُ مَأۡمُونٖ (28) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (31) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ (32) وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَٰدَٰتِهِمۡ قَآئِمُونَ (33) وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَٰٓئِكَ فِي جَنَّٰتٖ مُّكۡرَمُونَ (35)
      فالنص مذكر بالتغليب ولكن الخطاب والوصف يدخل فيه النساء والرجال والله اعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مشاركة

مقالات اخرى

ذو القرنين الذي أتاه الله من كل شيء سبباً (1)

كتبه : زائر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء ذكر ذي القرنين في سورة الكهف كجواب على أسئلة اليهود الثلاث التي أمروا كفار قريش أن يسٱلوها النبي كتحدي له وتعجيز فسألوه عن : الروح وعن فتية ذهبوا في الدهر الاول

المزيد »

دَعْوى مَشْرُوْعِيّة مُتْعَةُ النِّسَاء

  في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 24 [النساء] القائلون بوقوع

المزيد »