العَقْلُ وَ الْقَلْبُ وَ الفُؤَادُ فِيْ ضَوْءِ الْمَفْهُومِ القُرْآنِيّ

العَقْلُ وَ الْقَلْبُ وَ الفُؤَادُ فِيْ ضَوْءِ الْمَفْهُومِ القُرْآنِيّ

القلبُ سلطانٌ يملكُ فارساً اسمه العقل ، وجواداً اسمهُ الفؤاد،  وَإدراك مدى صَلاحُ هذهِ المملكةٍ وَدمارها يَتْحَدّد عِنْدَما يَرْكَبُ أحَدَهُما على الآخر

تمهيد وتعريف:

استطراداً لما قد بدأناه في استجلاء مفاهيم الروح والنفس والموت والوفاة ، فقد كان لزاماً أن نمضي في مراجعة وفهم المكونات الداخلية للنفس البشرية والتي من أهمها (العقل و القلب و الفؤاد) والفرق بينها في ضوء السياق القرآني ، مع التنويه بأن اتساق ما يتم التوصل إليه مع ما سبق يحقق الطمأنينة إلى التوجيه الخاص بمفاهيم الروح والنفس والموت والوفاة.

وقد سبق لنا القول في الفصل الأول (الفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْوَفَاة وبَيْنَ الرُّوح وَ النَّفْس) أن القلب الذي يشيع ذكره والإشارة إليه في النص القرآني لا يعني المضغة التي تضخ الدم للجسد ، فقلنا في سبيل تصحيح مفهوم الحديث ما نصه:

عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب)

وإنما جيء بالقلب هنا لتقريب المفهوم للصحابة بأن النوايا الخفية وما تحويه نفس الإنسان هي مناط صلاح العمل وفساده فذلك كالقلب فإنه إن مَرِضَ وفسد فإن ذلك يفسد كل الجسد وهذا من حقائق الطب هذا اليوم فتلف القلب يؤثر على كافة الأعضاء وموته يعني موت ابن آدم ، بينما هناك من الأعضاء مالا يؤدي تلفها للموت ، وكذلك العمل فإنه إن كان خالياً من النفاق وسوء النية فإنه يقبل ويصلح وإن كانت النية فاسدة والنفس خبيثة أفسدت العمل كله وهذا مصداق حديث (عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه) . رواه البخاري ومسلم ).

فالقلب المقصود في السياق القرآني ليس المضغة المتعلقة بالجسد كما أسلفنا ولكنها مقلوب النفس وجوهرها وذلك العضو المتقلب الذي لا يستقر على حال ، فتارة نجده مسارعاً للطاعة وتارة نراه منقلباً إلى المعصية ، ونحن الآن بصدد استظهار الفرق بين القلب و العقل والفؤاد لتتضح لنا بمشيئة الله وظيفة كل منهما وعلاقتها بالعقل وكما اعتدنا سوف نبدأ بتبيان مفهوم كلا من المفردتين وننطلق لربط هذا التعريف بالمفهوم والسياق القرآني بإذن الله تعالى.

ولعلي استغل هذه المقدمة لأنبه على قاعدة مهمة ينبغي بقاؤها نصب عين القارئ وهي تجنب الخلط في التصور والمفهوم بين الأعضاء الشرعية والأعضاء الحسية فالأعضاء الحسية كالدماغ والقلب والسمع والبصر ليست هي الأعضاء الشرعية بل هي مقابلة لها متصلة بها فالقلب الشرعي داخل النفس في بعد غير محسوس وكذلك العقل والفؤاد ، والأعضاء الحسية جسد بالٍ وَخَلَقٌ فانٍ ، بينما الأعضاء الشرعية متصلة بالنفس البشرية من جنسها وباقية معها تستعملها النفس منذ خلقها وحتى مآلها سواء للجنة أو للسعير ، وبالتالي فعند الإتيان بهذه التسميات فينبغي عدم خلط الصورة المستقرة للعضو الحسي مع صورة العضو الشرعي.

وأعضاء كالقلب وما يحتويه (العقل والفؤاد) هي أعضاء مخلوقة من جنس خلق النفس وليست من أعضاء الجسد وهذا ما نحن بصدده.

وقبل أن نورد التعريفات للقلب والعقل والفؤاد أود أن أبين بأن أولا الفرق بين (القلب الحسي) (المضغة أو المضخة) وبين (القلب الشرعي) الذي هو جوهر النفس ومركز القرار ، كما أن هناك فرقاً بين الدماغ وبين العقل فالدماغ ما هو إلا أداة تترجم أوامر النفس للبدن على شكل نبضات كهربية وليس وعاء للذاكرة أو وسيلة لاتخاذ القرار كما يعتقد ، وذلك وفق المفهوم الشرعي في القرآن الكريم بماهية القلب والعقل والفؤاد.

تعريف العقل : هُوَ وِعَاَءُ الْفِطْرَةِ وَأدَاةُ ضَبْطِ السُّلُوك البَشَرِيّ المَبْنيّ عَلَى تَحْقِيْقِ فِهْمِ المُحِيْطِ المادّيّ ،وَالعَقْلُ السَّليم هُوَ مَنَاطُ كُلَّ فِعْلٍ حَسَنْ إذا اسْتَعْلَى فِيْهِ عَلَى الفُؤَادِ وضَبَطَ سُلُوكَه.

تعريف الفؤاد : هُوَ وِعَاءُ الحَاَضِرِ الَّذِيْ يَتَلَقَّىَ مَاَ يَلِجُ فِيِهِ مِنْ خِلَالِ الحَوَاسّ وَهُوُ مَنَاَطُ العَوَاطِفِ والشُّعور مِنْ خَوْفٍ وَحُبٍّ وَرَجَاءٍ وَبُغْضٍ وَحِقْدٍ وَرِضًىً وَشَهْوَةٍ وَسَعَادَةٍ وَحُزْنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ المَشَاعِرِ البَشَريّة ، وَهُوُ مُتَعَلّقٌ بِكُلِّ فِعْلٍ قَبِيْحْ إذا اسْتَعْلَى عَلَىْ العَقْلْ وَتَقَدَّمَ عَلَيْه.

تعريف القَلْبْ : هُوَ جِمَاعُ العَقْلُ وَالفُؤَاد وقائدهما يُرَجِّحُ ويتبع العَقْل عندمَاَ يعتليْ عَلَى الشَّهْوَةِ (الفُؤَاَدْ) أو العَكْسْ ، وهو مَنَاطُ الإدْرَاكِ وَمَنْشَأ الفِعْلِ والقَرار.

ومن خلال الأبواب التالية سنتعرف على دلالات هذه التعريفات وعرضها على القرآن الكريم والحديث النبوي الكريم بمشيئة الله تعالى.

إضاءات حول المفرادات وتعريفاتها

قبل أن نشرع في استعراض التنزيل الحكيم ومواضع ذكر هذه المفردات وفحص سياقها وتوجيهها سننثر مجموعة من الإضاءات حول تلك المفرادت لتعزيز فهم التعاريف وربطها ببعضها البعض للوصول لتصور دقيق قدر الإمكان لهذه المكونات الثلاث :

الإضاءة الأولى :

العقل يسميه أهل النفس وعلومها (العقل الباطن) ويسمونه (اللاوعي) ويسمى قديما وحديثاً (بالضمير) لأن محتواه مضمر خفي عن البشر .

الإضاءة الثانية :

ما يظهر لنا من سلوك بشري إنما هو قرار القلب الناتج عن تمازج العقل والفؤاد وتفاعلهما، فالعقل لا يطرح للقلب إلا الحق أما الفؤاد فمصدر رأيه العاطفة والشهوة والهوى والقلب يختار بينهما.

الإضاءة الثالثة :

خفاء القلب والعقل عن التحكم والمشاهدة هو ما جعل من اسمه (قلباً) فهو في أعماق النفس البشرية في حين ان الفؤاد ظاهر عارض للعبد تظهره العواطف على صفحات الوجه وبنات شفاهه فهو متصل بالحواس وفيه تستقر المشاهدات والمسموعات وعموم الأحاسيس ، كما أن تقلبه واختلاف يقينه وعدم استقراره على أمر واحد جعل من اسمه قلبا لتقلبه من حال إلى حال.

الإضاءة الرابعة :

خضوع القلب للشهوة خاصة ولبقية المشاعر عامة ينتج عن إعلاء الفؤاد على العقل فيجترح الباطل ويكبت صوت العقل والفطرة ، فالقلب إما أن يأخذ من الفؤاد فيخضع قراره للعاطفة والهوى والشهوة ، أو يجعل العقل حاجزا بينه وبين الفؤاد فلا يمر شيء إلا أخضعه للعقل ووزنه بميزانه.

الإضاءة الخامسة :

الفؤاد ليس شراً محضاً فلولاه لفقد البشر قيماً سامية كالشفقة ، والمحبة والسعادة ، وقيماً حيوية كالخوف والشجاعة و الحذر ، فيستحيل عضوا قيِّماً وسامياً عندما ينقاد ويخضع للعقل ، ويصبح بهيميا شهوانيا عندما يستعلي الفؤاد على العقل ، وكل ذلك بقرار القلب ورضاه.

الإضاءة السادسة :

أن قلب النفس يقابله قلب الجسد من جهة تأثيره على صلاح العمل والاعتقاد ، فإن فساد القلب ومرضه يؤدي لفساد الاعتقاد في النفس وفساد الأعضاء في الجسد ولكنهما شيئان مختلفان أحدهما مادي ملموس متعلق بالبدن (حسي) والآخر غيبي في بعد آخر يتعلق بالنفس وأحوالها (القلب الشرعي).

الإضاءة السابعة :

نؤكد على أن الدماغ المادي والجهاز العصبي إنما هو وسيطة تترجم من خلالها أوامر النفس في بعدها الخفي إلى أعضاء الجسد ببعده المادي فليس في جوهر الجهاز العصبي قدرة على أخذ قرار وترك فعل بل إن كل ذلك يتم في القلب ، وبالتالي يترجم ذلك القرار على صورة إشارات عصبية تمر عبر الشبكة العصبية للعضو المراد تحريكه وكل ذلك يتم بصورة فائقة السرعة.

الإضاءة الثامنة :

العقل الذي نقصده ليس الدماغ بل هو مكون رئيسي من مكونات النفس وهو خاضع للقلب بجانب الفؤاد ، والقلب يوازن بينهما ويختار ، فأنواع النفس الثلاث إنما هي أحوالها التي تتقلب فيها وليست ثلاث أنفس كما يظن البعض، فالنفس الأمارة ما استعلى عليها الفؤاد ، والنفس اللوامة ما استعلى عليها العقل ،  والقلب له بين هذا وذاك أحوال عديدة .

الإضاءة التاسعة :

إن الكافر حين يستمع للدعوة لدين الله فإنه قد يُعلي قيم الفؤاد على قيم العقل فيعاند ، أو يعلي قيم العقل (الفطرة) على قيم الفؤاد فيؤمن ، فالمعاند يقدم عواطفه وفؤاده وهواه على عقله وفطرته (كالخوف من فقدان مال أو جاه أو نبذ المجتمع له أو بغضه للمسلمين ورفضه لهم) ، ومنهم من يخشى فواتِ شهوة كالزنا أو الربا أو الخمر فيرفض الإذعان للعقل بل لا يدع له مجالاً ليزن الأمور فيقدم العاطفة والشهوة (الفؤاد) ويعليها ويؤخر العقل ويغيبه فيخفيه ، فيكون قرار القلب على ضوء ذلك ، وهكذا فإن كل فعل ينشأ من إطاعة الفؤاد وإقصاء العقل فهو يتأثر بالعاطفة ويغض الطرف عن السنن والقوانين والحقائق.

الإضاءة العاشرة :

إن فهم هذا التفصيل غاية في الأهمية لتشريح النفس البشرية بصورة واقعية ومعرفة كنهها وكيفية عملها وتفاعل مكوناتها من عقل وفؤاد تحت قلب هذه النفس وهنا يتمكن ابن آدم من تحليل وتفسير ما يواجهه من تناقضات ويستطيع أيضا أن يحسن التعامل مع ذاته والسيطرة على تصرفاته.

الإضاءة الحادية عشر :

إنما سمي العقل عقلاً لأنه يناط به (تقييدُ) الفؤاد والتقدم عليه في المرتبة وكبح جماح الشهوة وإحكام وثاق العاطفة وشد عقالها واستعمالها في جوانب البذل والخير وزجرها عن مواطن الشر  فإن غابت وظيفته كان ابن آدم والحيوان – في مسألة الاعتقاد- واحد حتى لو تفوق في الجوانب الحياتية الأخرى ، وبمنطقنا يصبح ابن آدم (إنساناً) وهي التسمية ذات الدلالة على حقارة خلق البشر سوء طويتهم كما أثبتنا في بحث آخر.

الإضاءة الثانية عشر :

إن الفؤاد تتنازعه شهواته وعواطفه بين جانبين أحدهما خير والآخر شر فما إن يميل للشر وجب على القلب أن يزجره ويصلح أمره ويقدم العقل ويعليه، فإن استعلى الفؤاد على العقل أضعف القلب وامرضه وحجبه فيفسد بذلك العمل.

الإضاءة الثالثة عشر :

إن حركة العقل والفؤاد الدائبة تحت ظل القلب وسيطرته لا تقتصر على الدين والاعتقاد بل تسري على كل جوانب الحياة اليومية اجتماعيةً وتجارية وتعليمية وغيرها فعندما تجد الكافر يجيد استعمال عقله ويعليه في مسائل المادة ثم إذا عرض عليه الدين قدم الفؤاد وغيب العقل كان ذلك مدعاة ومبرراً لعقاب الله له إن استوفي عمله وهو كافر معاند.

الإضاءة الرابعة عشر:

إن المجنون قد يفسد عقله ويغيب ويبقى فؤاده سليماً فتجده عند عواطفه وفطرته في مسائل الخوف والرجاء حاضرة ولكن عقله فسد وتلف  فيفقد ميزة التكليف ، والجنون من استتار القلب بفعل فساد العقل أو فساد الوسيطة المادية التي تربطه بالبدن (الدماغ) .

الإضاءة الخامسة عشر :

إن ابن آدم لا يملك العقل ولا يستطيع النفاذ إليه أو العبث بمحتواه ولكنه يملك الفؤاد ويستطيع التصنّع والخضوع للشهوة والكذب متأثراً بعاطفة او مقاوماً لتلك الجوانب العاطفية السلبية عندما يخضعها للعقل.

الإضاءة السادسة عشر:

إن الملائكة لا تحتوي أنفسها على أفئدة ، فلا تتنازعها قوة خير وشر ، ولا تؤثر فيها العاطفة كالشهوة والعطف والطمع والحب وسواه بل تشتمل أنفسها على قلوب عاقلة تحتوي الفطرة ولا شيء سوى الفطرة ، فلا يستمتعون بمتع الدنيا والآخرة ولا يتأثرون بعاطفة تجاه الخلق فخزنة جهنم ينفذون أوامر الله بمعزل عن أي عاطفة أو اسف أو حزن على مآل أولئك المعذبين.

الإضاءة السابعة عشر:

قيمة الفؤاد لدى الشيطان أعلى من قيمة العقل فكان علو الفؤاد لديه سببا في حصول الكبر والحقد والبغض في نفسه فمن أعلى قلبه الفؤاد وأقصى العقل كان من الشيطان أقرب بل وأسوأ ، ومن أعلى قلبه العقل وأقصى الفؤاد كان إلى الملائكة أقرب بل وأفضل ، وما أورد ابليس لمهلكة الغضب الإلهي إلا الفؤاد فالكبر والغرور والغضب والبغض والحسد كلها قيم الفؤاد ، طغت على قلب ابليس فقادته إلى المهالك ، وسبق لنا إثبات مسألة أن العواطف بتناقضاتها المختلفة متعلقة بهذا الفؤاد.

لذلك نفهم كيف أن هذه المشاعر مرتبطة بالتفؤد والاشتعال وبالتالي فهي الموضع المفضل للشيطان الذي يشبهه في مادة خلقه وهي النار ، ولذا كان جريانه في ابن آدم مجرى الدم ، وقد جاء في الحديث عن عروة بن محمد ، عن أبيه عن جده عطية بن عروة السعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضأ).

فهذه المشاعر المتفئدة المشتعلة إذا غيبت العقل وانساق القلب خلفها أفضت لارتكاب الزلل والخطأ.

هذا الغضب والتفؤد جعل نبي الله موسى يلقي الألواح المقدسة التي كتبها الله له فيها الوصايا والشرائع وكادت الدعوة أن تنشطر ويدب فيها الخلاف : يقول تعالى )ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم والقى  الالواح واخذ براس اخيه يجره اليه) الآية.

ولكن بعد سيطرته على نفسه وتقديم عقله على فؤاده أدرك ما يحدث فيصف تعالى ذلك بقوله :

(ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون)

وكذلك نبي الله يونس عليه السلام عندما قدم فؤاده على عقله وخضع للغضب ، يقول تعالى

(وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين )

فكان الغضب بابا لسوء الظن والتقدير وتغييب العقل واقصاءه.

وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين الذين يملكون قلوبهم فلا ينساقون لإملاءات الفؤاد فيكون الفعل المتوقع حال الغضب هو الفعل المدفوع بالعقل وليس بالفؤاد ، يقول تعالى :

(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) الشورى (37)  فكانت المغفرة والمسامحة قيمة عقلية تكبت اتجاه الفؤاد نحو الانتقام ، وإنما كان ذلك بفعل استقرار الايمان ، فلم ينف الله تفؤد النفس واشتعالها غضبا ولكنه حدد السلوك الايماني الذي ينبغي أن يتبع تلك الحالة ، وهذا السلوك ليس بسلوك مصطنع بل سلوك طبيعي أصيل سببه استقرار الإيمان ، وعليه فكل فعل انتقامي إنما هو حالة غير إيمانية تعتري الإنسان وتسيطر عليه بفعل ذلك الغضب.

الإضاءة الثامنة عشر:

لتقريب المفهوم للقارئ الكريم نستشهد بمثال جهاز كشف الكذب فالفؤاد هو من يدفع القلب لإظهار الانفعالات الكاذبة والملامح المزورة إلا أن العقل (يصرخ) بعكس ذلك لأن فطرته لا تقبل الكذب ولكن استعلاء الفؤاد والشهوة واستيلاءها على القلب كبت قدرة العقل على فرض الحق ونبذ الباطل ، ولكن الحقيقة أن ظاهر هذه الفعلة المشينة مهما كان خفاؤه فهو في حقيقته يخفي صراعا شرسا يمكن قياس حدته بما تتركه من آثار على أعضاء الجسد من ارتفاع في نبضات القلب أو تعرق ولغة جسدية فاضحة وقد تكون خفية جدا لدرجة لا تقاس إلا بأجهزة إلكترونية تتحسس التفاعلات الحيوية أثناء إجراء اختبار معين لكشف الكذب.

الإضاءة التاسعة عشر :

عندما نستظهر هذه العلاقة والتفاعل بين العقل والفؤاد وسباقهما للقلب واقناعه كلا بما لديه فإننا سنتمكن من فهم الحديث الشريف :

 حَدَّثَنَا أَبُو هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يَقْلِبُ وَيَصْرِفُ كَيْفَ شَاءَ»

وهنا تظهر بوضوح هاتين القوتين (اصبعي الرحمن) اللتين تقلبان (قلب) العبد ، فالله الذي يريه الحق والباطل بعينيه ويسمعه بأذنيه ويتفاعل معه بفؤاده آتاه عقلا وفطره على الحق وطهره من الباطل فإن استعلى الفؤاد على العقل تحول القلب وانقلب الى الباطل وإن استعلى العقل على الفؤاد تحول القلب وانقلب عن الباطل إلى الحق فالقرار زمامه بيد العبد وعلى الله الدلالة والهداية والتوفيق فهذين (الاصبعين) من خلق الله عقلا وفؤادا يتنازعان القلب ويتجاذبانه وهو بالخيار على أي اتجاه ينقلب ، ومن عدله جلت قدرته أن أودع الأمانة في ابن آدم (أمانة الاختيار) فيحاسبه على ما يختار بذاته ولا يأطره أو يجبره على شيء ، وفي رواية :ما من قلب إلاّ هو بين اصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه ، فكان العقل مناط الإقامة والصلاح  وكان الفؤاد مناط الهوى والزيغ.

وهذا لا يعني امتناع الجبر على الله بل إنه جل شأنه يملك القدرة المطلقة على كل شيء بلا قيد ولا حد.

ومن الناس من ضل في فهم المسألة فنسب العضو المادي إلى الله تعالى وظن أن القلب المراد به القلب الحسي والمضخة التي تدفع الدم في الجسد البالي الفاني وهذا الفهم قد يشي بتجسيم باطل في حق الله ، في حين أن هذا غير متحقق بصورته التي يتوهمها البعض ، ولكنها كما أسلفنا متسقة مفهومة لا توقع في النفس الشك أو الريب أو الاستغراب ، فقد أشار مفهوم الاصبعين إلى قدرتين أودعهما الله في قلب ابن آدم هما القلب والفؤاد يقلبان رأي العبد ويغيران اتجاهه من عقيدة إلى أخرى ومن سلوك إلى سلوك ، وإن أراد الله هداية عبد من عبادة كبت فؤاده وأعلى عقله فلا يرى القلب أمامه سوى الحق فيذعن ، والعكس صحيح ، وفي نهاية الأمر فإن القلب مالك الإرادة فهو ينوب عن النفس في الاختيار بين السبيلين.

وهنا نتمكن من فهم الرسالات ، فالله يخاطب برسالاته عقول العباد ويستحثها على الوقوف والتقدم على الهوى والعاطفة والشهوة فينقلب قلب العبد من المعصية إلى الطاعة ومن الكفر إلى الإيمان ، فإن أبى وفضل الركون للفؤاد والعاطفة فإن الله يمده بالقوة والمال والحفظ والخيرات ، فيظن المسكين أن منهجه حق ولولا ذلك لانتقم الله منه فيتمسك بكفره ويعتوا عتواً شديداً ، وهنا يحق عليه القول فيبدو ما يحدث وكأن الله أضله ولكن الحقيقة أنه ضل بإرادته ورغبته بلا جبر ولا إرغام.

الإضاءة العشرون :

إن القلوب الغلف هي تلك القلوب التي طغت عليها الأفئدة فغلفت القلب بغلافها وسيطرت على منافذها حتى صمت آذانها عن سماع الحق وأبصارها عن رؤيته فحيدت العقل وأطغت الفؤاد عليه فرفضت الحق تحت قيم الفؤاد الشريرة (الكبر ، الحسد ، الطمع ، الشح ).

الإضاءة الحادية والعشرون:

من فضل الله على بني آدم أن جعل القرار لدى القلب لتتحقق ميزة الاختيار وتتحقق المسؤولية عن الأفعال الصادرة من العبد ، فالفؤاد يقول للقلب شيئا والعقل قد يقول شيئا آخر فيكون الاختيار بيد القلب إن انساق خلف الفؤاد خاب وإن كان انسياقه خلف العقل سلم وفاز.

الإضاءة الثانية و العشرون :

لم يكن الخضر عليه السلام سوى ملكا من الملائكة جعله الله رجلا ولبس عليه ما يلبسون غاب عنده الفؤاد فلم تدخله عاطفة الحزن تجاه أصحاب السفينة ، ولم تدخله عاطفة الانتقام والبغض تجاه أهل القرية التي منع أهلها الضيافة عنه وعن موسى عليه السلام ، ولم تأخذه شفقة ولا عطف تجاه الغلام الذي ذبحه لأنه يتعامل بالعقل ويقصي الفؤاد ، العقل الذي يتبع أوامر الله وينفذها مقصيا الفؤاد بالكلية بل لا يحمل في قلبه فؤاداً ، وفي ذات الوقت كان فؤاد موسى عليه السلام متوقداً مشتعلا تجاه أفعال الخضر رافضا لها متعجبا من فعله ، فكان الدرس الرباني لعبده موسى حمل دروسا هامة منها أن اتباع شرائع الله وأوامره لا تخضع للفؤاد وعواطفه بل تخضع للعقل وثوابته.

الإضاءة الثالثة والعشرون:

الملكين هاروت وماروت لم يحملا أفئدة تدفعهما للإيمان بالسحر واستعماله أو الانحراف بحيازتهما لذلك العلم الشرير فاختار الله ملائكة لهذا الغرض فمن جهة لديهما من القدرات والخوارق ما يفوق السحر والتخييل فلا ينتفعان اصلا بذلك العلم ومن جهة أخرى فهما لا ينبغي لهما أن يخالفان أمر الله وينحرفان لشهوة أو رغبة من فؤاد زائغ يصغي القلب ويحرفه عن الحق كما يفعل أكثر الناس.

الإضاءة الرابعة والعشرون :

إن السمع والبصر الذي ينفذ للفؤاد يختلف عن السمع والبصر الذي ينفذ للعقل ، فالبصر النافذ للعقل يسمى بصيرة يخضع فيه العقل معطيات السمع والبصر المادي لثوابت العقل والفطرة فإن خالفها انتفت عنه السمع والأبصار حتى لو تحققت الرؤية المادية ، فالرؤية المادية بلا إعلاء للعقل وفي ظل اتباع الفؤاد تظل رؤية وليست بصرا وبصيرة واستماعا وليست سمعا فلم تنتج إعلاء للعقل بل أعلت الفؤاد وشهواته على العقل وفطرته فكان الإنسان في مقام الأعمى والأصم حين لم ينتج عن أذنه وعينيه فائدة تذكر حينذاك تعلي العقل على الفؤاد .

الإضاءة الخامسة والعشرون:

يقول تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) فابن آدم يتبع عقله فيتحقق الإيمان ويفضي به إلى الشكر ويتبع الفؤاد فيهوي به للكفر ، والقلب مناط الفعل وهو قائد النفس  (اللوامة ، الأمارة ، المطمئنة) إنما هي أحوال للنفس الواحدة وليست أنفس متعددة ، فالنفس الأمارة هي التي اعتلى فيها الفؤاد فغلف القلب فاستأمر بأمره وأقصى العقل وكبت فطرته ، فإن ثاب ورجع و وجدت نفسه أثر سوء انقيادها لشهوة الفؤاد فأقصاه واسترجع العقل وأعلاه فإن العقل يلوم القلب فيكون ذلك حال النفس فتسمى اللوامة.

الإضاءة السادسة والعشرون :

إن الإتيان بمفردة القلب في القرآن الكريم دائما يحمل دلالة على ما خفي من الاعتقاد عن الخلق فجاز أن يكون الظاهر من أفعال العبد مخالفا لما يحويه قلبه ، أو أن لا يفعل بالضرورة ما يوافق الاعتقاد الخفي في داخل النفس وجوهرها وهو القلب ، لذا وجب أن نفرق دوما بين المتبادر للذهن عند ورود مفردة القلب – العضلة المستقرة في الجسد- وبين قلب النفس وجوهرها الذي يشارك النفس ذاتها في الخفاء والاستتار.

الإضاءة السابعة والعشرون :

إن القلب الذي يتبع الفؤاد إنما يتبع الهوى لأنه يهوي به أسفل سافلين ، فالفؤاد صنو الهوى ، فإن عرض للقلب أمرين قدم العقل ما يجب على النفس اتباعه، وقدم الفؤاد ما تشتهي النفس أتباعه فإنه أطاع القلب رأي الفؤاد فقد أطاع الهوى وزاغ إليه، ومال عن الحق والعقل إلى الباطل والشهوات.

ولك أيها المسلم أن تستكشف مصدر رأيك وميولك هل هي بدافع الفؤاد ؟ أم بدافع العقل ولك بعد ذلك أن تقدم منهما ما شئت ، إلا أن اتباع العقل لا يردك بإذن الله نادما أو متحسرا.

الإضاءة الثامنة والعشرون:

إن اشتعال الفؤاد بالمشاعر المفتئدة كالغضب والشهوة والحسد والكبر والبغض والحقد أمر واقع لكل بني آدم بدرجات مختلفة ، ولكن كل الأفعال الناشئة عن تلك المشاعر إنما هي صورة لخضوع القلب للفؤاد فالمشاعر تنسب للفؤاد ولكن الأفعال تنسب للقلب فهو صاحب القرار الأخير والفاعل لكل ما يعرض له فمنه تنبت النية والنفس تأمر بما يحقق هذا الفعل، فأي فعل يتماشى مع دوافع الفؤاد فإنه فعل سوء فإن خالفه العقل فخضع القلب للعقل كانت محصلة الأمر خيراً وصلاحاً.

لذلك نجد أن الله تعالى في كتابه الكريم ينسب الأفعال الى القلوب فهي من يتبنى المشاعر فيترجمها إلى أفعال ، فإن أخضعها للعقل فقد أفلح وأصاب ، أما إن سلمها للعاطفة والفؤاد فقد أخطأ وأساء.

الإضاءة التاسعة والعشرون:

ينظر الناس للواحد منهم بعين الميزان فيزنون أفعال العبد المتئدة الواعية فينعت بالعقل ، وكلما زادت درجة الاتزان ازداد مستوى العقل لاحتكامه على القلب وهيمنته عليه وتقدمه عن الفؤاد وسيطرته عليه.

فوظيفة العقل بتقييد الفؤاد والإمساك بزمامه هي التي ترسم صورة العبد لدى الخلق وهي حرية بالدراسة والبحث والتنقيب ففيها اسرار للنفس تقود لفتوح هائلة في أصول التعامل معها وسياقتها الى الخير وزجرها عن الشر ، وللعقل اسم آخر وهو “الحجر” الذي يحجر الفؤاد عن الانزلاق للشهوة والشذوذ عن حدود الحق  ، فالإلحاد والكفر هو خضوع لقيم الفؤاد وغياب لقيم العقل فالكافر يكفر بمالا يدركه بحواسه برغم أن العقل يقول بأن إدراك الرب بالحواس إحدى دلائل فساد ربوبيته ، ولأن العقل يقيد الفؤاد عن الجموح والانطلاق خارج القيم العقلية فيحصل الكفر ويحدث الجحود.

وهنا يستقر لدينا بأن العقل يقتضي الإيمان قطعاً ومن لا إيمان له لا عقل له.

الإضاءة الثلاثون:

إن العبد المسلم عندما يأتي طاعة مخصوصة كالصيام أو الصلاة ونحوها فإنه يأتيها مدفوعا برغبة القلب وتوجيهه ، وهو يستمد شرعيتها لديها من وزنها بميزان العقل.

فنجد مثلا أن الحيوانات والعجماوات لا يمكن أن تمتنع عن الطعام صياماً لفترة محدودة وبصفة معلومة  لأن أفئدتها تسوق قلوبها ، وشهوتها للطعام وهي من ابسط الشهوات لا يوجد ما يعقلها ويقيدها ، وكذلك العبد العاصي ، فقلبه يستسلم للفؤاد فيخترق الفرائض وينعتق من قيود العقل التي تدفعه للعبادة فيكون في درجة العجماوات.

قد يقول قائل إن بعض الحيوانات تأتي بأفعال عجيبة تدل على ذكاء وبصيرة قد يفتقدها بعض البشر ، فنقول لو تتبعت الكيفية التي يجري تدريب العجماوات على تلك الأفعال لوجدت بأنها تكافأ في كل مرة تأتي فعلا مطلوبا عند المدرب تكافأ بطعام أو تحرم من شيء أو يجري ايقاع عقوبة عليها وبذلك فإن هذه الحالة في حقيقتها هي خضوع للشهوة والفؤاد وليس لصورة من صور العقل ابدا ، لذلك فإنها لا تلقي بالا لمدربها عند الشبع مثلا او اذا امنت عقابه.

إن بنو آدم ممن ينتظم في اتباع أنظمة بلاده لقناعته بصلاحيتها وقيامها على حياة مجتمعه وصلاح أمر قومه فهو يوظف العقل بصورة سليمة ، وهذا النمط من الناس هو من أقرب الخلق لاعتناق الإسلام إن لم يكن مسلما ، ومن أنفع البشر لمجتمعه.

أما أولئك الذين لا يأتون فرائضهم ولا يلتزمون بقوانين مجتمعاتهم إلا خشية عقوبة أو رغبة في مثوبة دنيوية فهؤلاء لا يختلفون عن حيوانات السيرك إن لم يكونوا أسوأ ، فعند أول حالة فوضى وغياب للنظام تراهم يعيثون في الأرض فسادا بصورة تأنف منها العجماوات وتعجب لها الشياطين.

إن هذه المسألة هي اختبار حقيقي للعبد المسلم هل هو مسلم لله أم مستسلم للسلطة ؟ هل يأتي فرائضه خوفا من قيل وقال ورياء وسمعة ؟ أم قناعة ومحبة وصلاحا ؟.

فهنا نجد الفرق بين المسلمين المستسلمين للسلطة الذين قال الله تعالى عنهم:

{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الحجرات:14]

فالمراد قولوا استسلمنا لسلطتك وحكمك يا محمد ولم نستسلم لله ، بما يحقق الاسلام كدين يرتبط ويخضع فيه العبد لسلطة الله الواحد القهار، الاسلام الذي يدفع الفرد ذاتيا لاتيان الطاعة وترك المعصية محبة وطاعة لله تعالى.

وهو ما دعا به نبي الله ابراهيم عليه السلام عندما قال :

{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة:128]

ولعل القارئ الكريم يطلع على ما كتبته من توضيح لأصول الدين ونقض مفهوم مراتب الدين الذي يتعلمه ابناؤنا وبناتنا وتوضيح ماهية المفهوم الحقيقي للاسلام والايمان والاحسان.

 

شواهد قرآنية

سأعبث قليلاً في ترتيب المفرادات ليتحقق العرض السليم لمادة هذا البحث وسأبدأ بعرض مواضع ذكر الفؤاد في القرآن الكريم ، ثم اعلق على كل آية ليتمكن القارئ الكريم عرض هذا المفهوم على الإضاءات السابقة ونرى مدى اتساقها واتفاقها مع بعضها البعض والفؤاد مرده في اللغة إلى(الفأد) وهو الشوي والتوقد ، المعنى المنسق فعلا مع وظيفته التي يتوقد فيها الفؤاد ويشتعل عاطفة تجاه المواقف المختلفة بدرجة قد تصل للجور والتطرف والشطط حال تغييب القلب للعقل وتقديم الفؤاد عليه:

{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [القصص:10]

وطالما كان الفؤاد مناط العاطفة فقد كادت أم موسى أن تبدي ماحدث لوليدها فرقاً وخوفاً عليه فكان الفؤاد سيفسد الأمر لولا أن الله أعلى العقل ومكنه على الفؤاد فحصل الربط على القلب فيتحقق الإيمان ، وهنا فإن الفؤاد يقدم ما يستقر لديه من مشاعر وعواطف على ما يوحيه العقل إليه من قناعات ، والخضوع لتلك العواطف الظاهرة وتجاهل نداءات العقل الباطنة هو مكمن الخطر.

ونجد ان الله تعالى اتجه لقلبها فربط عليه حتى لا يتأثر بما ضج به الفؤاد ولم يمت الفؤاد أو يلغيه لأنه مكون رئيسي من مكونات النفس البشرية.

ولذلك فما يستقر في القلب من عقيدة هو الأصل وهو ما يُعتمد عليه  أما الفؤاد وما يظهره على صفحات الوجه فيمكن أن يتم تزويره وتحويره لدرجة يصعب على الخبير معرفته ، فالكافر بالإكراه لا يقع كفره طالما كان (قلبه مطمئن بالإيمان).

{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [النجم:11]

ولما كان الفؤاد متعلق بالحواس فيتفاعل مع ما يرى ويسمع ولقد بلغ من شدة حقيقة ما رأى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج ما استقر في فؤاده واطمئن إلى حقيقته برغم ضخامته وغرابته وعجائبه ، فطالما كان الأمر رؤية مباشرة فمحلها الفؤاد وهنا نجد أن العقل الممتلئ بالإيمان صدّقه الفؤاد وهذه الحالة المثالية التي يتوافق فيها مكونات القلب الرئيسية فيصطبغ القلب بصبغة الإيمان الكامل.

ومن ثمرات هذا المفهوم هو تأكيد أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأشياء والأشخاص والعوالم والأبعاد المختلفة إنما كان على وجه الحقيقة ولم يكن خيالات أو وحي أو رؤيا بل حقيقة قادنا لتقرير ذلك مفهوم الفؤاد ووظيفته وأدواته.

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } [الفرقان:32]

فالفؤاد قد يؤثر على العقل بدافع الخوف والحزن فيؤذي الإيمان فالفؤاد بحاجة للذكرى المستمرة من نوافذ السمع والبصر حتى لا تطغى عاطفة سلبية تحيده عن السبيل القويم فكان استمرار انصباب الوحي القرآني طيلة البعثة الشريفة وسيلة لتثبيت الفؤاد فكلما طال الأمد عن الفؤاد حزن أو شك نزلت جرعة قرآنية فثبتته على الحق ، ونرى كيف استعمل مفردة (القرآن) التي تشير للقراءة وبالتالي التعلق بالنظر و السماع ومن ثم النفاذ للفؤاد من منافذه المتعلقة به.

{ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [هود:120]

فالقصص القرآني يستثير عواطف ويكبح أخرى فيثبت الفؤاد على الحق ولا ينحرف تحت وطاة وثقل الدعوة والتكذيب والأذى فيريه كيف أن الله ختم لكل الأنبياء بالنصر وأن ما يعتريك اليوم يا محمد من طرد وصد وتكذيب وسباب قد اعترى من سبقك من الرسل فلا تبتئس ولا يضج فؤادك باليأس والخوف والحزن فكانت تسلية فؤاده صلى الله عليه وسلم عن واقعه متحققة بهذا القصص العظيم.

{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء:36]

ولما كان الفؤاد في محيط سيطرة الإنسان فإن استعلاءه وسيطرته بما يصله من محيطه المنظور والمسموع قد يؤدي لقول الباطل واعتقاده ، فينهى الله القلب عن الخضوع لشهوة الفؤاد والعقل عن الضعف والهوان لأن الله سيسأل النفس عن تلك الحواس وكيف وظف الفؤاد وظيفة فاسدة أو أخضع الشهوة للعقل فصلح القلب وصلح عمله.

{ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } [إبراهيم:37]

وخليل الله ابراهيم عليه السلام يدعو الله أن يقيض لهم من يحمل في جوانحه العطف والخير والمحبة في نفسه ويتحقق لهم الرزق فالأفئدة تحمل العواطف والشفقة على هذه المرأة الوحيدة ووليدها وتحمل إليهم الرزق في هذا الوادي المقفر.

قال ابن عاشور رحمه الله في ذلك :

(والأفئدة : جمع فؤاد ، وهو القلب . والمراد به هنا النفس والعقل .

والمراد فاجعل أناساً يهوون إليهم . فأقحم لفظ الأفئدة لإرادة أن يكون مسير الناس إليهم عن شوق ومحبة حتى كأن المسرع هو الفؤاد لا الجسد فلما ذكر { أفئدة } لهذه النكتة حسن بيانه بأنهم { من الناس } ، ف { من } بيانية لا تبعيضية ، إذ لا طائل تحته . والمعنى : فاجعل أناساً يقصدونهم بحبات قلوبهم . إ هـ)

أما في قوله أن الفؤاد هو القلب فقد جانبه الصواب في ذلك ، أما في قوله أن مسير الناس في شوق ومحبة فهو ما يناسب الأفئدة من حيث طبيعتها وهو العاطفة الجياشة.

إن الدعوة بتسخير الأفئدة التي يدعو إبراهيم عليه السلام بها لتتجه لموضع زوجه وابنه كان دافعها الشفقة على هاجر وإسماعيل عليهما السلام  ورجاءه في نجدتهما بأناس يحملون في قلوبهم قلوبا رقيقة تعتني بهما وتؤنس وحشتهما.

{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل:78]

فالطفل خلال سنوات عمره الأولى يتشكل العقل ويبدأ يلتحق بالفؤاد سرعة ونمواً ليكتسب الخبرات حتى يبدأ تأهيله للتكليف عند البلوغ  ، فكان ترتيب تلك الحواس والمكونات وفق أولوية الخلق فبدأ بالسمع الذي يتخلق في بطن الأم ، ثم الأبصار التي تكتمل بعد الولادة وتبدأ في الأسابيع الأولى ثم الفؤاد الذي يبدأ يتشكل لدى الطفل على هيئة عواطف ومشاعر فياضة تجاه أمه في مرحلة لاحقة ثم العقل الذي لا يكتمل إلا في مرحلة البلوغ فتبدأ معه مرحلة التكليف.

{ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } [إبراهيم:43]

ولما كان الخوف الشديد عاطفة منشؤها الفؤاد فإن افئدتهم تطير خوفاً وهلعاً مما ينتظرها من عذاب ، يقول صاحب التحرير رحمه الله (وقوله : { وأفئدتهم هواء } تشبيه بليغ ، إذ هي كالهواء في الخلو من الإدراك لشدة الهول .) ا هـ.

ونرى كيف أن منافذ الفؤاد نجدها في آيات القرآن الكريم حاضرة في غالب المواضع فإينما تجد الفؤاد تجد مفردات (الطرف، السمع ، البصر) صراحة أو ضمنا ، في ذات الآية أو في سياقها.

{ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } [الأنعام:113]

فتميل الافئدة لزخرف قول (شياطين الإنس والجن) الذي يستجلب عواطفهم ويوافق شهواتهم في دفع نور الإيمان عنهم فيستعلي الفؤاد على العقل ويستقوي عليه فيمرض القلب ويميل عن الطريق القويم ، وياتي الإصغاء في الاصل بمعنى الاستماع ، ولما كان الفؤاد وعاء من أوعية الاسماع ، والأسماع قناة من قنوات الفؤاد كان استعمال الإصغاء أنسب مايرد معه هو الفؤاد كما سبق.

جاء في تفسير الطبري رحمه الله تعالى:

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا =(ولتصغى إليه)، يقول جل ثناؤه: يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المزيَّن من القول بالباطل, ليغرّوا به المؤمنين من أتباع الأنبياء فيفتنوهم عن دينهم (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، يقول: ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة . إ هــ.

وهنا نلحظ الخلط في تسمية الفؤاد بالقلب ولكنه من وجه آخر جائزٌ في مفهومنا هذا إذ أن استعلاء الفؤاد يصبغ القلب بصبغته فتميل وتنقلب استجابة لشهوة الفؤاد وتاثيره.

{ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ } [الهمزة:7]

وهي نار الله الموقدة ، واطلاعها على الأفئدة لكونها مناطق الشر والعصيان من حيث استعلائها على العقل وتقديم شهوتها وعاطفتها على الحق واستعمالها في مالا ينبغي فتكون أول من يجني ثمرة فعلها ، وكذلك فإن الأفئدة كما رأينا من وظيفتها يدخلها الخوف الشديد والهلع والحزن والرعب فكان اطلاع النار الموقدة عليها من خلال مصبات الفؤاد وهي الابصار تشعل الفؤاد رعباً وتفرغه هواءً فيكون عذاب بجانب الم الحرق بنار جهنم وعذابها.

وكان التعبير بأن النار هي من تطلع على الافئدة وليست الافئدة من خلال حواسها من تستطلع النار بل أن الأفئدة من شدة العذاب ورعب الموقف تتجنب النظر لشدة ما يداخلها من خوف ورعب ولكن النار تطلع بذاتها لداخل تلك الافئدة المكذبة العاصية المغضوب عليها إمعانا في وصف جسامة هذا المآل وسوءه وحجم الألم الذي يدخل للنفس.

 

الفؤاد في الحديث النبوي الشريف

حديث رقم (5417) عن عائشةَ ، زوجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؛ أنها كانت ، إذا مات الميتُ من أهلها ، فاجتمع لذلك النساءُ ، ثم تفرقنَ إلا أهلها وخاصتها – أمرت ببرمةٍ من تلبينةٍ فطُبخت . ثم صُنِعَ ثريدٌ . فصُبَّتِ التلبينةُ عليها . ثم قالت : كُلْنَ منها . فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول ” التلبينةُ مُجِمَّةٌ لفؤادِ المريضِ . تُذهب بعضَ الحزنِ ” (صحيح البخاري).

فالأثر هنا هو ذهاب الحزن فالتأثير فيما يظهر من قوله صلى الله عليه وسلم اثر نفسي متفق ومتسق مع وظيفة الفؤاد العاطفية وليس اثر عضوي مادي ، وهنا دلالة على اثر صلاح الفؤاد وسكونه في حصول الشفاء واثر الجزع في تفاقم المرض والداء.

حديث رقم (1021) قال صلى الله عليه وسلم ( إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ قبضتم ولدَ عبدي فيقولونَ نعم فيقولُ قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ فيقولونَ نعم فيقولُ ماذا قالَ عبدي فيقولونَ حمِدَكَ واسترجعَ فيقولُ اللَّهُ ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ) ( صحيح الترمذي)

وقد أتى بالفؤاد هنا لأنه مناط العاطفة والحزن فيحمل الفؤاد تلك الأحزان فيصطبغ القلب بها فإن استعلى العقل كان الصبر والإيمان والجلد والرضا بقضاء الله ، وإن استعلى الفؤاد ضج بالحزن والسخط واللطم وشق الجيب والألم ، فيثني جل جلاله على من حمد واسترجع وأعلى عقله وضبط مشاعره وحواسه.

حديث رقم (3392 ) فرجع النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى خديجةَ يرجُفُ فؤادُهُ ، فانطلقتْ بهِ إلى ورقةَ بنِ نوفلٍ – وكان رجلًا تنصَّرَ يقرأُ الإنجيلَ بالعربيةِ – فقال ورقةُ : ماذا ترى ؟ فأخبرَهُ ، فقال ورقةُ : هذا الناموسُ الذي أنزلَ اللهُ على موسى ، وإن أدركني يومُكَ أنصرُكَ نصرًا مؤزَّرًا (صحيح البخاري)

ولا شك بأن ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم عظيم التأثير فدخلت لفؤاده عاطفة الخوف والفزع مما رأى فكان وقوع الأثر على الفؤاد ذلك أن ما رآه صلى الله عليه وسلم لم يكن خيالا أو رؤيا بل حقيقة نفذت من حاسة البصر المادي والسمع الفعلي لفؤاده ومن ثم إلى قلبه وعقله فكان وقوع هذا الأثر الظاهر على بدنه بالرجفة والخوف.

العقل في السياق القرآني

لقد أثنى الله في كتابه العزيز على العقل وحث بني آدم على توظيفه في معرفة الله وتمييز الحق عن الباطل ، والعقل هو الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها وهو ما قد نسميه باللاوعي فهو يختزن الحق دون سواه ولا يعنيه من العواطف والمشاعر شيء فهو يؤتي الأمر حقه وفق ما فطره الله عليه ، ولو تتبعنا مواضع استعمال مفردة العقل في القرآن لوجدنا مواضع عديدة للاحتجاج بهذا العقل لمعرفة الله والاستدلال القاطع على وجوده.

وطالما كان الفؤاد لا يؤمن إلا بما يرى ويسمع ويشعر ويحس فإنه إن استعلى على العقل فإن القلب ينقاد للفؤاد فيكفر بالله لأنه لا يراه ولا يشعر بوجوده كما يرى من الأصنام مثلا أو المعبودات الأخرى ، ففي الوقت الذي يتعامل الفؤاد مع الواقع المرئي والملموس ، فإن العقل يتعامل مع الحقائق المجردة بمعزل العواطف والمشاعر ، ولكن يجب أن لا ننسى بأن القلب هو من يتبنى صوت العقل أو يتركه ويتبنى صوت العاطفة والفؤاد :

{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [البقرة:44]

أفلا تعقلون ؟ ، سؤال استنكاري يوجهه الله لعلماء بني اسرائيل الذين اعلوا شهواتهم وعواطفهم التي تقصي الحق فاستعملوا الشريعة لاستعباد الناس واستعمالهم فيامرونهم بإتيان الشرائع والأوامر والانتهاء عن المحرمات ولكنهم يأتونها هم في تناقض ينبئ عن انقيادهم لأفئدتهم التي تأمر بما ينافي العقل لمجرد الحصول على الشهوات الملموسة من مال وسلطة وشهوة وغيبوا صوت العقل الذي يوقن بالله وبأوامره وأنها يجب أن تؤتى في السر والعلن.

{ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة:73]

فقيام ميت من بين الأموات لمجرد ضربه بشيء من لحم هذه البقرة يجعل العقل ينشط في النفس فيستعلي في القلب السليم المؤمن ويتقدم لما رآه من قدرة الله وعجيب صنعه ، أما القلب المريض الذي يستعلي فيه الفؤاد فسيقول: لهذا منعنا موسى من عبادة العجل ، ففي هذه المخلوقات سر عظيم يحيي الموتى واتخاذنا لها آلهة كان قراراً صائباً ، فيزدادون كفراً إلى كفرهم وكذلك يضل الله من يشاء الضلاله ويهدي من يشاء الهداية ، وإنما كان اتخاذهم العجل برغم كل ما رأوا من المعجزات العجائب لاعلائهم الفؤاد واقصائهم العقل فهم لا يؤمنون إلا بإله يرونه ويسمعونه فاتخذوا العجل وطالبوا موسى برؤية الله جهرة وهكذا فبنو اسرائيل طالما استعلى الفؤاد على قلوبهم واقصي العقل فكان تاريخهم مليء الكفر والعصيان.

{ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [المؤمنون:80]

إن الفؤاد لا يملك التحقق من صحة هذه الآية فهو إن خضع الأمر لقوانينه فلن يؤمن ، ولكن إن أخضع الأمر للعقل فهو من يدرك حقيقة قدرة الله على الإحياء والإماتة وعلى اختلاف الليل والنهار ، فذيل الآية بدعوتهم لتحكيم عقولهم ، ولِعَقْلِ أفئدتهم عن التجاوز في حق الله بالكفر به وجحود قدرته وألوهيته.

{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } [الفرقان:44]

فالأنعام تسير خلف افئدتها وشهواتها ، فلو كان القوم فيهم من يعقل ويسمع لسيطر على الهوى وعقل الفؤاد وكان القلب سائقا للخير مانعاً عن الشر سائراً في ركاب الحق.

{ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } [الحشر:14]

قلوبهم شتى وبأسهم بينهم شديد ، وهذا نتيجة إقصاء العقل وإعلاء الفؤاد ، فالفؤاد مناط العواطف والمشاعر من كبر وحسد وحب وبغض وطمع وحقد فلا رادع لهم عن بغض بعضهم البعض ، فلو أنهم عقلوا لعلموا أن في اجتماعهم قوة وأن تقديم الإيثار وحب الخير للناس أجدر وأضمن للنصر ولكنهم قوم لا يعقلون.

{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [الملك:10]

وعندما ينحطمون في جهنم فيحصل الندم في قلوبهم على إعلائهم الفؤاد أمام العقل ، والمراد بالسماع هنا هو الاستجابة لداعي الحق ، وإلا فسماع الصوت متحقق إلا أن الاستجابة والرضوخ للحق وترك الباطل هو إحكام للعقل وإقصاء للفؤاد والهوى والعواطف ، فاعترفوا بذنبهم ، وحضرت عقولهم عندئذٍ ، فإذا كانت رؤية العبد بعينيه لا تحقق في قلبه النهي عن المنكر والأمر بالمعروف فهو لم يرى ، وإذا كان السمع والاستماع بأذنيه لا يحقق في قلبه الزجر عن المحرمات وإتيان الطاعات فكأنه لم يسمع ، فلما انتفى الهدف من السمع والبصر فوجودهما وعدمه سيان.

{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [البقرة:75]

فيقول الله مخاطباُ المسلمين ، أتأملون في اليهود خيراً وهم الذين كانوا يسمعون كلام الله ويستقر في عقولهم ويتسق مع فطرتهم وعقولهم ثم يعلون أفئدتهم ويقدمون شهوتهم ويكبتون صوت عقولهم فيعتدون على النص ويغيرون ويحرفون برغم علمهم بالحق الذي جائهم ، فإن كانوا كذلك فيما جيء به إليهم فكيف سيكون حالهم مع ما نزل إلى غيرهم ؟.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } [البقرة:170]

ففي حين كان بنو إسرائيل يعقلون ولكنهم يكبتون عقولهم ويعلون أفئدتهم فقد كان قريش قوم عباد أصنام تستعلي افئدتهم على عقولهم فلم يتفق شيء من علمهم وعباداتهم مع العقل بل كانت تتفق مع افئدتهم (أهوائهم وشهواتهم ) ولم يخضعوا افعالهم وعباداتهم للعقل أبداً.

{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } [المائدة:58]

فهم يستهزئون بالصلاة إلى إله لا يرونه ولا يصدقون بقدرته ، ويرون أن عبادتهم للحجارة والاصنام هي الحق لأنها عبادة تصرف لآلهة يرونها ويلمسونها بأيديهم فتستقر لذلك أفئدتهم ، أما عبادة الله تعالى بخفاء ذاته عن ابصار خلقه ومعرفته في بصائرهم وعقولهم فخضوع الإله لمعايير الفؤاد يؤدي لترك عبادة مستحق العبادة وصرفها لمن لا يستحق ذلك ، فهو قوم لا يعقلون.

{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } [الأنفال:22]

وقد وصفهم الله تعالى بالدواب ، فالدواب لا تحمل في قلوبها عقلاً بل افئدة تبحث عن شهواتها من مأكل وشهوة ، وتخضع بالكلية لحواسها ، والصمم والبكم هنا هو امتناع وصول الحق للعقل واقصاءه واقتصار ما يلج للقلب من منافذ البصر والسمع على الفؤاد فلا ينفذ للعقل لانتفاءه.

 

براءة العقل من الزلل

العقل والشرع ورقتان من بذرة واحدة

يتردد نقد العقل وانتقاصه ورميه واتهامه وبالأخص من طوائف الأصوليين عامة ، والحقيقة أن المسلم المتدبر للقرآن العظيم يجد أن العقل يحتل مكانة إيجابية في النص القرآني ، والله تعالى يحيل إليه دوما عند كل  مناظرة وتثريب وتقريع الكفار والمعاندين فكيف يستقيم اتهام العقل ووصمه بالنقص والسوء في الوقت الذي يرمز العقل في السياق القرآني للاتزان الإذعان للحق وترك الباطل؟

لقد وجدت أن وضع العقل في هذا القالب ومحاولة رسم صورة نمطية سلبية عن العقل يرجع للأسباب التالية:

أولاً: رد فعل على استعمال الملحدين والعلمانيين لمفردة العقل للإيحاء بمناقضة الشريعة والعقيدة الإسلامية  العقل والتفكير السليم ، وسوق أمثلة يزعم فيها دعاة الالحاد إخضاع هذه الثوابت للعقل لينتج وفق تصوراتهم ورسوماتهم وتدبيراتهم أن تلك العقائد والشرائع مناقضة للعقل وهي في حقيقتها مناقضة لأفئدتهم وأهوائهم.

ولذا فقد اعتقد منتقدو العقل بأنهم بذلك ينقضون الأساس الذي بنى عليه أولئك الملحدين نظرياتهم وحججهم فعملوا على اسقاط العقل في حين أن العقل هو القناة الوحيدة والوسيلة الفريدة التي يمكن بواسطتها فهم الكون والعقيدة والشريعة ووجود الخالق وتصرفه في ملكوته.

ثانياً: استعصاء فهم الفرق بين العقل والقلب والفؤاد في المفهوم القرآني وهذا الفهم وإن كان في السابق لم يتبلور في الفكر الإسلامي بالشكل الصحيح ، وذلك لعدم تطور ادوات فكرية لدى اعداء الدين في ذلك الوقت فلم يكن الوضع يؤثر بصورة مباشرة على ميزان الاحتجاج بين المسلمين وأعدائهم.

ولكن فهم الفروق الدقيقة بين هذه المصطلحات يعد أمرا أساسيا يتمكن المسلم من خلاله فهم واستيعاب النص القرآني بعمق يوازي جزالة ودقة السرد القرآني الفريد.

ثالثاً : اعتقاد البعض بأن استحالة إدراك خوارق الكون والمعجزات وعجز العقل عن استيعاب الطبيعة الإلهية وعوالم الملائكة والجنة والنار والبعث والحساب ، يعتقدون بأن ذلك متعلق بقصور العقل وعجزه عن إدراك وفهم وتصور تلك الغيبيات ، والحقيقة أن العقل هو من يكبح جماح الفؤاد الذي لا يؤمن الا بما يرى فالعقل يمكنه استيعاب وجود عوالم تفوق قدراته وتصوراته وتتفاعل خارج البعد الذي يعيش فيه ولكن الفؤاد هو من يرفض الاستسلام لتلك الحقائق فهو لا يؤمن الا بما يرى ويسمع ، لذلك قال الكفار :

وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) [الإسراء]

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } [البقرة:55]

فهذه أفئدتهم التي سلمت قلوبهم لها فأصبحت تتحكم بهم وتصنع مقاييس الحق والباطل في قلوبهم فلا يؤمنوا الا لما يروا ، ولو سلموا أمرهم لعقولهم لأدركوا ما تختزنه فطرتهم التي أشهدنا ربنا عليها وسلموا بقصور قدراتهم ورضوخهم لأمر الله ونهيه وكبتوا صوت الفؤاد وعقلوا حركته.

فالعقل بريء من الزلل والتهمة ، اقصد العقل الشرعي المنصوص عليه في كتاب الله ، ولكي نحقق التفوق العقدي فينبغي أن نفرض على الطرف الآخر هذه القاعدة ليتم التحاور تحت مظلتها وفي ظل قواعدها ، أما أن يفرضوا قواعدهم الفلسفية التي تستند المنطق الابليسي المادي الذي يقدس الملموس فيحتج به وفي زعمه أنه يحتج بالعقل فيقول

{ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [ص:76]

فجعل معيار الفؤاد المشتعل بالكبر والغيرة والحسد هو المعيار العقلي في نظره ، وكذلك أتباع ابليس على مر الزمان ، فما كانت حجتهم تختلف عن حجة ابليس التي تنبع من الفؤاد وليس من العقل.

إن الملحدين اليوم وضعوا العقل شعاراً يوهمون أعدائهم بأنهم يحتكمون إليه ، فالمسلمين حينئذٍ يواجهون بعاصفة من الاسئلة التي يزعم أولئك بأنها أسئلة عقلية وهي في حقيقة الأمر أسئلة هوى وشبهات الفؤاد يلقونها ليس لمعرفة الحق بل لحرف المؤمنين عن إيمانهم.

وهنا فإني من خلال مطالعتي ومتابعتي لتلك المسائل بأن المشكلة أصولية وليست سطحية ، فالمشكلة أن هناك من يبني ملعباً ويدعوك لللعب بقواعده هو ، كما يفعل من يسمون أنفسهم بالعقلانيين ، فعندما جهلنا معنى العقل وتأخرنا في فهم القرآن الكريم الذي فيه تفصيل كل شيء ، يأتي الملحد ليزعم أنه يحاورك على أرضية مشتركة بينك وبينه وهي العقل ، وهو في الحقيقة يحاورك على أرضية الفؤاد ، ولأنك تجهل ذلك فأنت تستجيب لنداءه وتلعب بقواعده ومفاهيمه الباطلة فيصعب عليك الانتصار.

والحقيقة أننا ينبغي أن نضع قواعد اللعبة وعلى الآخرين أن يخضعوا لها ويلعبون بموجبها ، وهذه من أصول المناظرة الحقيقية فإليك ايها المخالف قوانيننا وقم انت بإظهار الحق الذي تدعيه ولك أن توجد التناقضات في قواعدنا وقوانيننا التي نريدكم أن تقابلوننا على أساسها وهكذا ، فإننا  سنتمكن من قلب الطاولة والتحاور على أساس الحقائق والأفهام وليس على أساس الشهوة والأوهام .

إن ما كتب في تعارض العقل والنقل إنما تأسس على توهم في معرفة العقل بل وتوهم في معرفة حقيقة النفس ، وقد خضعت جموع من العلماء لاجتهادات محددة وسلمت بها وجرمت من يخالف القول بتلك المفاهيم ، ولكن لماذا لا تكون خطأ ؟ لماذا لا نتتبع صور الحق والزلل في تلك المفاهيم ؟.

إن ثمرة المعرفة عندما تكون باطلة فإنها تدل على خطأها بمدى تأثيرها واثراءها لحياة المرء أو تسببها في ضياع بوصلة التفكير والوصول لطرق مسدودة وتساؤلات جديدة ليس لها جواب ، ولكن الحق يقود لجلاء الفهم وصواب القول والعمل وتبيان ما خفي ويحقق في حياتنا رضى داخلي عما تعلمناه ، ويحقق نتائج حياتيه قوية التأثير تنعكس بالثقة والصلاح والمآل الحسن في الدنيا والآخرة.

 

القلب في السياق القرآني

ونكتفي بما قد مضى من قول بشأن العقل و الفؤاد ونأتي الآن للقلب ونستعرض مواطن ذكره في القرآن الكريم ونستظهر معاني تلك الآيات ونرى كيف تكاملت وتجاوبت مع الإضاءات والتعريفات التي سبقت.

وقبل البدء في تتبع مفردة القلب في مواضعها المختلفة أود التنويه بأن إيراد الفؤاد وتفاعلاته لا يلزم انعقاد تأثيره مالم يستقر ذلك التأثير في القلب عندها فإن القلب يتبنى رغبة الفؤاد ويقصي مشورة العقل ورأيه ، وهنا لم يعد فعل السوء منسوبا للفؤاد لأنه انتقل لحيازة القلب وانعقد فيه فأصبح مدونا عليه محاسبا به إن كان اعتقادا (كالكفر والخيانة) وأما إن كان فعلا فيكتمل الركن الثاني بعد انعقاد النية وهو الإفضاء للفعل بالجوارح فيثبت عمل السوء على الإنسان آنذاك.

وغالب مواضع ذكر القلب في التنزيل الحكيم يدور حول تلك المرحلة التي يستقر فيها تأثير العقل على قرار القلب أو يغلب تأثير الفؤاد فينصبغ القلب بصبغة التأثير التي انساق إليها.

{خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة : 7]

وهنا نلحظ ارتباط القلب بالسمع والبصر وهذا يتسق مع قولنا أن طغيان الفؤاد واستعلاءه حتى يصبح مصدر القرار الوحيد هو مناط النفاق والكفر والسوء ، فالأفئدة التي يعد السمع والأبصار منافذها تترك الحق وتتبع الباطل حين تكون الشهوة مقدمة على العقل فيكون الحق الذي يلج الفؤاد من السمع والبصر مكبوتا بفعل الغشاوة التي تقدم الشهوات وتحجب الحقائق عن الرؤية والسماع فيكون القلب مغلفا بغشاوة الفؤاد وهيمنته.

يتبع إن شاء الله…

76 تعليق

      1. نفع الله بكم.
        موضوع يستحق أن يخصص له كتاب وكل نقطة وردت في ( اضاءات ) جديرة بالتفصيل والشرح وأن تأخذ حقها من الإلمام الكامل بكل جزءية
        لانها تلقي الضوء على قضايا دينية خطيرة !
        كما أن المسلم اليوم لا تنقصه المصادر العلمية ( كتاب وسنة) بقدر ما ينقصه فهم و وعي حتى يتم تفعيل إيمانه وعقيدته وتصبح واقعا يعيشه كما كان سلفنا الصالح ..
        ونحتاج كمسلمين وكمربيين ومصلحين وطلبة علم إلى التزود بأدوات أكثر فعالية مما كان عليه الحال في الماضي والقريب حتى ! لاننا نواجه تحديات وعواءق مغايرة ومشاكل أكثر تعقيدا ..
        وفي هذه التدوينة القيمة مفاتيح لفهم النفس البشرية من خلال فهمنا لمكوناتنا الظاهرة والباطنة وكيفية تفاعلها مع المؤثرات وماينتج عن ذلك
        باسلوب يتماشى مع جيل اليوم ..
        وعلاقة هذه المفاهيم وترابطها مع قضايا هامة وخطيرة منها :
        مسألة القضاء والقدر( الجبر و الاختيار )
        مسألة ايمان الخلق بربهم شواهد وأدلة الوحدانية وكيفية تأثير العوامل الخارجية في الفطرة السليمة .
        مسألة ( كفر اليهود وتعنتهم ) المشهود له تاريخيا وعلتهم ( سلطة الفؤاد عليهم) وفي المقابل نجد النصارى ( الضالين) يستجيبون أكثر وخاصة من الملتزمين أكثر بالقوانين والأنظمة وهذه نقطة يستفيد منها الدعاة وغيرهم في دعوة الغرب إلى الإسلام وهذا ربما السبب في تفاوت نجاح الدعاة ( فهم شخصية ومجتمع المدعويين ) كما بين رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم حين ارسل معاذ إلى اهل اليمن : .انك تأتي قوما ….( بقية الحديث ) وهذا توجيه نبوي يعتبر من أسس الدعوة .
        كما أن هذا الموضوع يلقي بالضوء على ميدان علم النفس وأنه بفهمنا للتكوين النفسي للشخص و مكامن العلل والخلل سيؤدي هذا إلى معرفة العلاج المناسب لكل حالة
        وكمسلمين نحتاج إلى علم نفس اسلامي أن صح التعبير بمنهجية إسلامية تستمد وساءلها وأدواتها من الشريعة الإسلامية وتغنينا عن علم النفس الغربي المستورد بكل ما حمل ومافيه من نظريات وقواعد تخالف اصول ديننا وفي رصيدنا مندوحة عن الغرب فقد مهد علماء مسلمين لهذا العلم امثال : ابن القيم ، ابن الجوزية ، ابن حزم ، ابن أبي الدنيا، الغزالي، ..وغيرهم وجعلوا لنا نتاجا علميا نفخر به على الغرب وقد كانوا سباقين بل تم سرقة الكثير من النظريات والقواعد من علماء المسلمين وهذا ما تم إثباته وتكفي حوادث نهب المكتبات عند سقوط دول الاسلام وغزوها من الأعداء وخاصة الصليبيين ..
        بحث قيم وحبذا أن يتم التفصيل فيه والتوسع والتطرق إلى جزءية مداخل الشيطان وكيفية تأثيره على البشر والتي عددها القران ( الاغواء ، الوسوسة، الاغراء ، الاجلاب، الاتيان، …..الخ)
        بارك الله بكم وفي ميزان حسناتكم.

        1. جزاكم الله خيرا اختنا الفاضلة
          الحقيقة ان في القرآن الكريم ما يغني عن علوم الفلسفة والمنطق المستوردة من الحضارات اليونانية والاغريقية البائدة ، ولكن تأثر العلماء في العصور المبكرة وخاصة اولئك الذين انتقلوا من خلفية ومنظومة فكرية مدونة ومؤصلة القى ذلك بظلاله على فهمهم للدين الاسلامي ، وهنا فإن علينا تلمس مواطن التأثر ومعالجته حتى لو أدى ذلك لإعادة النظر في تلك القواعد والأصول التي اصطبغت بصبغة القداسة بصورة تحظر على المفكرين التطرق إليها نقدياً.
          ثم ظهر علم النفس الحديث فاحتل مكان المرجعية وصار ما سواه يقارن به في حين ان مفهوماً كمفهومنا للنفس يتناقض تماما مع علم النفس الحديث الذي لا يحتكم للماورائيات والالهيات ، ولكنه يستحق النظر لأنه يتماشى مع النص القرآني أولا ويتناغم مع الفطرة السليمة ويجيب على كثير من الاسئلة التي لم يتمكن علم النفس الحديث من الاجابة عليها.

          على هذا الرابط حلقة مصورة تختصر الفكرة
          https://youtu.be/mSdG_7COkxM

          وفقنا الله واياكم وهدانا سواء السبيل

  1. اقتباس: (وهنا يستقر لدينا بأن العقل يقتضي الإيمان ومن لا إيمان له لا عقل له.)

    احسنت أخي الفاضل عدنان ..

    فالعقلاء هم أهل الأيمان .. وكل مؤمن هو عاقل قطعاً .. ولكن للاسف هناك “ايمان” تقليدي مبني على التقليد والتعصب الاعمى وربما عن تعصب قبلي واقليمي! وليس من العقل في شيء، واصحاب هذا الايمان التقليدي “المختل” هم اشد الناس محاربة للعقل .. لذا لاغرابة ان تجدهم اشد البيئات تشددا وغلوا وتنطعا في الدين .. لانهم خلقوا عداوة بين الدين والعقل “الفطري” لصالح ايمانهم التقليدي المتعصب، وكأن الذي خلق الميزان (العقل) ليس هو الذي انزل الكتاب .. ولذا ملاحظ ان اكثر الرده عن الدين تحدث من داخل هذه البيئات التي أخسر فيها الميزان (العقل)، كما ان اكثر البيئات حرب للدين الصحيح هي البيئات التي يطغى فيها العقل على الفطرة (الدين).

    والله أعلم وأحكم

    * ان شاء الله سيكون لي مداخلات ونقاشات حول هذا الموضوع القيم، حالما اجد الوقت.

    1. اعتقد ان هذا البحث من أهم ما توصلت إليه من حقائق ولذلك فأعتقد بضرورة إعطاء هذا البحث حقه من المراجعة والتحليل والمواجهة حتى نستكشف أوجه الانضباط والخلل لما للبحث من نتائج تطبيقية هامة في سبيل اصلاح المجتمعات وتلمس جوانب الفساد ومسبباته.

      لقد خلق الله الذكر والانثى فلم يفرق بينهما في حجم العقل فكلاهما يملكان ذات العقل بصورة متساوية ، ولكنه جل جلاله جعل فؤاد المرأة ضعف حجم فؤاد الرجل لأن طبيعة وظيفة الأمومة والزوجية لديها يستلزم تضاعف العواطف الأنثوية مقارنة بالرجل ، هذه العواطف قد تطغى على العقل وتقصيه فتبادر لافعال بمسارعة تفوق مسارعة الرجل ، لذلك كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الضلع الاعوج الذي في اعوجاجه استقامة الأمر ، ولولا اعوجاج الضلع وتشكيل منحنى حامي للقلب من الضرر والإصابة لما تمكن من تأدية مهمته.
      فالاعوجاج ليس خللا وعيبا بل كمالا ومزية.
      ولو حج حاولت إقامته فانت تتلفه وتكسره فلا يقوم بوظيفته.
      فإن سلبت المرأة عاطفتها المشتعلة لاضعت الاطفال وتوفي ملايين منهم في أنحاء العالم لفقدانهم للرعاية ، ولو نزعت شهوة الجنس لانتشر الشذوذ بأشكاله لاختلال منظومة هامة ضمن حزمة العواطف.
      ولي باذن الله عودة

      1. حادثه شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم تم إخراج قلبه وغسله بماء زمزم واذا كان القلب محل العقل وهو جزء من النفس فكيف يتم إخراجه ولماذا وصف الرسول القلب بالمضغه في الجسد ولم يقل في النفس او الروح وكيف الرسول روي الحادثه بنفسه وقلبه الذي يعقل به خارج جسمه ولما عطف الله المادي على المعنوي ولما قال تطلع على الافءده مع ان الروح لاتعذب اذا الافءده ماديه ولماذا لم يذكر الله الروح بدل القلب وفيه عمليات نقل راس على جسد كيف تتم اذا كان العقل والروح في الصدر

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

    الفؤاد حاسة مكانها القلب ..؟ وهو مانطلق عليه مجازا (الحاسة السادسة)؟!

    قال الله تعالى:
    {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
    ﴿٧٨ النحل﴾

    {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُون}َ ﴿٧٨ المؤمنون﴾

    إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴿٣٦ الإسراء﴾

    {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَات}ِ ﴿٣٧ ابراهيم﴾

    {فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْء}ٍ ﴿٢٦ الأحقاف﴾

    {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)} سورة الهمزة

    * “الفؤاد” شاهد في كل قلب، على وجود الله

    * الفؤاد حاسة قلبية .. للتواصل مع (الوجود) الذي لايمكن ادراكه بالحواس الظاهرة بذاتها ..

    *** هذا موضوع كتبته سابقا .. لعل فيه فائدة تعود على هذه الدراسة بالنفع ..

    هل الحواس الخمس (الظاهرية) .. تعتبر دليل كافي بذاته على إثبات وجود او عدمه ؟

    هل الحواس (الظاهرية) التي يمتلكها الانسان والمتفق على خمس منه (البصر, السمع, الاحساس, التذوق, الشم).. تعتبر دليل مطلق وكافي على اثبات وجود او عدم ؟! … يعني هل ما نحسه وندركه بهذه الحواس, هو كل الكون وهو كل الموجود فعلاً ؟!.. ام انه في الحقيقة ليس الا بعض الكون وبعض الوجود الذي استطعنا ادراكه من خلال هذه الحواس او بالاصح استطاعت حواسنا ادراكه وايجاده!.. وللتقريب المنطقي اكثر .. هل فقداننا لهذه الحواس ينفي المحسوس (الموجود).. فكل مالم ندركه بحواسنا الظاهرة, هو عدم وغير موجود ؟! .. الاعمى منذ الولادة, مثلاً لا يستطيع ادراك وجود الشمس, هل انكاره لوجود الشمس منطقي ودليل صادق ان الشمس غير موجودة ..!؟ سيقول البعض يدركها بحرارتها! قلت سينكر الاعمى بقوله وما يدريني انها نار فالحرارة تشترك فيها الشمس مع النار ؟!

    هل هناك حاسة (سادسة) تتخاطر مع الوجود الغيبي “اللا محسوس بالحواس الخمس الظاهرية” موقعها القلب ندرك بها ما لا يمكن ادراكه بالحواس الخمس (الظاهرية ) ؟!.. الحقيقة نعم فقد اثبتت التجارب الواقعية ان هذه الحاسة موجودة بالفعل وكل المخلوقات الحية العاقلة وغير العاقلة تمتلكها بلا استثناء .. الا ترى ان الحيوانات تشعر بالزلازل والاخطار وتتنبأ بها قبل حدوثها بأيام واسابيع !! .. اناس توقعوا موتهم قبل ايام قليلة او حصول امر ما وحصل ما توقعوه ! وقس على ذالك امور كثيرة حصلت معك او مع اناس تعرفهم, كانت كما توقعتموها او احسستم بها قبل مدة من حصولها .. !

    الحواس (الظاهرة) للانسان والحيون.. ايهما اقوى!!

    الحواس عند الحيوان اكثر تطور وقدرة من الانسان وربما اكثر عدد!, رغم انها تفتقد لعقل كعقل الانسان .. ! وهذا دليل على ان حواس الانسان الخمس قاصرة عن ادراك مايحيط بها فكيف بما هو خارج نطاق هذا الكون , لذا القطع بصدق معلوماتها في الحكم على شيء هي قاصرة عن ادراكه لا يعتد به .

    الحاسة (السادسة) هي (الفراسة)!

    لا … الفراسة تعتمد على تميز الشخص بقوة غير عادية لحواسه الخمس الظاهرية عن الاخرين + التجارب المخزنة بالعقل ! .. لذا اعتقد جازماً ان الحاسة (السادسة) هي حاسة مستقلة مكانها القلب يتفاوت الناس فيها كما يتفاوتون بالحواس الخمس الظاهرية قوة وضعف ..

    العقل هو الحاسة (السادسة)…؟!

    لا .. العقل: هو مركز التحليل والمعالجة والبرمجة والتخزين للبيانات واخيراً اصدار الاحكام والتوجيهات.. والحواس الخمس هي مصدر البيانات ..

    اذاً .. العقل لوحده لاشيء! فهو مقيد بحواس الإنسان (الظاهرة والباطنة) وتابع لها في أحكامه ويمكن أن يقع في الخطأ اذا ما كانت البيانات التي تم تزويده بها خاطئه او قاصرة !

    *ملاحظة : البيانات المخزنة في العقل منها بيانات فطرية مبرمجة ومعده مسبقاً..وبيانات حادثة وطارئة يكتسبها بالخبرة

    الوعي هو الحاسة (السادسة)!

    لا .. الوعي هو الادراك في حالة الحضور الذهني والتركيز العقلي .. باختصار هو (اعلى درجات الاحساس).

    هل عدد الحواس (الظاهرية) = فقط خمس حواس ؟!!

    لا … الانسان يملك عدد اكثر من الحواس .. وهذا مابدء العلماء يبحثون فيه فمنهم من قال انها 9 ومنهم من قال 21 حاسة واكبر عدد وصلو له 44 حاسة ..!! ولكن مايهمنا هو اتفاقهم على ان الانسان يملك اكثر من 5 حواس ..!!

    * معلومة : القول بان الانسان يمتلك 5 حواس فقط .. هو قول (ارسطو)..!

    1. الحيوان له قلب ويملك حواسا هل يعقل الحيوان الاديان فيستطيع أن يينتقي له دينا يعبد الله من خلاله ؟

      1. أخي يوسف ، الخلق ينقسمون لفئتين ، من يعبد الله طوعاً ، ومن يعبد الله كرهاً ، وعبادة الله كرهاً مخصوصة للمكلفين من الجن والإنس لأن لهم إرادة يكرهون أنفسهم على اتيان الطاعة وترك المعصية ، بينما المخلوقات التي تعبد الله طوعاً ليس لديها إرادة وبالتالي هي غير مكلفة بعبادات وشرائع ولكن قيامها بدورها الذي حدده الله لها هو عبادتها ، لذلك فعندما عرض الله الأمانة على السموات والارض أي الارادة الحرة ، اشفقن منها ورضيا ان يأتيا طوعاً وليس كرهاً أي يكونان مجبولتان على الطاعة المطلقة اما الاختيار بين الطاعة والعصيان وهي الأمانة فحملها الانسان وتحمل التكليف الناتج عنها.
        ولذلك تكون الاجابة ان الحيوانات تندرج ضمن فئة المخلوقات الطائعة الغير مكلفة بشرائع ولا تملك إرادة حرة.
        آمل الاطلاع على هذا البحث فهو يصف الأمر بدقة وتفصيل
        https://wp.me/p1UaAD-7w

  3. بسم الله الرحمن الرحيم بعد أن أشكرك عل اضافتك لي في هذه المدونة العظيمة سوف أوضح رأي في القلب والعقل والأفئدة في بوست منفصل. وقد تعرضت لهم في معنى الظلمات الثلاث التي يخلق فيهن الخلق في بطون أمهاتهم. وقد جاءت نتائج البحث موافقة في كثير من النقاط لما كتبته فبارك الله فيك أخي عدنان

    1. شكرا لك للجهد المبذول في البحث ، والتفكر والتدبر هو خير عبادة ، وسؤالي لشخصك الكريم ، لما كان القلب هو المناط بالاختيار بين مايمليه العقل عليه من حق وصواب او ما يغويه به الفؤاد من شهوة وميل عن الصواب .. فما الذي يحكم القلب بمعنى كيف يقع اختيار القلب بين الركون الى الى العقل او الميل الى الفؤاد ..مع امتناني ، وفقك الله وزادك في العلم بسطة .

      1. حياكم الله اخي الكريم
        أعتقد بأن الاطلاع على مبحث الفرق بين النفس والروح والموت والوفاة في هذه المدونة من لوازم فهم موضع السؤال ، فقلنا ان حقيقة ابن آدم نفسه التي تتقمص البدن وتغادره وتعود إليه حتى يأتي الموت فلا تعود إليه
        وهذه النفس لها مكونات اهمها القلب الذي هو نواة النفس وهو لب الأمر ومركز القرار ، فالقلب يمثل النفس ويوجهها ومن ثم تبدأ في التحكم بالبدن لتفضي لمؤدى اختيار هذا القلب.
        ولعل اطلاعكم حفظكم الله على المبحث المذكور كفيل بإيضاح المسألة.
        فتح الله علينا وعليكم من انوار علمه وبارك فيكم

  4. لقد اتفق معك في كثير مما قلت ولكن الفرق الوحيد هو أن الفؤاد عندي يتكون من العقل والقلب معاً. فعندما نتحدث عن الفؤاد نتحدث عن تفاعلهما معاً. وقد بنيت رأي هذا من بحث في معنى الظلمات الثلاث جاء فيه: من أجل الوصول لمعنى الظلمات الثلاث رأيت أهمية حصر وتحليل الآيات التي ورد فيها مفرد أو أكثر من مفردات الآية 6 الزمر والمفردات هي: الخلق أو النشأة، بطون الأمهات، الجهل أو العلم. فوجدت آية تتحدث عن خروج الخلق من بطون أمهاتهم وهم لا يعلمون شيئاً وهي:{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 78 النحل
    ووجدت آية أخرى تتحدث عن علم الله بخلقه فهو يعلم بمن اتقى من الخلق منذ نشأتهم وإذ هم أجنة في بطون أمهاتهم والآية هي:{ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ} 32 النجم
    لقد احتوت الآية 78 على مصطلح بطون الأمهات والخروج منهن بدون علم أي بجهل مما يشير إلى صلتها الوثيقة بالآية 6 الزمر. وعند التفكر فيها وجدتها مبتدئة بالواو (والله يخرجكم). فإذا كانت الواو التي في بداية الآية “78” هي واو عطف فهذا يعني أن ما ورد في الآية 78 معطوف على ما ورد في الآية التي سبقتها وهي:{وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 77 لنحل مما يشير إلى أن جهل الخلق الذي يخرجون به من بطون أمهاتهم هو جهلهم بالغيوب الثلاثة. وإذا كانت الواو في وسط الآية (وجعل لكم) واو عطف أيضاً، يكون معنى آيتي النحل “77و78” كالآتي: (لله وحده ما غاب عن الخلق من علوم السماوات والأرض والساعة وهو القدير على كل شي. وقد خلق الله جميع الخلق في جهل بهذه الغيوب الثلاثة وهم في بطون أمهاتهم خلقاً من بعد خلق، ولهذا يخرجون من بطون أمهاتهم وهم لا يعلمون شيئاً عنها. ولكن الله جعل لهم جميع الوسائل التي يعلمون بها تلك الغيوب وعلومها، لعلهم يشكرونه بالايمان به غيبيا)
    والتحقق من صحة ما توصل إليه البحث في معنى الآيتين 77 و78 النحل يتطلب توضيح دور الوسائل في العلم بالأشياء عامة ودورها في العلم بالغيوب الثلاثة خاصة من آيات القرآن.
    1- دور السمع والبصر والأفئدة في العلم بالأشياء بصورة عامة
    يتطلب توضيح دور وسائل الإدراك أولاً معرفة الفرق بين المعنى الحسي والمعنوي للظلمات والنور والصلة بينهما. فالظلمات الحسية هي الظلمات التي تخفي الأشياء التي تقع في مدى الأبصار فيتعذر العلم بها عن طريق الرؤية حتى ولو كان النظر سليماً لا نقص فيه. ولهذا يرمز للظلمة الحسية بالجهل بالأشياء التي تقع في نطاق الرؤية بالبصر. والنور الحسي هو الضياء الذي يظهر الأشياء فيتسبب في العلم بها لأنه يقشع الظلمة الحسية. فهو إذاً رمزٌ للعلم بالأشياء الواقعه في نطاق الرؤية بالبصر.
    أما الظلمة المعنوية فهي الظلمة التي تحجب العلم بالأشياء الغيبية أي بالأشياء التي تغيب عن العين لوقوعها في مدىً أبعد من نطاق أبصار الخلق المحدود. فلا مجال للإنسان أن يراها حتى ولو كان النور الحسي متوفراً والبصر سليماً. والنور المعنوي هو العلم الذي يخبر عن الأشياء الغيبية التي يتعذر العلم بها عن طريق البصر. فالعلاقة إذاً بين الظلمات الحسية والمعنوية هي: أن كلاً منهما رمزٌ للجهل بالأشياء والعلاقة بين النور الحسي والمعنوي هي: أن كلاً منهما رمزٌ للعلم بالأشياء.
    فالبصر هو الوسيلة الأولى للعلم بالأشياء التي يمكن رؤيتها. والسمع هو الوسيلة الأولى للعلم بالغيوب أي العلم بالأشياء التي لا يمكن رؤيتها. فيتم العلم بها عن طريق سماع الأخبار عنها. وبما إن غيب السماوات والأرض والساعة لا مجال لأحد أن يعلم بهم إلا عن طريق الأخبار فهي إذاً تحتاج للسمع أولاً ولهذا تقدم السمع على الأبصار والأفئدة في ذكر هم في الآية 78 النحل.
    أما دور الأفئدة فهو مرتبط بكل من السمع والبصر. بمعنى أن الأفئدة لا تعمل بدونهما. وتوضيح أهمية الأفئدة للعلم بالأشياء و كيفية ارتباطها بالسمع أو البصر يحتاج إلى ضرب بعض الأمثلة من واقع الحياة لتقريب الفهم. ففي حالة العلم بالبصر نلاحظ أن الإنسان في بعض الأحيان لم يتذكر الأشياء بالرغم من رؤيتها، لعدم الاهتمام بها والتركيز فيها. فمثلاً إذا قابل أحمد العالم علي لأول مرة وتحدث معه دون أن يركز في طريقة كلامه أو شكله أو في لبسه لعدم إهتمامه به وقد كان علي عالماً من كبار العلماء. فيعتبر أحمد قد علم بعلي لأنه رآه بالفعل ولكن علمه هذا لم يكن ذا فائدة له. فيسمى علم أحمد لعلي في هذه الحالة “علم عين فقط.” أما إن كان أحمد قد ركز في طريقة علي في الكلام مثلاً بعقله وتفاعل معه بقله إما إعجاباً أو كرهاً، سيظل علي عالقاً بعقله وقلبه. فإما أن يتمنى ملاقاته مرة أخرى للاستفادة منه وإما لتفادي لقائه. فيسمى العلم بهذه الطريقة “علم العين اليقين ” وهو العلم الذي يجني صاحبه الفائدة من ورائه. وأهمية الأفئدة للعلم بالسمع لا تختلف عن أهميتها للعلم بالبصر. فمثلاً إذا سمع إنسان بأن حيواناً مفترساً قد ظهر في مكان ما بالقرب من منطقة سكنه وهو خبر حقيقي موثقاً بالدلائل والبراهين. فإما أن يعقل الإنسان ذلك الخبر ويصدقه ويتفاعل معه بالقلب خوفاً فيأخذ حذره من الذهاب لتلك المنطقة، وإما أن يكذبه وكأنه لم يسمعه. فالذي صدَّق الخبر سيأمن شر الحيوان. أما من صدَّ عن الحقيقة ولم يصدقها فلن يحتاط وسيذهب إلى تلك المنطقة غير مكترس فتواجهه الحقيقة ويقع في التهلكة. فكل منهما قد علم الحقيقة لأنه سمع بها. ولكن علم من لم يصدِّق بها ووقع في التهلكة يسمى
    “علم فقط” وهو علم لا فائدة منه. أما علم من صدَّق بما سمعه كأنه يرى ما أخبر به أمامه وتفاعل معه يكون قد علم بذلك الخبر”علم اليقين ” وهو علم ذو فائده لأن صاحبه استفاد منه. هذه المعاني توضحها الآيات التالية:{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ }{ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ }{كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ }{ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ }{كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ}{ لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ}{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ }{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } 1-8 التكاثر
    حيث أن معناها هو : (لو أنكم أيها الذين ألهاهم التكاثر من متاع الدنيا صدقتم ما سمعتم به من علوم الساعة وحساب اليوم الآخر، وعلمتم بها (علم اليقين) بأنكم سترون الجحيم ثم أنكم سترونها حقيقة ماثلة أمام أعينكم (أي عين اليقين) ثم تفاعلتم مع ذلك الخبر بقلوبكم وخفتم من العذاب وخفتم من أنكم ستسألون عن النعيم لاجتنبتم الوقوع في الجحيم في الآخرة.) والله أعلم.
    2- علاقة وسائل الإدراك بالغيوب من القرآن
    إن العلاقة بين أدوات العلم أي وسائل الادراك والغيوب الثلاثة قد أوضحتها كثير من الآيات وهي:
    الآية:{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}25 الأنعام تخبر أن من بين الناس من يستمع إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله جعل على قلوبهم غشاوة فلم يفقهوا قوله. فهم إذاً قد أُخبروا وعلموا بالهدى ولكنه علم سمع فقط. وتعتبر الآية التالية من أكثر الآيات توضيحاً لعلاقة أدوات العلم بالغيوب وهي:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون}26الأحقاف. أما الآية:{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}198 الأعراف فتؤكد أن العلم بالبصر فقط لا يجدي والعلم بالسمع فقط لا يجدي. وإنما الذي يجدي هو العلم اليقين عن طريق السمع الذي يصطحبه التأييد بالعقل والتفاعل بالقلب، والعين اليقين عن طريق البصر الذي يصحبه التفكر بالعقل والتفاعل معه بالقلب. فالمشركون كالأصنام ينظرون إلى الرسول ولكن أعينهم كأعين الأصنام لا ترى. وكذلك تفسير الآية:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}179 الأعراف. وبالتمعن في الآية التالية: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} 46 الحج
    نجد بها توضيحاً بأن آداء العقل يكتمل في القلب وكذلك البصر تكملة آدائه في القلب. والدليل على كل ما أوردناه من معاني هو معنى آيتي سورة يونس التاليتين: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}{وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ}42-43 يونس
    حيث تؤكد هاتان الآيتان سلامة بصر الكفار” وسلامة سمعهم لقوله “وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ “وقوله ” َمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ”. ولكن نتيجة لعدم الاستماع والنظر بتعقل، وصفهم الله بأنهم صم وعمي. إذاً سلامة السمع والبصر لا تتأتى إلا عن طريق الأفئدة التي تؤدي للعلم اليقين وعلم العين اليقين.
    لقد اتضح من كل الآيات المذكورة أن العلاقة بين أدوات العلم الثلاث والعلم بالغيوب الثلاثة علاقة قوية جداً وهي: أن من يستمع لكلام الله ويصدقه ويتفاعل معه بقلبه طمعاً في رحمة الله ورضوانه وخوفاً من غضبه وعذابه فسوف يعمل لاكتساب حب المولى عز وجل ورضوانه ويتجنب الوقوع في التهلكة وهي غضب الله ونيرانه. أما الذين يسمعون كلام الله ولم يصدقوه فمصيرهم الوقوع في التهلكة وهي العذاب بنار جهنم.
    وبما أن الله قد خلق الخلق لعبادته فقط لقوله تعالى: } وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ{ (الذاريات: 56) وأن القرآن كله قد أنزل لتوضيح العبادة المكونة من الغيوب الثلاثة وما يترتب عليها فقط فإن خلق الخلق في جهل بعلوم الغيوب الثلاثة هو المقصود بخلق الخلق في ظلمات ثلاث أي في جهل بتلك الغيوب الثلاثة. ولهذا جعل الله للخلق وسائل الإدراك ليعلموا بها بعد الخروج من بطون أمهاتهم. ومن ثم يتم توضيح كيفية خلق الخلق في جهل بالغيوب في بطون أمهاتهم.
    إن خلق الخلق في جهل في بطون أمهاتهم يمكن الوصول إليه عن طريق وسائل الادراك لأن العلم لم ولن يتأتى للخلق إلا بها. بذا نستنبط أن خلق الخلق في جهل له صلة بخلق وسائل العلم الثلاث. فانتابني إلهام بأن الله في مرحلة من مراحل الخلق مثلاً خلق للخلق بصرهم محدوداً أي لا يمكنهم رؤية الأشياء التي تقع أبعد من ذلك المدى الذي خلقه فيه وهي بطون أمهاتهم. ولهذال لم يتمكنوا من رؤية الله وملائكته وجنته وناره وكل ما في السماء. أي أنهم في مرحلة خلق الأبصار كانوا جاهلين بعلوم السماء (أي ظلمات السماء). وفي مرحلة خلق أخرى خلق الله للخلق سمعهم محدوداً. ولهذا لم يتمكنوا من سماع ما يدور في السماء ولا حتى ما يدور من حولهم خارج البطون. فكانوا في هذه المرحلة جاهلين بكل علوم السماء وبكل علوم الساعة وبكل علوم الأرض. وفي مرحلة ثالثة خلق الله للخلق عقولهم وقلوبهم فكانت لا فائدة منها لأنها لا تعمل إلا بعد علم العين أو علم السمع فكان الخلق في تلك المرحلة جاهلين بجميع علوم السماء والأرض والساعة. فربما كان خلق العقل أولا ً والقلب ثانياً وربما كان الخلق الأول هو خلق السمع. ولكن المهم في الأمر هو : إن أدوات العلم قد خلقت خلقاً بعد خلق محدودات مما جعل الطفل في بطن أمه لا يعلم شيئاً. وبعد خروجه يعلم بكل هذه العلوم عن طريق سماعه أخبارها واستخدام وسائل الادراك. فيستمع لما أنزله الله من القرآن ويبصر أدلة الوحدانية والله أعلم.

  5. من خلال الآية الكريمة التى أوردتها سيادتكم فى بحثكم
    وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36] أرى و من خلال بلاغة اللغة العربية أن السمع حاسة العين و البصر حاسة العين و الفؤاد لأنه معطوف بالواو على كل من السمع و البصر يكون بذلك من صنوهما فالفؤاد إذن هو حاسة القلب و بذلك يكون هذا أفضل من تناول الفؤاد على أنه الشهوة أو التوقد أو أى شىء يعود على صفة الفؤاد بأنه شىء غير جيد فهو حاسة القلب

    1. اخي المبارك مصطفى
      اذا كانت حاسة فمعنى ذلك أنها تستطيع أداء وظيفتها بمعزل عن غيرها ، فالعين اذا عميت يبقى السمع حاضرا يؤدي وظيفته بل ويقوى عما كان عليه في وجود البصر ، وكذلك البصر فهو يقوم مقام السمع أن فقد الأخير ولكن الفؤاد لا يمكن أن يعمل في ظل فقدان تلك الحاستين ، فهو مصب للحواس يستقي منها المدخلات فيتفاعل مع ما يرى وما يسمع بفؤاده
      والفؤاد ليس بشر محض بل إن وجوده كما أسلفنا هام للإنسان لصيانة حياته وحفظ نوعه ولكن عندما يكون تحت سلطة العقل وليس العكس ، ولعلك تقرأ رعاك الله مقدمة المقال :

      “القلبُ سلطانٌ يملكُ فارساً اسمه العقل ، وجواداً اسمهُ الفؤاد،وَإدراك مدى صَلاحُ هذهِ المملكةٍ وَدمارها يَتْحَدّد عِنْدَما يَرْكَبُ أحَدَهُما على الآخر”

      فإن ركب الفؤاد على العقل واعتلى عليه كانت الشهوات والعواطف هي سائق الإنسان وإنما سمي العقل عقلا لأنه يقيد الفؤاد ويعقله.

  6. شكراً استاذ عدنان
    كيف أوفق بين أن القلب قائد ومتحكم بالعقل والفؤاد وبين أنه تابع لمن يغلب (الفؤاد أو القلب).
    أرجو التوضيح وجزاك الله خيراً.

    1. أخي أبا ابراهيم
      شكرا لحضوركم الكريم
      لا نقول حرفيا تابع لمن يغلب ، ولكنه يختار بين مشورة العقل ومشورة الفؤاد فيُعلي أحدهما على الآخر ، وقد يهتدي فيعود إلى عقله فيعليه ويقصي الفؤاد ، وقد يضل ويضيع فيقدم الفؤاد ويعليه على العقل.
      ففي الحقيقة أن القلب هو القائد في كل الأحوال ولكنه لو جاز لنا المثال كالرئيس الذي يتبع له مستشار شرير ومستشار عاقل ، وهذا حال الكثير من أهل الرئاسة اليوم فمنهم من يقرب ويدني المستشار الفاسد ، ويبعد ويقصي المستشار الواعي العاقل فيكون سلوكه تبعا لمن يقدمه ويعليه.
      ولكن في نهاية الأمر فهو المسئول الأول عن أفعاله واختياراته.

        1. أخي العزيز أبا ابراهيم
          شكر الله لكم وبارك فيكم
          ميل القلب الى الفؤاد مرده الهوى والشهوة ، وميل القلب الى العقل مرده الشريعة والفطرة ، فالزنا شهوة يزينها الفؤاد وتلبي حاجة حسية فطرية ولكن العقل يقدم للقلب عدة عوامل لثنيه عن طاعة الفؤاد ، فيقول العقل مثلا أن الزنا باب انتقال أمراض عدة ، وهو سبب لغضب الله تعالى وكبيرة من الكبائر ، ومن يزني يزنى ولو بجدار بيته ومعصية ترتد لأهل الزاني ومحارمه ، وهنا نجد القلب إما أنه يعلي الفؤاد ويقتنع باسبابه واشباعا لشهواته ، أو يقصيه ويطيع العقل احقاقا للحق ، إما لأحد الأسباب أو لبعضها أو لها كلها ، وأداة ذلك هي الإرادة التي يتميز بها ابن آدم عمن سواه .
          العقل هو من يحثك على الصيام والفؤاد يتشوق للطعام والشراب ، وقلبك ينفذ الإرادة التي يراها سليمة.
          ارجو ان يكون فيما سبق إجابة شافية والله يرعاكم

  7. جزاك الله خيرا
    أرجو أن يتسع صدرك لأسئلتي فلا تغضب.
    الإنسان يتعرض لمثيرات تلتقطها حواسه ثم توصلها إلى الفؤاد (كما جاء في البحث) فيقوم بدوره
    ولكن العقل وكذلك القلب من أين تأتيهما المعلومات لكي يقوما بدورهما؟.
    وشكراً.

    1. حياكم الله واحسن اليكم اخي
      ابدا لا اغضب بالعكس يسعدني مداخلاتك الوجيهة وما نشرت هذه الدراسات الا بحثا عنها فأهلا بك و بكل مداخلاتك.
      تأتي كل المعطيات الى القلب والعقل عن طريق تلك الحواس ايضا ولكنها تمر من خلال الفؤاد الذي يتلقى تلك المدخلات فيتلقاها القلب والعقل ويحصل التفاعل النفسي الذي يغالب أحدهما فيه الآخر ، والقلب لديه حرية الاختيار بين الطرح العقلي وطرح الفؤاد ، وتلعب الظروف المحيطة والضغوط الخارجية ادوارا هامة في تقوية أحدهما على الآخر – بالنسبة للقلب- فيؤثر على اتخاذ القرار.
      مثلا : في وقت الجوع الشديد والفوضى والحرب تبرز رغبة السرقة والاستيلاء على حقوق الآخرين فيضعف القلب أمام متطلبات الفؤاد فيكون أقرب للميل لرغبته ويخفت صوت العقل ، فالحاجة المادية للطعام وحصول الخوف يقوي جانب الفؤاد على العقل ويجعل القلب مائلا باتجاهه.
      وقلما تجد من يحافظ على اتزانه في الظروف الصعبة ويبقي العقل مسيطرا على ويقيد الفؤاد وشهواته.

  8. الاستاذ عدنان
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    إني في شوق لقراءة تدبرك للآية (36) من سورة الإسراء.
    ولماذا تم تخصيص السمع والبصر والفؤاد لمحاسبتنا وسؤالنا عنهم بالذات.
    وجزاك الله خيراً.

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      احسنت ، هذا أحد الشواهد القرآنية التي نستدل بها على ماهية الفؤاد وعلى ما يتعلق به من الأعضاء ، وقد قلت في البحث أعلاه ما نصه

      ” { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء:36]

      ولما كان الفؤاد في محيط سيطرة الإنسان فإن استعلاءه وسيطرته بما يصله من محيطه المنظور والمسموع قد يؤدي لقول الباطل واعتقاده ، فينهى الله القلب عن الخضوع لشهوة الفؤاد والعقل عن الضعف والهوان لأن الله سيسأل النفس عن تلك الحواس وكيف وظف الفؤاد وظيفة فاسدة أو أخضع الشهوة للعقل فصلح القلب وصلح عمله.”

      والأفئدة هي التي تودي بالانسان للعذاب فتطلع عليها النار المؤصدة لأنها هي التي تزين الباطل وتصد عن الحق ، بينما العقل يصد عن الباطل ويزين الحق فاستحقت الافئدة والاسماع والابصار ان تكون محاسبة على اتيانها الباطل وترك الحق وسيسأل الانسان عنها هل عقلتها وقيدتها وحجرت شهوتها أم جعلتها تستعلي على السيطرة وتنفك من العقال وتمتد لما حرم الله ؟؟
      ارجو ان يكون ذلك بيّناً ، واسلم لأخيك

  9. لقد قلتم بان مقصود القلب ، هو القلب المعنوي وليس الصنوبري ، ولكن ما القول بحادثة شق الصدر التي اخرج بها جبريل قلب النبي وغسله؟؟
    وحين اخرج منه علقة سوداء ، وهل اصلا الشر علقة تستخرج وتزال وينتهي الامر؟؟!!

    1. تحية طيبة رحيق:
      حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم اختلف العلماء في اثباتها برغم أنها رويت ضمن احاديث صحيحة ، وبالنسبة لي فأنا قد لا أنكر وقوعها ولكن ليس على البدن المادي بل على النفس ، ذلك أن قلوب الخلق لا تحتوي على العلقة السوداء الآن فهل نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في قلبه نكتة سوداء ليست عند باقي الناس ؟؟
      ما اثبته واعتقده أنها كانت رؤيا رمزية تدل على أثر وحي الله واصطفاءه عليه وليس تحويلا فيزيائيا بمحو الشر من قلبه صلى الله عليه وسلم ، وإلا لقلنا أن سبب كمال صفاته وتمام اخلاقه ليس قوة ارادته في مقاومة النفس الامارة وايمانه الراقي بالله بل لأن الشر انتزع من قلبه فصار خيّراً لا يعرف الشر ، وهذا منافٍ لكمال خلقه صلى الله عليه وسلم فإنه إن روض نفسه وارتقى بها للطاعة وتنزه عن المعاصي إنما كان بمحض ارادته وبفعل نابع منه وليس لأن الشر نزع من قلبه فصار لا يختار ولا يخير بين الخير والشر بل اصبح مجبولا على الخير فقط كالملائكة ففقد بشريته بذلك القول.
      ولكن نقول بالنظر للحديث أن ما رآه صلى الله عليه وسلم قد يكون رؤيا في بعد آخر غير البعد الدنيوي تشير وتؤكد إلى اثر الهداية لعبادة الله عليه وهذه الهداية قد تتحقق لكل مسلم بصورة أو بأخرى.
      فتوجيه هذه الحادثة سهل بإذن الله و يشكل على مفهوم القلب الشرعي المشار إليه في هذه الدراسة والله اعلم

      1. اخي وهذا رأيي ايضا
        ولكن ما القول عن رواية انس بن مالك ، وعن الروايات الاخرى التي تخبر برؤية الاطفال والناس للرجلان الذان شقا صدره، وعن رؤية الصحابة لأثر شق صدره على صدره ، لقد استشكل علي الامر كثيرا

        1. نعم رأي محترم ولكنه يبقى ظني الثبوت ، فقد يكون الحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم عندما غفا ورأي الملائكة تشق صدره صحيحا ولكن ما تبعه من احاديث قد دست بصورة او بأخرى ، وقد ذكرت لك بأن التصديق بأن الحادثة وقعت على وجه الحقيقة في البعد الدنيوي الفيزيائي المحسوس يضع اشكالات أكبر وأشد تضاربا من الحادثة نفسها ، إذ كيف نستطيع القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم آمن ونفذ التكاليف ليس من دافع ذاتي ولكنه مبرمج على ذلك بعد هذه الحادثة فانتفت حرية الاختيار التي يفاخر بها الانسان بين المخلوقات فصار بها اسمى من الملائكة ، والعديد من الاشكالات الأخرى ، فالقول بظنية الحادثة يجعلها قابلة للتأويل فهي في نهاية الأمر ليست بقرآن قطعي الثبوت.

        2. الرجلان ملكان في صورة بشر ، ورؤية البشر للملك المتمثل في صورة بشر لا ينكرها أحد ، وقد رأى الصحابة جبريل عليه السلام في صورة رجل شديد بياض الثياب … ، ولا يعرفه منهم أحد ، واستخراج القلب المعنوي لا يراه أحد فهو من الغيب ، ولكنه قد يتمثل في صورة قلب محسوس تراه العين ، وتم شق الصدر لأن النفس والقلب محلهما الصدر وهذا ما حدث ، والله أعلم ) .

      2. نزع هذه العلقة ـ والتي هي حظ الشيطان ـ تهيئة للنبي للاتصال بالوحي ، وحادثة شق الصدر الثانية جاءت لتهيئة النبي لرحلة الإسراء والمعراج ، وكذلك أن الله سبحانه أعانه على شيطانه فأسلم ، وحتى لا يكون للشيطان أي أثر على الوحي ، لذلك لم يُؤثر عنه أنه أخطأ أو نسي في التبليغ عن ربه سنقرئك فلا تنسى ، ولكن الخطأ والنسيان البشري صدر منه لتعليم الأمة كإعراضه عن عبد الله بن أم مكتوم ، ونسيانه في الصلاة )

  10. ولكن لماذا قورِن القلب بالاذن والعين ، في اية ” او تكون لهم قلوب يعقلون بها..”
    الا يعد هذا وكأن القلب هو القلب المادي ، الذي هو الاداة للتعقل ، مثلما الاذن للسمع ، والعين للبصر ، وبهكذا القلب للعقل؟؟

    1. اختي الكريمة لين
      ارجو التفضل بقراءة كامل الآية :
      أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج:46]

      الم يكن لهم آذان (مادية) يسمعون بها ؟ بلى
      ألم يكن لهم أعين (مادية) يبصرون بها؟ بلى

      هل القلب المادي أعين مادية وهل له دور في التعرف على الاجسام والألوان لا طبعا

      هل القلب بمضخاته وصماماته وعضلاته يعمى
      لا طبعا.

      ولكن الله يقول لا تعمى الابصار فعل صحيح ان الابصار (المادية) لا تعمى طبعا لا.

      فعندما نقول مادية تصبح الآية برمتها مناقضة للعقل واجابات اسئلتها منافية لمقتضاها ، فبالله عليك كم عملية زراعة للقلب حصلت ؟؟ ولم تتغير عقيدة المريض الذي استقبل العضو ولم تتأثر قناعاته برغم ان المتبرع بوذي او امرأة حتى يزرع قلبها لرجل .

      فنقول قورن القلب بالأذن والعين لأنهما منافذ العلم للنفس وبالتالي فما ينفذ منهما يدرسه العقل فيتحكم في السلوك ويعقله ويقيده ، ولو كان الامر متعلق بالحاسة المادية لوجب علينا الكفر والالحاد لأن الله لم يكلمنا ولم نسمعه ولم نشاهده ، وهذا القول هو قول الكفار والملاحدة وهو انحراف خلق الله لنا العقل لتقويمه وضبطه وتوجيهه ليقول لنا لا يشترط ان تكون قناعاتك كلها مبنية على رؤية مباشرة ولكن قد تقودك الرؤية لاستنتاجات تؤكد لك الحقائق كوجود الله تعالى.

      واذا بقيت أي جزئية ترغبين مناقشتها فحي هلا ولكن ارجو ان تقرأي البحث بتمهل وانا مستعد لأي نقاش والله تعالى يوفقنا واياكم

      1. اشكرك ، وانا ايضا مع الرأي الذي يقول بان القلب ليس هو القلب المادي
        ولكن لانني قرأت في موقع اخر عن مفهوم اللب في القران ، وكانت هذه الجملة مكتوبة بان المقصود بالقلب هو القلب المادي
        فكما الاذن المادية تسمع ، والعين المادية تبصر ، فإذا القلب المادي يعقل ، ومن هنا استنتجوا ان القلب هو المادي ، وبان العقل مكانه القلب
        وطبعا هذا حيرني كثيرا ، لانني مع وجهة نظرك التي تقول بان القلب هو القلب المعنوي وليس المادي
        وشكرا لك

  11. ولكن في اية “واصبح فؤاد ام موسى فارغا” ، الا تعني بأن فؤاد ام موسى قد أصبح فارغا من التفكير الا بموسى؟ ، وهذا ما قرأته في التفسير

    1. اهلا اختي هيا
      نعم وهذا متسق مع مفهوم الفؤاد الذي بيناه في هذا البحث.
      قلنا أن الفؤاد من خلال الحواس يتعامل مع الحاجات الأساسية للإنسان من حاجات غذائية وشهوات ومشاعر الفرح والحزن والخوف والطمع والجوع والغضب ونحوها ، وعرفنا الفؤاد فقلنا:

      “تعريف الفؤاد : هُوَ وِعَاءُ الحَاَضِرِ الَّذِيْ يَتَلَقَّىَ مَاَ يَلِجُ فِيِهِ مِنْ خِلَالِ الحَوَاسّ وَهُوُ مَنَاَطُ العَوَاطِفِ والشُّعور مِنْ خَوْفٍ وَحُبٍّ وَرَجَاءٍ وَبُغْضٍ وَحِقْدٍ وَرِضًىً وَشَهْوَةٍ وَسَعَادَةٍ وَحُزْنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ المَشَاعِرِ البَشَريّة ، وَهُوُ مُتَعَلّقٌ بِكُلِّ فِعْلٍ قَبِيْحْ إذا اسْتَعْلَى عَلَىْ العَقْلْ وَتَقَدَّمَ عَلَيْه.”

      وقلنا في الإضاءة الخامسة : الفؤاد ليس شراً محضاً فلولاه لفقد البشر قيماً سامية كالشفقة ، والمحبة والسعادة ، وقيماً حيوية كالخوف والشجاعة و الحذر ، فيستحيل عضوا قيِّماً وسامياً عندما ينقاد ويخضع للعقل ، ويصبح بهيميا شهوانيا عندما يستعلي الفؤاد على العقل ، وكل ذلك بقرار القلب ورضاه.

      فالفؤاد يعالج مشاعر عديدة في وقت واحد ففي نفس الوقت الذي يشعر بالجوع ، فهو يشتاق لأحبته ويتمنى حصول الرزق والمال ، ويشعر بالغضب من جاره أو صديقه وهكذا ، فلما يقول ربنا “وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ” أي تفرغ مما يتابع من حاجاته وصار همه الوحيد حال موسى والقلق على مصيره والحزن واليأس من عودته والهلع لحاله فتفرغ الفؤاد من حاجاته وشهواته كلها وجعل من موسى قبلته الوحيده التي لا يشغله عنها شاغل.

      ارجو أن تكون الفكرة قد اتضحت ولكم جزيل الشكر واعتذر عن التأخير.

  12. بحث جميل ما شاء الله ، ولكن لدي سؤال
    وهو انك ذكرت بأن الاعضاء الحسية كالدماغ و..، تظهر كنتائج لاختيارات القلب والعقل و…
    ولكن، لدي نقطتان اتمنى ان توضحهما لي ، 1.بالنسبة لعلماء الاعصاب والنفس ، فهم يعتبرون ان العقل هو نتاج العمليات التي تحصل في المخ ، وليس العكس ، اي ليس العقل من يقوم بإنتاج التفاعلات ، بل العقل هو عبارة عن كلمة تعبر عن عمليات التفكير والوعي في المخ
    2. والنقطة الثانية ،هي ، كيف بإمكاننا اثبات وجود القلب المعنوي؟ ، اي اقصد، انك قد توصلت ان القلب يستدخم العقل و.. ويقوم بالإختيار .. ،ولكن ان كان الامر كذلك فما دور العقل الباطن والعقل الواعي الذي يعطيه العلماء دور الشيئ الذي يقودنا ونقوم بالاختيار وفقه؟ ، وما دور الاية المذكورة”ناصية كاذبة خاطئة” ، التي تخبرنا بأمر صحيح وهو ان مركز اتخاذ القرارات يكون في جبهة الرأس؟
    اي اقصد ما هي الدلائل التي تثبت لنا ان نتائج افعالنا هي من عمل القلب ، وما دور الدماغ والتفاعلات الدماغية بالامر؟

    1. حياكم الله
      قد يكون في جوابي التوضيحي التالي اختصار لنتيجة البحث وقد تجيب على الأسئلة التي تفضلتم بها :
      قلنا أن الإنسان في حقيقته هو النفس الغير محسوسة التي جدت مع خلق آدم وركبت في صورة بشرية محسوسة لاحقا ، والنفس الغير محسوسة مكونة من القلب الذي هو مركز النفس وقائدها والفؤاد الذي يعد مناط الاحساس والشهوة والمشاعر كافة المرتبطة بالحواس ، والعقل الذي هو الفطرة المعنية بعقل وتقييد الفؤاد عن الانفلات وكلاهما تحت سلطة القلب وكل تلك المكونات هي النفس البشرية.

      والنفس بصيغتها الشفافة الغير مرئية هي أصل الانسان أما الحالة البشرية التي تتقمص فيها النفس بدنا مادياً فهي حالة طارئة لها بعد معين ووعي خاص بها ومدة تبقى فيها ثم اذا مات الانسان صعدت النفس الى بارئها فتكون حدود سكناها في البدن المادي هي منذ حصول الحمل وحتى مدة الموت وهي مدة قصيرة للغاية مقارنة بالفترة التي مكثت فيها النفس من خلق آدم ، ثم الفترة التي تلي الموت وحتى البعث ، ثم الفترة التي تلي البعث الى الحساب ، ثم الفترة التي تلي الحساب الى الجنة أو النار أعاذنا الله منها.

      وهنا نستدل بالحساب مثلا في اثبات ان الذاكرة والأفعال كافة لا علاقة لها بالمكون البشري الدنيوي الذي يتغير من حال الى حال ومن ظرف الى ظرف فالقاسم المشترك بين كل تلك الحالات هي النفس ، فنستنتج أنها هي محل الذاكرة والقرار .

      من وسائل اثبات ذلك هو أن الانسان في بداية حياته لو حصرنا خلايا جسده ثم حصرناها في نهاية عمره بعد ستين او سبعين عاما لوجدنا أن مكونات جسده تغيرت كليا فالخلايا المادية لها اعمار مختلفة تموت ويخلق غيرها وبالتالي فالجسد فانٍ بالٍ متغير والنفس هي الثابتة.

      ولو سألنا كيف تكون الناصية محل الكذب والصدق والله تعالى اثبت ذلك ثم نقول ان الدماغ المادي غير معني باتخاذ القرار نقول بأننا اوضحنا في هذا البحث بأن الدماغ والجهاز العصبي هو وسيلة الترجمة بين النفس في بعدها الخفي وبين الجسد في بعده المادي على شكل نبضات كهربائية ، ونعم كل جزء من الدماغ معني بنوع معين من التفاعلات الذهنية ذلك أنها هو الموضع الذي يترجم تلك التفاعلات بين النفس وبين البدن وليس لأنه موضع حصول التفاعل نفسه بل موصل بين فئة من فئات التفاعلات وبين ما يقابله في النفس البشرية .
      فمثلا هناك جزء في الدماغ معني بالتحكم بالبصر فإن أصيب اصابة مادية وحدث به تلف معين فإن النفس يتعذر عليها ايصال الاوامر واستقبال ردود الفعل فيحدث العمى فلا يستطيع الانسان الرؤية لتعطل الوسيطة المادية المعنية بالترجمة ، وهناك كثير ممن اصيبوا بالغيبوبة لفترة معينة ثم اراد الله ان يتعافوا مما اصابهم فإن بعضهم يذكر بأنه كان يعي كل ما يدور حوله ولكنه لا يتمكن من التفاعل مع محيطه فنستدل بأن النفس موجودة في بعض الحالات ولكنها لا تستطيع التفاعل مع محيطها لأن الوسيلة التي تربطها مع الجسد المادي تالفة او معطوبة.

      ماذا يثبت لنا بأن افعالنا هي نتاج عمل القلب (النفس) ومكوناتها وليس من مكونات عمل الجسد ؟
      نقول أن النص القرآني يثبت لنا ذلك عندما يقول تعالى { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج:46] فقرر أن الابصار المادية ليست هي التي تحدد وتساعد على الرؤية ولكن الحقيقة أن القلوب (نواة النفس) والعقل الغير مادي هي ما تعمى في حقيقة الامر ، ثم أن تعاطي المخدرات والمسكرات تحجب وتستر العقل فتنفلت النفس عقالها ونرى منها تلك التصرفات التي لو كان صاحبها عاقلا لما فعلها.

      1. تمام شكرا لك فهمت ، ولكن ما قولك بغالبية فقهاء المسلمين الذين قالوا بأن العقل مكانه القلب؟ ، اي انه وصل بهم الامر ،بانني قد قرأت فتوى لشخص ما يقول بان كل من قال بان العقل مكانه غير القلب فهو ليس بمسلم ، وقد قال بالقران ما ليس فيه ، (كانت بموقع الاسلام ويب ، نقلا عن احدى الفقهاء) ، واعلم بانك قد فصلت الفرق بين العقل والقلب ، ولكن ماذا عن غالبيتهم الذين قالوا بان الله قد قال باية”قلوب يعقلون بها” ، اي جعل مكان العقل القلب ، مثلما جعل مكان الرؤية العين و…

        1. بارك الله فيك ، كنت اتمنى لو اسمعتك مقطع صوتي سجلته بنفسي لطبيب عمل ٢٨ عاما في مركز زراعة الأعضاء بالمملكة “د.حسان الخناني” والتقيته في مهمة عمل وسألته واستأذنته في تسجيل رسالته التي كان مختصرها بأنه اشرف على مئات عمليات زراعة القلب من كفار لمسلمين ومن نساء لرجال والعكس ولم يتبين حصول أي تغيير في عقيدة متلقي القلب الجديد ولم تتأثر قناعاته ولا اسلوب حياته وقد أجرى اختبارات خاصة للبحث في هذا المجال تحديدا وتأكد له بما لا يدع مجالا للشك بأن القلب العضوي مجرد مضخة لا علاقة لها بالعقائد والنوايا مما يدل دلالة قاطعة بأن القلب المعني هو القلب الشرعي ومحله النفس وهذا أكد وعضد بحثي هذا

      2. لا فهمتني بشكل خاطئ ، رأيي من نفس رأيك ان المقصود ليس القلب العضوي بل المعنوي ، ولكن ماذا عن الفقهاء الذين يقولون ما كتبته في التعليق في الاعلى؟

        1. فهمتك تماما ، ورسالتي موجهة لهؤلاء الفقهاء والمقتنعين برأيهم بأن حكمهم خاطئ ، وإن كان الأمر خفي على العلماء الأوائل فإن اثبات ذلك حصل في عصرنا هذا مع تطور الطب وظهور عمليات زراعة القلب وتشريح الجسم فثبت بذلك خطأ تلك الاعتقادات ويؤيد ذلك سياق النص القرآني

  13. السلام عليكم
    جزاك الله خير على اجتهادك نفع الله بك وبعلمك
    اخي
    تبرئتك للعقل اتفق معها قلبا وقالبا
    واعيد للنفس كاقوا دافع للفعل سيئه وحسنه
    لكن اختلف معك
    ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد القلب
    لقد قال بابي وامي صلى الله عليه وسلم
    الا ان في الجسد مضغه(وعرفها)الا وهي القلب
    ومن تجربتي فانها القلب
    سببان لحياة الانسان
    القلب وما انعقد عليه وفيه من الفطره بالايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر وهو مثابة ختم يصدق ما يمر عليه انه القلب اخي
    والدليل ان ايما يهز احد الثوابت ولم نستطع رده نمرض او نموت انه القلب اخي جزاك الله خير وهو الفؤاد وشيئا مما يحيط بالقلب من اغشيه جميعه مع القلب هو الفؤاد
    ولقد قلت قلت عن الفؤاد ماهو غير صحيح
    ربما استندت الى(وافئدتهم هواء)
    هم في الدنيا هكذ ويطلقون على انفسهم لادينيين
    ولاكن عذاب الاخره بهواء في الفؤاد اشد واعظم
    جزاك الله خير

  14. حبيبي في الله
    اتصل بي للاهميه
    اتناقش معك حول التعريفات
    ليس عندي مدونه ولن يدخل جيبي مال
    لكن اريد ان اوضح لك اخطاء في التعريفات
    عسى ان اقنعك او تقنعني

    علما بان غير المسلمين في مشارق الارض ومغاربها
    يعلمون الكثير عن النفس والعقل والفؤاد
    خاصة المتخصصين وكثير من الادويه النفسيه
    مركبه بعد تجارب تحاليل على المصابين بصدمات
    عاطفيه كموت قريب او خيانة حبيب او دجال خطيب
    اختبار للايمان

    اتصل بي للاهميه
    واذا كنت قد صرفت النظر عن تحسين المقال فلك ذلك
    ولا ترد على رسالتي
    بريدي لديكم

  15. اللاخ عدنان الغامدي، سررت بردك السابق على رسالتي تحت صفحة القضاء والقدر.
    وشوقني قولك اعلاه (كنت اتمنى لو اسمعتك مقطع صوتي سجلته بنفسي لطبيب عمل ٢٨ عاما في مركز زراعة الأعضاء بالمملكة (د.حسان الخناني)..الخ).
    قيا ليت تضع المقطع الصوتي المقصود، واكن لك من الشاكرين.

  16. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    نشكر جميع الأخوة والأخ عدنان خصوصًا على هذا الطرح الطيب…
    ولكن يا أستاذ عدنان عندي إشكال : كيف تحجب المخدرات العقل وهو في الأساس غير مادي؟!

  17. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    حياكم الله أخي
    النفس والعقل والقلب والفؤاد كلها مكونات غير مادية تستوطن بدنا ماديا وهو الجسد ، تؤثر وتتأثر به وتحركه وتسيره وهذه النفس بمكوناتها الغير مادية تخرج من الجسد حال النوم وتشعر بالخوف والشهوة والغضب وتأمر البدن فيستجيب لأمرها وبالتالي فالتأثيرات متبادلة بين المادي وغير المادي وتأثير المخدرات لا يختلف عن تأثير الماديات عموما على النفس.
    فالضرب على الجسد المادي يحدث ألما في تشعر به النفس وكذلك اللذة وكذلك تأثير الخمر فإنه يتسبب في تغير فيزيائي في البدن المادي مما يحجب النفس بمكوناتها من التحكم الصحيح بالبدن .

  18. عندي إضافة لكن أريد من الأخوة التصحيح.
    بالنسبة للفؤاد أنا في رأيي المتواضع أنه ما يسمى اليوم بالعقل الواعي، أو الشعور، والذي هو مسؤول عن التفكير والتحليل والاستنتاج والإدراك للمحسوسات، ومن ثم يقرر.
    كل ما قام به الفؤاد اعتمد فيه على القلب الذي يسمى اليوم العقل الباطن، حيث أن القلب مسؤول عن الذاكرة وتخزين المعلومات التي يدركها الفؤاد ويقررها، ثم تحدث عملية عكسية بحيث أن الفؤاد إذا فكر أو رأى شيئًا فإن القلب يسعفه بجميع الأفكار والمشاعر والأحاسيس المخزنة سابقًا فيه.
    وهذا القلب والله أعلم، فطر على حب الله تعالى وعبادته، بحيث أن العبد كلما اعتنى بزيادة إيمانه والتقرب من الله بالعبادة، فإن القلب يمده بمشاعر الرحمة واليقين والإيمان والصبر والطمأنينة، والتي تنعكس بدورها على جميع شؤون حياته، وتصبح جزءًا من شخصيته، ((مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا))

  19. شكرا لك استاذ عدنان
    من 2016 وانا ابحث عن مفهوم النفس و الروح ومفهوم العقل والقلب لاكمال كتابي .

  20. افكر كثير في نفسي افكار متنوعه واسرح ان سرحة بشي حلو كاسر بنفسي انو اتخيل انا اكون انا. او يطلع هاذا الحلو الي فيه ويقتل التفكير. وكل هاذي التفاكي تنتج وسوسوه وتنتج ان اي شي حوالي من اي شي كان انه هيا بس بدايتي التبادل والحظ موجود بس البدايه يرجع ويسرقها تفكيري لام اكون متوحد اسرح احصلها اما انها في الشخص او في سياره الخ…. بيكون عندي بدون اي حلاوه
    تفكير في نفسي انا اني مراح اكون وسعادتي كذا اكره نفسي وابز شخصيه مثل في ضعف يتضاهر وتكون في نسه انه كذا زي الناقص
    تفكير اني مخبي الحلاوه في النفس يعكسها تفكير مكتفيبها لنفسي تخلي نفسيتي كذا كذا التفكير هلكني صرت ضعيف نفسيه مافي قدره ازاحم اي احد الافضليه توحد انسجااام تخيل اسرح تكون علا حسب المزاج الي كتسبتو من زمان كيف اسوي اوكيف افهم هاذا بذات الحفظ صفر. كله هاذا سبب تفكير بسرعة الثانيه احس ابي كتاب يغير كل هاذا الشي عشان مأكتب كتاب اسرح معاه بدو كت علاج نفسي اولا التفكير واسمه بعييييد عن العلاج يتكلم ويعبر وفايده والخ .. لهاذي الاعراض اوالتفكير بس بدون مايتكلم عنها وصلت لمرحله مدمن تفكير ووتعبت مره من التفكير ٠٥٠٨١٣٥٥٧١

  21. السلام عليكم اخي الكريم استاذ عدنان في الاضاءة الاولى : العقل الباطن هو مستودع المشاعر فهو اقرب الى الفؤاد منه الى القلب مع التقدير لجنابكم الكريم

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      حياكم الله يادكتور
      السبب في نسبة المرض للقلب وليس للفؤاد او العقل هو أن الميل للشهوة والمحسوسات هي وظيفة فطرية للفؤاد ، والميل لتقييدها واتباع منهج الله وظيفة فطرية للعقل
      ومهمة الاختيار هي وظيفة القلب فإن مرض القلب فإنه يقدم الفؤاد على العقل فيتبع شهوته ويتجاهل عقله.
      لذا فالقلب يعقل اي يقيد ويتحكم فإن لم يعقل كان قلبا مريضا لذلك يشرح لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيقول في جزء من الحديث:
      تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا … الحديث

      فجهاز التحكم المركزي الذي يقود النفس تجاه الفتن والشهوات ويميل بها للباطل هو القلب ، وهو الذي يكبح جماحها ويعسفها نحو الحق .
      والله اعلم

  22. الابن عدنان وجميع المعلقين السلام عليكم وبارك الله فيكم. لدي ثلاثة أسئلة وهي:
    1- كيف تفسرون زيادة ضربات القلب في حالة الخوف والحزن والفرح و….؟ هل هذه التفاعلات تدل على أن القلب مضغة في الجسد فقط؟ أم إنها تدل على أن القلب متصل بالعقل الذي ركز في الحدث وأعطى القلب الاشارة التي جعلته يتفاعل معه؟
    2- لقد جاء ذكر السمع والصر والأفئدة في جميع الآيات بأنهم الأدوات الرئيسية الثلاثة للعلم بالأشياء والتفاعل معه. ولم يذكر القلب والعقل ضمن تلك الأدوات. ولكن ذكر القلب والعقل في آيات تفصيلية. ألا يدل ذلك على أن القلب والعقل يمكن أن نطلق عليهما الفؤاد لأن عملهما مكملان بعضهما البعض؟ ألم يكن التصرف والشعور الذي يعكسه القلب هو نتاج التفكر بالعقل، فإما فرح أو خوف أو غضب أو … فيترتب على ذلك أشياء كثيرة؟
    3- ماذا يعني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… ألا في الجسد مضعة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب).
    فإذا كان القلب مجرد مضغة ضاخة للدم كيف يتأتى لها أن تصلح أو تفسد فتؤثر على الجسد كله؟
    شكراً لكم جميعاً ووفقكم الله وإياي لمعرفة الحق

  23. أستاذ جزاك الله خيرا على هذا المقال النافع المانع…
    لدي سؤال من فضلك: ما مدى صحة هذا القول: “مِن لطف اللغة العربية أنَّ القلب لا يسمى فؤادا إلا إذا دخل الحب فيه”

    1. حياكم الله اختنا الكريمة
      هذه المقولة تتفق مع تعريف الفؤاد في هذا البحث ، فالفؤاد متعلق بالعاطفة والحواس والشهوات والعقل متعلق بالحق والحدود والشريعة ، فإذا انقلب القلب تجاه الفؤاد اصطبغ بصبغة للفؤاد وهي العواطف والشهوات (الطمع ، الحب ، الكره ، والغضب ، الطمع ، الشهوات) .
      بينما يكون حب الله تعالى ينقلب فيه القلب للعقل وكذلك حب النبي صلى الله عليه وسلم والرغبة في الجنة لأن كل تلك الرموز غيبية لا تدركها الحواس فحبها ايمان بها بدون مشاهدة فهي ليست متعلقة بالفؤاد ، وليس الحب المتعلق بالفؤاد لفتاة اجنبية او لرجل غير محرم ، كالحب المتعلق بالعقل كحب الله وحب الرغبة في الجنة والخوف من النار .
      والله أعلم

  24. نفع الله بكم

    و يوجد احديث عن هذا الموضوع
    (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ) و القلب هنا ليس الموجود بالجسم

    قلتُ يا رسولَ اللَّهِ من أسعدُ النَّاسِ بشفاعتِك يومَ القيامةِ فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ أن لا يسألُني عن هذا الحديثِ أحدٌ أولى منكَ لما رأيتُ من حرصِك على الحديثِ أسعدُ النَّاسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ من قال لا إلهَ إلَّا اللَّهُ خالصًا من نفسِهِ
    و الرواويه الثانيه

    قِيلَ يا رَسولَ اللَّهِ مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبَا هُرَيْرَةَ أنْ لا يَسْأَلُنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ، أوْ نَفْسِهِ.
    و في هذا الحديث القلب و النفس شيء واحد

    إنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ عن أُمَّتي ما حَدَّثَتْ به أنْفُسَها، ما لَمْ تَعْمَلْ أوْ تَتَكَلَّمْ

    الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 5269

    الروايه الثانيه

    إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لي عن أُمَّتي ما وسْوَسَتْ به صُدُورُهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ.
    الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
    الصفحة أو الرقم: 2528 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

    و الله اعلم

    1. (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ) ، نعم بارك الله فيك ، فلو كان القلب المقصود به الجسد لكان ضمن الأمور التي لا ينظر الله إليها فهي من الجسد ، ويقصد بذلك الحديث أن الله لا اعتبار عنده بالعمل الظاهر ولكن بالنية الباطنة والإيمان القلبي، فكل عمل لم ينشأ عن نية وإيمان لا اعتبار له في ميزان الأعمال.

  25. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله خير الجزاء -مقال مميز و ثري بالمعلومات .
    السؤال الأول: أين محل الوسوسة في النفس البشرية(وسوسة النفس ، وسوسة الشيطان ، وسوسة القرين) ؟
    السؤال الثاني :
    قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ
    ذكرتم ان العقل يكمل بعد الفؤاد كيف يتلوث مخزون العقل من خبرات و معلومات و عقائد نتيجة تفاعله مع بيىته التي يعيش فيها ؟

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      حياكم الله أخي أبا هاشم
      ليستقر أولاً أن النفس البشرية هي ذات ابن آدم الحقيقية وأن الجسد مجرد هيكل فانٍ يستوعب هذه النفس ويخضع لأوامرها وفهي تحركه وتأمره وتنهاه ، ولعلي أبدأ بإجابة السؤال الثاني فهذه النفس تخلق ككل الأنفس وهي تحمل ثوابت وقواعد أساسية كما يعرف الوليد الرضاع ويميز ثدي أمه وغير ذلك من الصفات الفطرية ، فالنفس كذلك مجبولة على وجود صانع للكون وهو الله جل وعلا فإن عُلمت الدين كان متفقاً مع فطرتها ، متقبلة له كما تقبل حليب الأم وتنفر من غيره ، فإن اعتادت عقيدة غير العقيدة الحق فإنها بسبب خاصية الاختيار (الأمانة) التي أودعها الله فيها تستجيب لهذا التغيير وهي في أصلها رافضة له لمخالفته للفطرة ، لذلك فإن المسلمين الجدد غالباً ما يدخلون في نوبة بكاء تحمل الندم والفرح ولا تجد هذا في أي عقيدة أخرى لأن النفس عسفت عن فطرتها مدة طويلة من الزمن فإن عادت للحق كان ذلك بالغ التأثير على النفس.
      إن التأثير العميق على النفس في فترة الطفولة يحيد العقل ويقدم الفؤاد ويتبنى قيم مخالفة في بعضها للفطرة كالعبادات ، موافقة للفطرة كالإحسان والصدق والصدقة وحسن التعامل مع الناس، ولكن تجد الفرد حائراً غير مستقر لوجود شيء لا تقبله نفسه، ولكن لا يدركه حتى يعرف شيئاً عن الإسلام.
      ولكن التأثير المحيط والتدافع بين الفؤاد والعقل هو العامل الأكبر والميدان الذي ينتهي فيه الصراع إما بانتصار العقل وخضوع الفؤاد أو بكبت صوت العقل والبقاء على الكفر.
      ونأتي على السؤال الأول وهو الوسوسة ، والتي تعني الصوت الخافت الذي إن سمع لا يفهم ، وحقيقة الوسوسة أنها التدافع بين العقل والفؤاد والمحاجة في إتيان الباطل أو إتيان الحق ، فالوصول لقرار في اتباع الحرام أو تركه يتبعه تدافع بين العقل الذي ينهى الفاعل وبين الفؤاد الذي يغري القلب بإتيان الفعل، وهنا يحدث المرء نفسه بنواتج هذا التدافع والتعارك الذاتي حتى يصل لنتيجة، وكذلك فإن الشيطان حين يوسوس للنفس فهو في درجتها من الخفاء واللطف فيحدث القلب بما يريد فإن كان العقل سائقه استعاذ من الشيطان ومضى للحق وترك الباطل ، وإن كان الفؤاد سائقه اغفل الحق وسار للباطل.
      والله تعالى أعلم

  26. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اخي العزيز لكم جزيل الشكر على سرعة الاستجابة
    اتفق معك في تأثير الجن او الشيطان او القرين على الفؤاد قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ…} الآية 175
    السؤال الثالث : افرض ان طفلا سحر منذ الطفولة كيف للقلب ان يعلي العقل وهو تحت تأثير الفؤاد إلى أن يكبر ؟اي كان هذا الطفل نما في واقع افتراضي سيطر الفؤاد على القلب .على فرض ان هذا الواقع الذي يعيشه واقع اسلامي

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      شكر الله لك ، نعم وهنا يثبت ذلك بأن قيم الخوف والفرح الشديد والشهوة والغضب ونحو ذلك من قيم الفؤاد التي يعبث الشيطان بها ، بينما قيمة الخوف من الله من قيم العقل التي لا تتعلق بالمحسوسات التي هي من متعلقات الفؤاد.
      بالنسبة لسؤالكم فالسحر يتعلق بعبث الشيطان بنفس الإنسان وإيذاءه ، وليس متعلق بإرادة الشخص ، فمسألة إعلاء الفؤاد أو إعلاء العقل هي مسألة متعلقة بالإرادة والفعل الناجم من الشخص ذاته ، في حين أن السحر مؤثر خارجي يسلب المرء إرادته ويتحكم في تصرفاته إما بصفة مستمرة أو في أوقات متباعدة ، والمشترك بين كل تلك الحالات أنه إذا أفاق مما كان فيه لا يدرك من كان يتحكم بجسده ، وماذا فعل وكأنه صحا من نوم أو من غيبوبة ، وهذا مفهوم تماماً فقيادة الجسد سلمت عنوة لمخلوق لطيف من جنس لطافة النفس وشفافيتها وهو الجان المؤذي المسخر لأذى ابن آدم بواسطة السحر الذي عُقِدّ له.
      والنفس تخرج كما اثبت الله تعالى في كتابه عند النوم وتعود حال اليقظة، فإن كانت خارج الجسد ولم تكن محصنة بذكر الله قبل النوم تعرضت للكوابيس ومشاهدة صور بشعة ومخيفة لتلك المخلوقات على طبيعتها ، وكذلك عند حالات الإسقاط النجمي فإن النفس تتحرر من الجسد لفترة كتحررها في فترة النوم ثم تعود للبدن عند الصحو .
      وبالتالي فإنه كما أسلفت تقتصر حالة الإعلاء والاستعلاء بين العقل والفؤاد على الحالات الطبيعية التي تتمتع فيها النفس بإرادتها المستقلة عن المؤثرات الخارجية وهي مناط الحساب والعقاب إذ أن الحالات التي تؤدي النفس فعلاً معيناً رغماً عن إرادتها الحرة المختارة فلا تحاسب عليها ويرفع القلم عن كتابة وتدوين الأفعال في صحيفتها وما أن تتحقق الإرادة الحرة المختارة فإن القلم يعود للتدوين والكتابة.
      أرجو أن يكون فيما تقدم إجابة وافية لما تفضلتم به والله يرعاكم

      1. بحثت عن تعريف النية فتهت بين تعاريف السلف و فهمي لمعنى القلب و الفؤاد و العقل هلا شرحتم بارك الله فيكم ما تعريف النية حسب مفهوم العقل و الفؤاد و القلب ؟

        1. الحمدلله وحده وبعد
          النية يمكن تعريفها ممن عدة أوجه ، “فهي الرغبة والعزم على إتيان الفعل” ، ومحلها القلب ، القلب نواة النفس كما قلنا ، وإذا اردنا أن نمثل لحقيقة النية فنقول أن المسلم مثلا ينوي أداء صلاة القيام ويعقد العزم على هذا الفعل في وقت محدد ، فتعتلج النفس بالتدافع بين الفؤاد الذي يريد تلبية حاجة الجسد بالنوم والركون للراحة لأن الجسد المادي هو غاية أهداف الفؤاد ، وبين العقل الذي يريد أن يعقل ويقيد الفؤاد عن التأثير من تحقيق هذه النية، والقلب هو صاحب القرار الأخير ، إما أن يركن لنداء الفؤاد فيتناسى نيته ويتراجع عنها ويصم أذنه عن صوت العقل ، أو يعاكس رغبة الفؤاد ويؤقت ساعته للقيام في الوقت الذي يراه.
          وهناك العكس ، فلنقل أن رجلاً نوى وعقد العزم على ارتكاب الزنا، فلا شك أن حاجة البدن وشهواته تجعل الفؤاد يزين هذا الفعل ويرغب الإنسان فيه ، ولكن هناك صوت العقل الذي يسعى لتقييد الفؤاد وكبت رغبته ويخرج الموانع العديدة والنواهي والزواجر الكثيرة لثني القلب عن قبول تزيين الفؤاد ورغباته ، فيتخذ القلب قراره بالفعل أو نهي النفس عن الفعل وفق قوة العقل وضعف الفؤاد أو العكس.
          هذا الصراع بين الفارس والفرس ، وبين العقل والفؤاد لا يعتبر إلا بنتائجه ، فإن انتهى المطاف بانتصار الفؤاد على العقل فلا معنى لكل الجهد الذي بذله العقل في تقييد الشهوات وإيقاف الرغبات.
          ولكن ليست كل حالات التفاعل بين العقل والفؤاد هي حالة تدافع ، فعندما يأتي الأمر إلى سلامة الجسد وحاجاته الأساسية فإن كلا العنصرين يسيران في الطريق ذاته ولا يتنافران ، كتناول الطعام لحفظ البدن من الهلاك ، وشرب الماء لتلبية حاجات الجسد منه حفظا مما قد يصيبه من سوء ، وكل فعل يراد منه حفظ النفس والجسد من التلف ، ولكن التدافع في حال الصيام يكون أقل ذلك أن الشيطان مقيد عن تدعيم الفؤاد والوسوسة فيكون الفؤاد ضعيفاً أمام العقل ، فإن أفطر المسلم برغم ذلك دل على ضعف عقله أمام فؤاده وأن فؤاده أشرّ وأسوأ من الشيطان ، وهذا النوع من الأفئدة لا يحتاج الشيطان لمزيد من الوسوسة ليحرفه عن الصواب بل لدى الفؤاد استعداد وسلطة على النفس لا يحتاج معها لجهد كبير لفعل السوء.
          إن فهم هذه الأحوال يجعل المرء عارفاً مدركاً لخلجات نفسه وتدافع عقله وفؤاده ، فيعلم من صاحب نداء السوء ونداء الحق في داخله فيكون ذلك عونا له على فعل الحق ولو كان ذلك ضد فؤاده وركونه للراحة والسلامة من العناء والحصول على الشهوة .
          أرجو أن يكون في هذا ما يبين الأمر ، والله يرعاكم

  27. بارك الله فيكم ، ونفع بكم
    أكتب بحثا بعنوان ( ذات الصدور )
    يتناول النفس الإنسانية
    والكثير مما يحتويه البحث من مدونتكم
    وأبحاثكم
    التي انتفعت بها كثيرا
    جزاك الله خيرا ، وزادك علما أخي الكريم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مشاركة

مقالات اخرى

ذو القرنين الذي أتاه الله من كل شيء سبباً (1)

كتبه : زائر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء ذكر ذي القرنين في سورة الكهف كجواب على أسئلة اليهود الثلاث التي أمروا كفار قريش أن يسٱلوها النبي كتحدي له وتعجيز فسألوه عن : الروح وعن فتية ذهبوا في الدهر الاول

المزيد »

دَعْوى مَشْرُوْعِيّة مُتْعَةُ النِّسَاء

  في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 24 [النساء] القائلون بوقوع

المزيد »