بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ، فَمَنْ هُمْ ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الحق جل وعلا :

إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل

تَقْدِيم :

الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد

مررت بعدد من المقالات والآراء التي تستظهر معنى الآية الثامنة من سورة النمل ، ومنها قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا) وكانت التفاسير المختلفة والنظرات التي تحوم حول تلك الآية تدل في مجملها على الإضطراب في تحديد المقصود بمن في النار ومن حولها وحملت تلك التفسيرات أقوال منكرة ، وقد رايت كيف أمعن الطاعنين من المنصرين والملحدين في استعمال هذه التفسيرات ساعين للنيل من العقيدة ونسبة مختلف النقائص للقرآن الكريم وللإسلام ، فسعيت لكتابة هذا البحث سائلا التوفيق والسداد.

أقوال أهل التفسير :

وجدت أن الطبري رحمه الله جمع أشهر الأقوال وعرضها في تفسيره فاخترته لاستعراض تلك الأقوال وهي على النحو التالي :

فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)

وقوله: (فَلَمَّا جَاءَهَا ) يقول: فلما جاء موسى النار التي آنسها (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ).

كما حدثنا عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ) يقول: قدّس.

واختلف أهل التأويل في المعنِّي بقوله (مَنْ فِي النَّارِ) فقال بعضهم: عنى جلّ جلاله بذلك نفسه, وهو الذي كان في النار, وكانت النار نوره تعالى ذكره في قول جماعة من أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ) يعني نفسه; قال: كان نور ربّ العالمين في الشجرة.

حدثني إسماعيل بن الهيثم أبو العالية العبدي, قال: ثنا أبو قُتَيبة, عن ورقاء, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جُبير, في قول الله: (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ) قال: ناداه وهو في النار.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن الحسن في قوله: (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ) قال: هو النور.

قال معمر: قال قَتادة: (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ) قال: نور الله بورك.

قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال الحسن البصري: (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) (2) .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: بوركت النار.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني الحارث, قال: ثنا الأشيب, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) بوركت النار. كذلك قاله ابن عباس.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) قال: بوركت النار.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال مجاهد: (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) قال: بوركت النار.

حدثنا محمد بن سنان القزاز قال: ثنا مكي بن إبراهيم, قال: ثنا موسى, عن محمد بن كعب, في قوله: (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) نور الرحمن, والنور هو الله (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).

واختلف أهل التأويل في معنى النار في هذا الموضع, فقال بعضهم: معناه: النور، كما ذكرت عمن ذكرت ذلك عنه.

وقال آخرون: معناه النار لا النور.

*ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن سعيد بن جبير, أنه قال: حجاب العزّة, وحجاب المَلِكَ, وحجاب السلطان, وحجاب النار, وهي تلك النار التي نودي منها. قال: وحجاب النور, وحجاب الغمام, وحجاب الماء, وإنما قيل: بورك من في النار, ولم يقل: بورك فيمن في النار على لغة الذين يقولون: باركك الله. والعرب تقول: باركك الله, وبارك فيك.

وقوله: (وَمَنْ حَوْلَهَا) يقول: ومن حول النار. وقيل: عَنى بمن حولها: الملائكة.

*ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (وَمَنْ حَوْلَهَا) قال: يعني الملائكة.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن الحسن, مثله.

وقال آخرون: هو موسى والملائكة.

حدثنا محمد بن سنان القزّاز, قال: ثنا مكي بن إبراهيم, قال: ثنا موسى, عن محمد بن كعب (وَمَنْ حَوْلَهَا) قال: موسى النبيّ والملائكة, ثم قال: يَا مُوسَى (19-430)  إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

وقوله: (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يقول: وتنـزيها لله رب العالمين, مما يصفه به الظالمون.

ملاحظات وتعقيب :

لا شك ان ما قاله المفسرون رحمهم الله افتقر إلى العناية بالىراء المطروحة وتوجيهها توجيها سديداً ، فلما كانت الآية الكريمة لا تاويل لها من قرآن كريم أو حديث صحيح فينبغي على من تأول أن يعمل عقله وتفكره وتدبره في الآية بما لا يؤدي للمجازفة في مسائل الأسماء والصفات والعقيدة المتعلقة بالخالق جل وعلا ، ويستقر لدى كل من يستعرض تلك التفاسير أن جلَّ من قال في ذلك بشيء قرر بلا تبرير ولا توضيح يسند رأيه فتجده يقول مثلا ( قال : هو النور ، قال : هو النار .. الخ) ولكن لا يستند في قوله غلى قرينة ولا دليل ولا مَعْلم من معالم الاستنباط يمكن أن يلتمس له به عذراً.

وقد نتج عن تلك المجازفات أقوال مخيفة وآراء خطيرة وضارة لمفهوم الخلف عن السلف ولعلها نقلت عنهم في حين لا يوجد ما يؤكد قولهم لذلك ، كما أن عزاؤنا أنهم بشر يؤخذ من قولهم ويرد ويجوز عليهم الإشتباه والخطأ والاستدراك ، وهنا نحاول بجهدنا أن نتعرف على مدلولات هذه الآية الكريمة مستصحبين تنزيه الحق تعالت ذاته عن كل مالا يليق مستحضرين قوله في آخر الآية (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فإن اصبنا فالحمدلله وإن أخطأنا فنستغفر الله رب العالمين.

توجيه الآية الكريمة:

قبل أن أفصِّلَ في سبل الوصول لتوجيه الآية الكريمة سأقدم للقارئ الكريم نتيجة البحث ومن هو الذي حول النار ومن هو الذي فيها ومن ثم سأطلق إضاءات متتابعة تشرح سبب اختياري لذلك التوجيه .

إن ما أعتقده هو أن المراد بقوله تعالى (بورك من في النار) انه موسى عليه السلام (ومن حولها) اهله الذين مكثوا بعيدا عنها ، لتفصيل مسوغات هذا القول ودلائله التي يستنبط منها ذلك أقول وبالله التوفيق :

أولاً : يقول تعالى :إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل.

ولو عدنا للمثاني المتشابهة في القرآن الكريم لهذه الآية لوجدنا :

{ إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } [طه:10]

{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [القصص:29]

فنستدل من ذلك :

بقاء أهله ومكوثهم بعيداً عن مكان النار التي تراءت له فغاب عنهم بحثاً عمن يدله بخبر أو هداية أو جذوة يدَّفئون بها من شدة البرد ، كما نستدل أيضاً أنه عرف ما رأى وأنها ناراً وليست نوراً كما قرر بعض المفسرين فالله جل وعلا أراه ناراً وقرر أنها ناراً كما فيما يليها من الآيات ومواضع القصة الأخرى التي قررت فعلاً أنها كانت ناراً.

ثانياً : ثم قال جل جلاله : فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) النمل ، وفور وصول موسى إلى موضع النار سمع نداء الله جل جلاله يقول (بورك من في النار) والنداء هنا موجه لموسى عليه السلام فلا معنى أن تكون البركة موجهة لمن لا يدركهم ببصره ولا قرينة على وجودهم (جبريل والملائكة) فالله يرحب بعبده ويطمئنه ويحتفي بمثوله في حضرة ربه جل وعلا.

فموسى أتى حذراً مستطلعاً متوجساً تاركاً أهله فابتدره الحق جل جلاله بالترحيب به وإسبال بركته جل وعلا عليه حتى يستأنس ويطمئن بأن من ينادي ليس عدواً أو يضمر شراً له أو لأهله ، وهنا فقد أشكل على كل من قرأ هذه الآية قوله تعالى (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) فاضطربت أفهامهم ، وتوجيه ذلك أن النار (نور ودفء) وعين النار (حرٌّ ونور) وكل ما ابتعدت عنها قل النور وقل الدفء ولما كان موسى عليه السلام في تستوعبه تلك النار بهالتها التي تحيط بها وبدفئها ونورها كان كمن هو (فيها) وفي كتاب الله تعبيرات شبيهة استعمل فيها حرف الجر للدلالة على القرب في محيط التأثر والتأثير فيقول الحق تعالى:

{ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [يونس:16]

وفيكم أي (بين ظهرانيكم) ولا تعني في دواخلكم فهو في محيط تاثيرهم وتأثرهم وفي داخل مجال حياتهم ومعرفتهم وكذلك النار فإنَّ مِن آنِسَ دفئها وامتلأت عينه من نورها كان كمن هو فيها ، ويقول العرب (فلان يقف في الشمس) أي تحت ضوءها وحرها يناله من خواصها تلك شيء منها قل أو كثر ، ومثلها وقولهم (مشيت في المطر) ، أو (ارتحلت في البرد) ونحو ذلك.

{ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } [الشعراء:18]  

وقد عاش موسى بين ظهراني فرعون وقومه وفي محيط تأثيره وتاثرهم فكان التعبير (فينا) للدلالة على ذلك .

{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:82]

ولم يقل معها ، فالظرف بيّن يوضح في قوله القرية التي كنا فيها أي كنا بين اهلها ، والعير التي اقبلنا فيها (أصحاب العير الذين هم اصحاب القافلة) وهذه من استعمالات حرف الجر (في)

{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4]

أي يكون جبريل علي السلام من بين الملائكة النازلة في ليلة القدر غلى السماء الدنيا فكان التعبير (فيها) للدلالة على المعية القريبة وكذلك في قوله تعالى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) فلم يكن المراد بالصلب داخل الجذوع ولكن على الجذع ذاته.

وبذلك فموسى كان في النار طالما ناله من دفئها ونورها فرحب به ربه ليهدئ روعه ويؤمن نفسه ويسكن خوفه تمهيداً لما يلي ذلك من تكليم لعبده موسى.

 

ثالثاً : قوله (وَمَنْ حَوْلَهَا) يشير إلى أهله الذين تركهم حول النار لا يستدفئون بدفئها ولا يهتدون بنورها فلم يكونوا فيها ، ولما كان نبي الله في موقف عظيم لا يميز فيه من حول تلك النار التي يراها فقد كان قلبه عند أهله خشية عليهم فاراد الله أن يؤمِّنَ نفسه ويزيَّل خوفه بإضفاء البركة الربانية على أهله أيضاً.

والله جل وعلا دوما ما يضفي البركة على الأنبياء وأهليهم لذلك بارك على إبراهيم عليه السلام وعلى أهل بيته ، فيقول جل وعلا :

{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } [هود:73]

وقد ذكر جل وعلا في أكثر من موضع ما أحله تعالى من البركة على أنبياء عدة وعلى ذراريهم  ومثال ذلك قوله تعالى :

وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) الصافات

وكذلك فإن ما تركه موسى وهارون وآلهما (عليهم السلام) في التابوت كان آية عظيمة لبني إسرائيل تحمل البركة الأولى التي أسبلها ربنا جل وعلا على نبي الله وآله :

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة:248]

ونحن اليوم ندعو في كل صلاة بالبركة على سيدنا محمد وآله كما حلت البركة على سيدنا إبراهيم وآله ، كانت البركة التي نودي بها موسى عليه السلام من الله جلت قدرته ضافية عليه وعلى أهله الذي مكثوا منتظرين عودته بجذوة يتدفئون منها لأنهم هم الذي حول النار فكانت ظواهر الآية بيّنة الدلالة بهذه الصورة ، وأن مسألة أن الله أو نوره كان في النار قول لا ينبغي فقد أتبع الله تلك الآية بقوله (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) تنزيها لله جل وعلا وإشارة تدل على علو الله عما يتبادر لذهن اي كان من ظن بلا دليل.

 

والله اعلى وأعلم وصل اللهم على محمد وىله وصحبه وسلم

 

19 تعليق

  1. جزاك الله خير ياشيخ عدنان وزادك بصيرة وفقه في القران..

    اؤيد تفسيرك للاية .. وازيد في التوضيح .. ان موسى رأى نار فلما جاءها تفاجيء بامرها فلم تكن نار على حقيقتها (حطب او نحوه مشتعل) بل كانت نور مضيء كالنار ودفىء بلا اشتعال من شيء كحطب او نحوه ! .. ولما كان امر النار كذلك اندفع موسى لداخل هذا الضوء حتى اصبح فيه ليتأكد من حال هذه (النار) العجيبة التي ليست كالنار المعروفة المألوفة .. وهنا ناداه ربه {ان بورك من في النار} اي بوركت يا موسى (ترحيب وبركة من الله لنبيه موسى) .. {وبورك من حولها} المقصود اهل موسى عليه السلام .. فبارك الله على موسى وعلى اهله (اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم)

    والله تعالى أعلم وأحكم

  2. القران يفسر بعضه بعضا .. آية اخرى من القران دليل على القول بان موسى عليه السلام هو من كان في الضوء (النار الحجاب الذي سمع منه كلام الله) .. وهو دليل نزعم انه حاسم ينجلي به الاشكال ويزيل به الشك

    قال الله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} الشورى

    ففي هذه الاية اخبار من الله تعالى ان تكليمه للبشر لايكون الا باحد هذه الاوجه المذكوره بالاية.. فكان تكليم الله لنبيه موسى {مِن وَرَاءِ حِجَاب}، فكانت (النار) هي الحجاب الذي امكن لموسى من سماع كلام ربه حين اندفع نحوها حتى اصبح بداخلها فناداه ربه
    { أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ } .. و(النار) كما اشرنا سابقا لم تكن هي النار المعروفة المشهورة، انما كانت بذاتها معجزة فهي (ضوء) فقط من غير حرارة ولا اشتعال من شيء (لاحطب ولانحوه)، مما استدرج موسى لدخولها (ليسمع كلام ربه).. وقول الله تعالى في ختام الاية {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم} اثبات ان الله تعالى “لاينزل” ولايتحول من علوه الازلي ، فهو سبحانه لايحتاج للنزول ليكلم البشر، وانما يُنَزِّلُ كلامه على من يشاء من عباده الذين اصطفى باحد هذه الاوجه المذكورة بالاية .. والاية هنا بمجملها تنسف عقيدة النزول التي يقول بها البعض في (حديث النزول) ..

    *** ملاحظة: هناك قبائل عربية مازالت في عصرنا الحاضر تطلق اسم (الضو) على (النار)

    والله أعلم وأحكم

  3. بما اني استذكرت (حديث النزول) في الرد اعلاه .. استكمل هنا المراد من كلامي لمزيد توضيح ..

    الحديث: عن ابي هريرة رضي الله عنه عن الرسول ﷺ قال: (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ))

    والحديث صحيح لاشك فيه عندي .. ولكن الاشكال مع من فسره على الظاهر بدون الرجوع للقران .. فكما نعلم ان اعلى درجات تأويل وتفسير القران هو(تفسير القران بالقران، ثم بصحيح السنة) .. وازعم انا ان اعلى درجات تفسير وتأويل صحيح السنة (احاديث الرسول ﷺ) عند وجود اشكال هو (تأويل احاديث الرسول بالقران، ثم بالسنة ) ..

    (حديث النزول) اخذ به بعض المسلمين (المجتهدين) على ظاهره وغاب عنهم رد وعرض تأويله على القران.. فاثبتوا (من غير قصد) مالم يثبته الله في حقه مما لا يليق ان يتصف به .. فاثبتوا بهذا الحديث صفة (النزول) لله، وامكانية حلول (الخالق) في (المخلوق) “تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا” .. وهذا لاشك من الغلو باثبات صفات الله، والغلو باثبات الصفات لايختلف عن الغلو بنفي الصفات فكلاهما زلل عن طريق الحق والحق هنا (اثبات ما اثبته الله لنفسه من الصفات من غير تمثيل ولاتكييف ولاتعطيل، ونفي مالم يثبته الله لنفسه من الصفات مما لا يليق به سبحانه ) ..

    ونقاشنا معهم.. سيكون برد تأويل الحديث (محل الاشكال هنا) الى القران، اتباعا لأمر الله {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}

    ***

    ظاهر الحديث وتأويله بالقران :

    ١- ظاهر الحديث: نزول الله الى السماء الدنيا ..

    * ومعلوم ان صفة (النزول) تتناقض مع صفة “العلو” الازلي لله ومع الفوقية المطلقة لله على خلقه .. يقول الله تعالى {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} وغيرها الكثير من الايات الدالة على علو الله الازلي

    * فالتأويل والله أعلم .. ان الله سبحانه وتعالى ينزل ب(كلامه) للسماء الدنيا وليس بذاته .. فاذا علمنا ان الكلام صفة ملازمة لذاته سبحانه .. علمنا المراد من ظاهر الحديث (ينزل ربنا)

    ٢- ظاهر الحديث: تكليم الله للبشر ومخاطبته اياهم (بلا وحي ولا رسول ولا حجاب) كل ليلة حين يبقى الثلث الآخر من الليل …

    * وهذا مناقض لقول الله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}

    ** فالتأويل والله تعالى أعلم .. ان كلام الله موجه لملائكة السماء الدنيا (وليس للبشر) .. فيسألهم (اي الملائكة) وهو أعلم منهم، عن احوال عباده (( من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ))

    والله أعلم وأحكم

    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      كنت أودّ أن يأخذ هذا الامر حقه من الطرح والذي أرى بأن نقاشه هنا وبهذه السرعة يظلمه.
      قد أختلف معك اخي ابا عبدالله لعدة أسباب ولكن القاسم المشترك في المسألة هي زمن هذه القضية تم الاختلاف فيها منذ زمن طويل ، ذلك أن سطوة المادة على الفكر البشري طاغية ، والفؤاد يغلف القلب ويعزل العقل لذلك فهو عند ذكر النزول والاستواء وغيرها من الصفات فإن المستمع يخضع المسألة للمعيار البشري المادي الذي يحول اللفظ دوما لصورة خيالية داخل ذهنه فيرفضها حِينَئِذٍ على الفور .
      والمشكلة ليست في النص ولا في حقائقه بل في التلقي والفهم ، وانا اتفق معك تماما ان لفهم القرآن على ضوء القرآن والسنة على ضوء القرآن مطلب بل اجزم ان الفهم بهذه الصورة سيجعلك تستوعب ان الذي تجلى للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي كان الرحمن جل جلاله والنص الواضح الجلي يثبت ذلك ولكن الفؤاد المادي لم يستوعب ذلك فرفض الحقيقة بالكامل وصرف الرؤية لجبريل عليه السلام في الوقت الذي يقول تعالى :
      إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6)
      فمن هو الذي من صفاته الاستواء أليس هو الله جل في علاه ؟ ومن أشد منه قوة ؟ ومن علم نبيه بنص القرآن أليس هو الله تعالى :
      [ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي]
      [وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ]
      [وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا]
      [وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ]
      فمن هو شديد القوى المستوي على عرشه ؟ الذي يقول :
      وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9)
      فيصف تعالى الحالة بدقة وفِي قصة متصلة لا يفصلها شيء ولا يفيد خلافها شيء ثم يستطرد فيقول
      فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11)
      فأوحى : والفاء للتعقيب مرتبطة بما قبلها ، فأوحى إلى عبده : أي محمد والضمير يعود لله الذي تنزل فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ، ثم يقول ما كذب الفؤاد ما رأى ، ولو كان جِبْرِيل فقد رآه صلى الله عليه وسلم في صور متعددة فمن الطبيعي مجيء جِبْرِيل باستمرار طيلة نزول الوحي مما يدل ان المقصود ليس جِبْرِيل ، ثم يقول :
      وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) النجم
      فعبارة [نزلة] تدل على النزول في حين ان جِبْرِيل صعد مع النبي حتى وصل لموضع لم يستطع بعده ان يرافق النبي صلى الله عليه وسلم ، إذاً فالمقصود ليس جِبْرِيل فعند سدرة المنتهى انتهت قدرته قبل ذلك على الوصول ثم نزل الله نزلة أخرى غير نزلة الغار الاولى .
      وقد عوملت الاثار النبوية التي تدل على هذا المعنى المباشر والواضح بصورة قاسية فصرفت عن معناها وهمشت لخدمة قضية عقدية محددة.
      وكل الخيالات والإسقاطات التي أدت لرفض فكرة الرؤية ليست بحجة فمن يتخيل ويجسم ويسقط المسألة على مفهومه فيرفضها فإن هذه مشكلته هو وليست مشكلة الحقيقة الماثلة.
      إذاً كيف نستطيع فهم وقبول الفكرة بدون الوقوع في محظور التجسيم والانتقاص من ذات الله جل جلاه ؟
      أرجو التكرم بقراءة عدة مواضيع وبحوث بعناية وبعدها ولنقاش بسيط سنفهم المسألة باْذن الله :
      – الفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْوَفَاة وبَيْنَ الرُّوح وَ النَّفْس
      – العَقْلُ وَ الْقَلْبُ وَ الفُؤَادُ فِيْ ضَوْءِ الْمَفْهُومِ القُرْآنِيّ
      – نَظَرِيَّةُ الذَّاكِرَةِ البَعِيْدَةِ وَوَظَائِفِ المُخِّ وَالدِّمَاغْ

      وهذه المواضيع الثلاثة مع مواضيع اخرى ضمن كتاب حقيقة النفس البشرية وسأرسله لك بالبريد الالكتروني فأرجو التكرم بقراءته بعناية والله الموفق

  4. إضافة توضيحية :
    إن الفرقاء الذين اختلفوا في مسألة الصفات الإلهية فمنهم من جسّم ومثّلَ وكيّف ، وعلى النقيض من ذلك من يسمون بالمعطلة الذين عسفوا ظاهر الآيات ومقتضاها وصرفوا الألفاظ عن حقائقها هروباً من تهمة التجسيم فد شطَّ الجميع جهلا بالطبيعة الالهية وقصوراً في فهم الخلق الكوني.
    إن كل الفرقاء يعدون من المجسمة برأيي ، ذلك أن تصوراتهم المبنية على الطبيعة الفيزيائية الدنيوية جعلتهم ينظرون للنزول والاستواء وغيرها من الأفعال الربانية بنظرة دنيوية وما ذلك إلا لفساد تصورهم ، وإلا فإن الكون يتكون من أبعاد بصرية متنوعة تتنقل فيها المخلوقات من بعد لآخر ، فنحن عندما نتصور الملائكة أو الشياطين أو أيا من المخلوقات الغيبية فإننا نخضعها -فطرياً- لقواعد الرؤية البصرية الدنيوية وأبعادها وقوانينها الفيزيائية ونرفض ما سوى ذلك معتقدين بأننا ننسب الحقائق للخيالات ونعتقد بأن الواقع الدنيوي هو الأصل والمرجع بينما الحقيقة بأنه طارئ زائل.
    إن بداخل الانسان صورة من صور الكفر والانكارمتفاوتة الخطورة ، أقلها رفض وانكار عذاب القبر وتمتد لتصل إلى انكار الذات الالهية عند من الملحدين واضرابهم وكل ذلك يعود لشهوة الفؤاد لرؤية الشيء ولمسه وعدم استيعاب أن ذلك الشيء هو الحقيقة الثابتة الباقية وأنت الخيال الطارئ الفاني.
    خذ على سبيل المثال النفس البشرية ، التي نستدل على طبيعتها اللطيفة ((التي لا جسم لها)) بمفهومنا الدنيوي المادي ولكنا لا يمكن أن ننكر وجودها ونستطيع تحديد خواصها بناء على النص القرآني والواقع اليومي ولكن الكافر لا يقبل هذا الحديث لذلك تجده ينسب وظائف العقل المختلفة للدماغ اي للجزء المادي بأقسامه المختلفة لأنه لا يستطيع استيعاب مسألة أن كائنا لطيفاً يستحوذ على هذا البدن ويدخل فيه ويخرج منه في أحوال متعددة وأن الروح طاقة تبث في جسده الحياة ، فهم يبحثون عن ما يمكن لمسه ومشاهدته.
    لذلك فسوف تجد بوضوح أن كل افرع الطب وعلومه تفوقت بصورة كبيرة في معالجة ما يطرأ على البدن الحي من امراض واستطاعت فهم تركيبه وآلياته ولكنها عجزت عن فهم جوانب العقل والادراك والتحكم بها ، واقتصر تقدمها على الجهاز العصبي المادي الذي تسري فيه هذه الطائة الكهربائية التي يجهلون مصدر تولدها حتى هذا اليوم.
    وسيستمر التخبط والانحراف يمنة ويسرة طالما بقي الإنسان متشبثاً بالمادة والمحسوسات بخواصها الفيزيائية فسيبقى مستوى إدراكه محدود ودرجة قبوله للنص الشرعي خاضع لفؤاده وليس لعقله لأن الملموس عنده اقدس من النص كما كان بنو اسرائيل حين قالوا (أرنا الله جهرة) ، فلم يكن ذلك إلا لإعلاء قيمة الفؤاد المتصل بالحواس الدنيوية واقصاء قيمة العقل ، وكذلك الحال بإبراهيم عليه السلام حين قال (ارني كيف تحيي الموتى) ذلك أن فؤاده يطلب الرؤية ليطمئن ، وموسى عليه السلام قال لربه (أرني أنظر إليك) لأن الرؤية مناط التصديق ، وكذلك يوسف الذي (همَّ) بها لولا أن رأى برهان ربه في رؤيا ردعته عن الخضوع لكيد امرأة العزيز، وعيسى عليه السلام حين طلب مائدة من السماء لعلمه بكفر قومه مالم تنطفئ أفئدتهم المشتعلة بمعجزة ، وهكذا كل نبي من الأنبياء خضع لفؤاده لدرجة من الدرجات تختلف من نبي لآخر إلا محمد صلى الله عليه وسلم فأراه الله من آياته الكبرى مالم يري سواه من الانبياء

  5. جزاك الله خير وزادك من فضله وعلمه ورفع من قدرك في الدنيا والاخرة ..

    ماذهبت اليه في قولك ان من رأه الرسول ﷺ في رحلة الاسراء والمعارج هو الله .. فلم يروى عن الرسول انه رأى ربه “رأي العين” .. في حين ثبت عنه ﷺ وصف الجنة واحوال اهل النار ومناظر رأها في رحلة الاسراء والمعراج .. فلو رأى ربه (رأي العين) لورد وصفه في احاديثه ﷺ

    * فقد ثبت عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ … ) رواه البخاري( التوحيد/6832)

    عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ رواه مسلم (الإيمان/258) ،

    قال ابن القيم : وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية له إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج ، وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك ، وشيخنا يقول ليس ذلك بخلاف في الحقيقة ، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين حيث قال إنه رآه عز وجل ولم يقل بعيني رأسه

    *****

    * * معنى “الاستواء” :
    هو “الاستقرار” و “العلو”
    اسْتَوَى ، أستقر فوق

    ومعنى “الاستقرار” :
    “الثبات” وهو الاستمرار (مازال) على حال معينه بدون تقييد بحال (العلو) على خلاف كلمة(استوى) التي تجمع في معناها الاستقرار والعلو .. ومثال استخدام كلمة (استقرار) كأن نقول استقر فلان على حال كذا، وفلان لايستقر على حال (اي لايثبت على حال)

    قال الله تعالى { قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا}

    فهل نفهم من الاية {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} ان الجبل كان غير مستقر؟ ام ان المعنى هو ان (ثبت) واستمر الجبل في مكانه الذي كان ..

    ** “الاستواء” اذا هو معنى جامع للاستقرار و (العلو) اي ثبات “العلو” ، وليس هو التحول من حال قديمة الى حال جديدة ( كان فلان تحت ثم اصبح فوق او كان قائم ثم اصبح جالس)

    قال الله تعالى { تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ}

    ادلة هذا المعنى من كتاب الله .. نورد بعضها:

    ١- قول الله تعالى في قصة سفينة نوح { وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}

    {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}

    ٢- قال الله تعالى {لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}

    *** وبعد تبيان معنى (الاستواء) .. نأتي على تدبر معنى (استواء الله على عرشه) :

    اسئله تدبريه

    ١- كل الايات التي اشارت الى (استواء الله على عرشه) جاءت بعد الاشارة لخلق السموات والارض؟ فما الرابط بين الاستواء والعرش، والسموات والارض (الكون) ؟

    ٢- ماعدا الاية {تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ} .. فكل الايات الاخرى التي تشير الى (استواء الله على عرشه) مسبوقه ب (ثُمَّ ) {اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ}

    *****

    {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}

    والله أعلم وأحكم

    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      حياكم الله اخي ابا عبدالله
      أولا : الرؤية:
      الرؤية بالفؤاد تعني الرؤية الحقة المباشرة بالعين المجردة دون تخيل ولا توهم ، وهذا مثبت في قوله تعالى (ماكذب الفؤاد ما رأى) وكما قال ابن عباس كانت الرؤية مرتين وهنا ادعوك مجددا لفهم مقالي عن العقل والقلب والفؤاد حتى يتبين مقصدي ويثبت لك أن رؤية الفؤاد هي الرؤية المجردة وليس خيالا.
      والله جل وعلا قال في موضع آخر :

      فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) 

      فالرسول الكريم هو محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الامين

      ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
      ولقد رآه بالأفق المبين اي رأى ذي العرش
      وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) 
      اي ليس ذي العرش بضنين على نبيه أن يريه هذا الغيب (وهو ربه جل جلاله) وليس القرآن الكريم كما يقول بعض المفسرين
      اي لا يبخل على نبيه برؤية كهذه لعظم قدره عند ربه وهو ( الرسول الكريم) والقول باحتراق الارض لتجلي الله سبحانه انتقاص من قدرته جل وعلا وايحاء بخروج ملكوته عن طوعه ، والحقيقة أنه يقدر على أن يري عبده ما يشاء حتى ذاته سبحانه.

      وهنا فإن قوله تعالى (إنه لقول رسول كريم) من المثاني المتشابهات فهناك نسخة طبق الأصل منها في سورة الحاقة توضح هوية الرسول الكريم وأنه محمد صلى الله عليه وسلم وليس جبريل :

      فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) 

      ويبين بأن هذا الرسول الكريم لو جاء بقول من عنده لخضع لعقاب الله تعالى.

      أما مسألة الاستواء ، فهذا ما قصدته في الرد السابق من أن إخضاع هذه العناصر لقواعد الرؤية والعلم الدنيوية والمعايير الفيزيائية هو ما انزلقت فيه عقائد الملل المختلفة واليك ابسط مثال وهو الاتجاهات اعني بها فوق وتحت ويمين ويسار وما إلى ذلك ، فكل تلك الأوضاع المادية نسبية ومتعلقة بالكرة الأرضية وما أن نخرج الى الفضاء حتى تلغى فلا يعود هناك اتجاه لا فوق ولا تحت فكيف بنا اذا خرجنا من البعد الكوني المرئي بالكلية ؟؟ كيف نخضع تلك المشاهد لقوانين لا تخصها اصلا ؟؟ ، فعالم الرؤيا مثلا ليس محض خيال بل حقيقة تراها النفس خارج بعد الجسد الدنيوي وهذه الابعاد لا تشبه ما نحن فيه ولا تخضع لقوانينها البتة.

      حقيقة لا اعلم كيف اعبر عما أفهمه ولا ادري هل وصلت فكرتي ام لا ولكن ارجو أن استطيع ان أفرد لذلك بحثا مفصلا يمكنني من فرد استدلالاتي ومفاهيمي التي تقع ضمنها بصورة أشد وضوحا.
      ودمت لأخيك

      1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

        اقتباس:
        ((الاتجاهات اعني بها فوق وتحت ويمين ويسار وما إلى ذلك ، فكل تلك الأوضاع المادية نسبية ومتعلقة بالكرة الأرضية وما أن نخرج الى الفضاء حتى تلغى فلا يعود هناك اتجاه لا فوق ولا تحت فكيف بنا اذا خرجنا من البعد الكوني المرئي بالكلية ؟؟))

        اتفق معك في ان الاتجاهات مرتبطة بالمكان والزمان فكلما ابتعدنا عنهما في “الافق” نفقد البوصلة شيء فشيء .. والله تعالى “فوق” المكان والزمان فلايحده مكان ولايجري عليه زمان .. فهو سبحانه “فوق” (الجهات) لانه هو الخالق، والمكان والزمان من خلقه ولاجل خلقه خلقها..

        مثال لتقريب المعنى للافهام فقط..ومضرب المثال هو: “السماء” لانها ترمز للعلو:

        ثبت عقلا وعلما ان الارض كروية (بيضوية) الشكل.
        وان السماء “محيطه” بالارض احاطه “فوقية” فلا تداخل ولاتخالط بينهما بمعنى ان الارض ليست في ذات السماء ولا السماء في ذات الارض …..

        * لنفترض الان ان هناك شخصان احدهما واسمه (س) يقف في مركز القطب الشمالي، والاخر (ص) يقف في مركز القطب الجنوبي .. فاشار كل واحد منهما الى السماء ….
        * النتيجة: ان (اشارة) كل من (س) و (ص) ستكون (متعاكسة) باعتبار اختلاف الجهة بينهما (شمال وجنوب) .. ولكن “صحيحة” في كون كلا الاشارتين تشير لعلو السماء فوقهم .. فالسماء فوق (س) هي نفسها فوق (ص) ..

        * والسؤال هنا: هل يصح عقلا ، اذا سؤل شخص ان يصف مكان السماء بالنسبة للارض؟! ، فيجاوب بان السماء فوق تحت يمين شمال الارض .. ام يجاوب بان لافوق ولاتحت ولايمين ولا شمال !! .. ام يكفيه الجواب العقلي الصريح ان (السماء فوق الارض مطلقا) فاينما اتجه في الارض فالسماء فوقها محيطه بها..

        ** ارجوا ان المعنى قد ادركته الافهام .. اثبات الفوقية والعلو لله سبحانه وتعالى .. هو نفي للجهة وليس اثبات للجهة كما توهم البعض.

        وان الله سبحانه “فوق” خلقه “بذاته” محيط بهم احاطة فوقية .. فوقية تليق بالوهيته وربوبيته .. فالعلو صفة ذاتية مطلقة لله، فهو سبحانه بائن من خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته..

        ** استواء الله على العرش

        قال الله تعالى: { تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ (6)} طه

        {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}

        * في هذه الايات جاء تأكيد الله لعلوه و فوقيته على “العرش”.
        بعد الاشارة الى خلق السموات والارض .. وذلك تنزيه له سبحانه من ان يتوهم متوهم (مشبه) ان الله يدبر الامر من داخل هذا (العرش) الذي هو محل مخلوقاته وسقفها ..
        * نقصد بالعلو على العرش بمعنى (رفيع الدرجات) وليس بمعنى (مكان يحل فيه) كالقول بان العرش سرير!!

        * وقفه تدبرية .. ماهو معنى كلمة “العرش”، وماهو عرش الرحمن :

        ورد في تفسير الطبري: ( وما كانوا يعرشون ) ، يقول : وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور . انتهى
        اذا العرش: هو البناء يرمز لعظمة الملك ..

        {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)} سورة النمل

        وفي نفس سياق الايات “اعلاه” قال الله تعالى {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ (26)} سورة النمل

        معلوم ان الملك من ملوك البشر يكون له عرش يرمز لعظمة ملكه .. في داخل هذا العرش يضع هذا الملك كرسيه ويدبر امر مملكته وشئونها..

        والله تعالى {مَالِكَ الْمُلْكِ} له عرش عظيم يليق بجلاله .. خلق الله هذا العرش ثم خلق فيه خلقه، واستوى فوقه لافيه، يدبر الامر وهو فوقه بائن منه ..
        وقولنا استوى فوق العرش اي هو مستقر في علوه الازلي بعد خلق العرش .. فلم يخلق العرش ليكون داخله سبحانه .

        والكرسي داخل العرش .. والكرسي: هو سنن وقوانين الله التي قضاها وقدرها داخل العرش (الكون) .. وهذه السنن والقوانين هي كلمات الله التامة التي لايجاوزها بر ولافاجر ..

        قال تعالى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} ..

        وهذا العرش (الكون) لايقدر قدره ولايعلم مداه الا الله .. فليس هو بسرير (تعالى الله عن ذلك علو كبيرا)

        والله أعلم وأحكم

        1. احسنت احسن الله اليك
          اليوم نجد أن الناس يعبرون عن الملك بولاية العرش ، ولكنهم يدركون أن قيام الملك عن عرشه لا يعني انتفاء الملك عنه ، وليس الملك منحصرا في العرش بل يرمز لكل مملكته.
          أما الله فله تعالى المثل الأعلى فإن عرشه كل ملكوته لذلك وسع السموات والأرض ، وعندما كان الملكوت في حال الخلق وقبل الاكتمال (الحالة الدخانية) لم ينتف الملك عن الرحمن جل جلاله ولكن عندما اكتمل خلق الملكوت سمي ذلك استواء .

          وهنا نقول بضرورة إدراك حقيقة أن جل المصائب العقدية والانحرافات الطائفية اشتعلت عندما انفلت العنان للفؤاد ليحكم في مفاهيم القدسية فحكم بالمحسوسات والملموسات وأقصى العقل وغيبه وأعلى الفؤاد وقدمه فشرع في تصورات مادية لله وعرشه ومكانه وكرسيه وكيفية الاستواء.
          وهكذا نجد أن العقل البشري يتطور ليدرك أخطاءه ويتراجع عن أفكار فؤاده المادي ليحكم عقله الذي أمره الله أن يستعمله في معرفة الحق سبحانه وتعالى.

  6. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الفاضل عدنان ..

    ** :هل رأى الرسول ﷺ ربه ام لا؟

    قال الله تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)}

    ثم قال تعالى بعدها {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (22)} ففي هذه الاية دليل ان المقصود بالوصف في الايات السابقة (18 ,20, 21) هو (جبريل) عليه السلام….

    فقد قال الله تعالى {وَمَا صَاحِبُكُم} ولم يقل (وماهو بمجنون) مما دل على ان هذا موصوف ثاني (نبينا محمد ﷺ) غير الموصوف الاول (جبريل) عليه السلام.. ثم بعد وصف جبريل عليه السلام ونبينا محمد.ﷺ، قال تعالى:

    { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} تأكيد ان نبينا محمد ﷺ قد رأى (جبريل) عليه السلام في (الافق المبين) حين جاءه بداية الوحي وقال (اقراء)….

    وقوله تعالى {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)} الوصف عائد على نبينا محمد ﷺ الذي لم يبخل بشيء من الغيب (القران) فقام بتبليغه وتبيانه على اكمل وجه للعالمين…

    {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (25)} الوصف عائد على (القران) الوحي الذي نزل به جبريل على نبينا محمد ﷺ ..
    ويستمر وصف (القران) {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28)}

    ** فكانت هذه اول رؤية رأى فيها نبينا محمد ﷺ (جبريل) على خلقته والثانية كانت (عند سدرة المنتهى) حين الاسراء..
    قال تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15)} سورة النجم

    * وقفات للتدبر:

    قوله تعالى {مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} :
    (مطاع) يحمل معنيين .. ١- مطاع من ملائكة السماء فلا يمتنعون عن طاعته بأمر الله .. فهو رئيسهم وسيدهم .. ٢- طوع الله له الاسباب .. (ثم أمين) اي وهو امين في استخدام هذا “التطويع” ….

    واما القول بتفسير (مطاع) بمعنى طاعة (الله) لرسوله .. لايتفق عقديا، لان (الطاعة) وصف يوصف به الخلوق ولايجوز وصف الخالق بها .. ولايتوافق مع كلمة (امين) بالسياق .. فلو كان معنى (مطاع) هو طاعة الله لرسوله لما امكننا التوفيق بين هذا المعنى والوصف بالأمانة بالسياق ..

    ٢- {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (25)} .. رد على افتراء الكفار بقولهم عن (جبريل) -عليه السلام- انه شيطان

    روى البخاري (4950) ، ومسلم (1797) عن جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ – أَوْ ثَلاَثًا – ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ – أَوْ ثَلاَثَةٍ – فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}

    ولعل هنا آية حاسمة في الجواب على سؤال: هل رأى الرسول ربه ام لا؟

    قال الله تعالى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18)) سورة النجم

    ** فهذه الاية ازعم انها دليل قاطع بان الرسولﷺ لم يرى (ربه) انما رأى (آيات ربه) .. و(جبريل) كان آية من آيات الله التي رأها نبينا محمد ﷺ

    والله أعلم وأحكم

  7. اقتباس:
    ((وهنا نقول بضرورة إدراك حقيقة أن جل المصائب العقدية والانحرافات الطائفية اشتعلت عندما انفلت العنان للفؤاد ليحكم في مفاهيم القدسية فحكم بالمحسوسات والملموسات وأقصى العقل وغيبه وأعلى الفؤاد وقدمه فشرع في تصورات مادية لله وعرشه ومكانه وكرسيه وكيفية الاستواء.
    وهكذا نجد أن العقل البشري يتطور ليدرك أخطاءه ويتراجع عن أفكار فؤاده المادي ليحكم عقله الذي أمره الله أن يستعمله في معرفة الحق سبحانه وتعالى.))

    احسنت احسن الله اليك وامدك بالتوفيق والسداد ..

    فالعقل “ميزان” ومطلب ضروري توزن به الامور والاشياء ويميز به بين الحق و الباطل ويعرف به الاصلح والخير من الشر، ويفرق به بين الصح والخطاء .. فان الغي العقل وتم تحييده اختل الميزان والايمان ..

    قال الله تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}

    فالعقل (ميزان) مؤيد للكتاب وليس ضده .. ولذا نجد في القران ايات تحث على اعمال العقل والفكر في الايات الشرعية والكونية الدالة على وجود الله الرب المعبود بحق وانه هو الخالق الواحد الاحد المتفرد لا شريك له.

    ويستحيل ان يتعارض “العقل السليم” مع “الدين الصحيح” ، فان وجد التعارض فاما ان يكون العقل غير سليم في ذاته او لمرض في قلب صاحبه، او يكون الدين او المذهب او التفسير او الحكم الشرعي غير صحيح ..

    والعقل السليم (ميزان) عادل لاطغيان ولاخسران فيه …

    قال الله تعالى { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)}

    والله أعلم وأحكم

    1. ولما كان البصر والسمع منافذ الفؤاد فقد نفا سبحانه وتعالى الإدراك بالابصار فقال:

      { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَوَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام:103]

      فكل الخيالات والجدليات التي تستند إلى المبصرات من المحسوسات والجسم والمكان والجهة والزمان إنما هي إخضاع المسألة لمنطق الأفئدة المحكوم عليها مسبقا بفوات الادراك.

  8. السلام عليكم
    استفسار
    قلتم الاتجاهات خاصة بالأرض( الزمان والمكان ) .
    فما هو الأفق ؟ هل هو يعنى اعلى ( فوق ) ام ماذا ؟
    ………….
    ثم ما ترتيب نزول سورة التكوير
    هل نزلت قبل الاسراء والمعراج ام بعده
    فلو كانت قبل الاسراء فيكون المراد بالرؤية جبريل عليه السلام
    ……..
    لكم التحية

  9. تفسير موفق للآية الكريمة او بالاحرى تاويل مقنع ومنطقي لها. بارك الله فيكم / ولكم / وحلت البركة عليكم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مشاركة

مقالات اخرى

ذو القرنين الذي أتاه الله من كل شيء سبباً (1)

كتبه : زائر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء ذكر ذي القرنين في سورة الكهف كجواب على أسئلة اليهود الثلاث التي أمروا كفار قريش أن يسٱلوها النبي كتحدي له وتعجيز فسألوه عن : الروح وعن فتية ذهبوا في الدهر الاول

المزيد »

دَعْوى مَشْرُوْعِيّة مُتْعَةُ النِّسَاء

  في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 24 [النساء] القائلون بوقوع

المزيد »