إبْطَال دَعَاوَى نَسْخِ الكِتَابِ الحَكِيْم

بسم الله الرحمن الرحيم

توطئة

الحمد لله منزل الكتاب العظيم المحكم الذي جعله ناسخاً لما سبقه من الشرائع ، والمعجزة التي أنست ما سبقها من المعجزات وأصلي وأسلم على أشرف من وطئ الثرى وأرسل بشيراً ونذيراً للورى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن من البلايا التي حلت بهذه الأمة عبر تاريخها المديد هو ظهور نابتة نسخ القرآن الكريم وإبطال آياته ، والنسخ بمعنى الإبطال موجود وجرى ذكره وإثباته في كتاب الله تعالى بمعنى الإزالة والإبطال ولكن هذا المفهوم انحرف عن مقصده مراده في النص القرآني الذي يشير لنسخ القرآن الكريم للشرائع السابقة حتى عاد للقرآن الكريم وفشت دعوى وفرية باطلة بأن القرآن في ذاته وقع فيه نسخ.

ومن خلال هذه الدراسة سنتتبع مفاهيم النسخ ودلالاته وتعريفاته الحقيقية وما يترتب عليه ، ثم ننطلق لمواضع النسخ المزعومة بأنواعها المختلفة فنستجلي تلك الآيات لنثبت أن القول بنسخها توهم وانحراف فكري ليس له سند من حديث نبوي صحيح أو آية قاطعة الدلالة.

وقد وجدنا أثناء هذه الدراسة إقراراً عجيباً بظنية القول بالنسخ في كثير من مواضعه ، ويصدق هذا القول اختلاف العلماء على مر العصور الإسلامية من ناسخين ومبطلين لمئات الآيات القرآنية مروراً بمن يقلصها إلى عشرات وأخير ظهر متأخرين يقلصون القول بالنسخ وأنه لم يطل سوى بضع آيات وكلهم على باطل.

ونبدأ بعون الله وتوفيقه في بدء هذه الدراسة حتى نصل لاستجلاء مواضع النسخ المزعومة في القرآن الكريم ونوضح بإذنه تعالى أوجه الالتباس التي أدت لهذا المفهوم ، حتى نصل لتصحيح مفهوم النسخ ونفي هذا القول عن كتاب الله تعالى وتنزيهه عن الخلل والإبطال بالدليل الشرعي ، فنسأل الله الهدى والرشاد وهو الموفق للحق إنه هو الهادي إلى سواء السبيل.

القسم الأول : النسخ (حقيقته ، تناقضاته ، وما قيل فيه)

أولاً : منشأ القول بالنسخ:

إن منشأ سوء الفهم لمسألة النسخ وما أحاط بها من خلاف يعود لخلل في فهم قوله تعالى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة:106] الآية التي لم يرد حديث نبوي واحد يقول أنها تؤول بنسخ الأحكام والنصوص والقرآنية ، والتي ما كانت إلا في سياق الحديث عن نسخ كتب السابقين وإحلال القرىن محلها،أما ما نجده في كتب المفسرين هي أقوال غير معصومة لا تردّ رأيها إلى قول معصوم ولا يمكن الاعتماد عليها في أمر جلل كهذا ، فالنسخ بصورته التي يعتقدها مثبتي النسخ أمر عظيم يحذف ويثبت ويزيد وينقص في كتاب الله فإن لم يكن ذلك بقول المعصوم الذي نزل عليه الوحي فلن يقبل البتة.

ثم إن القول بالنسخ ليس من الأمور الجانبية التي لا تهم المسلم ، بل هو أمر عظيم للغاية فكيف تمر ثلاثٌ وعشرون سنة من حياة أفضل الخلق وهو يتقلب بين آيات القرآن الكريم و سُوَرِهِ ولم يذكر فيها نسخ الآيات ونسخ الأحكام وتغيير كلام الله بغيره وهو الذي أوصى بالجار حتى ظن الصحابة أنه سيورثه فأيُّ الأمرين أهم ؟؟ وأيهما أجدر بالتبيان والاستفاضة في التوضيح ، وكيف يترك أمر يشتمل على إبطال أحكام وابطال نصوص وآيات كاملة بل وقيل سور بطولها من القرآن لا يلفت النبي صلى الله عليه وسلم لها نظر ولا يبين فيها بيان يشفي ، وهو المعني بالوحي وهو المبلغ المعصوم الذي لا يقبل قول قائل سواه ؟ ، وهو الذي بلغ وأدى الأمانة ولم يبق شيء إلا دل الأمة عليه حتى الخلاء ، ثم يبقي أمراً كهذا لفهم الناس وقياسهم حتى اضطربت فيه الآراء واختلت أيما خلل.

قد نتفق جميعاً أن أصل النزاع هو في فهم مفردة آية في قوله تعالى :

مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:106]

وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [النحل:101]

فأقول (وكل منكري النسخ كذلك) أن مفهوم الآية هنا لا يراد به آيات القرآن الكريم ولا يوجد أصلا قرينة تقود لهذا الفهم بل يراد منه علامات ودلائل و شرائع الأمم السابقة التي نسخها القرآن كمعجزة نهائية باقية جعلها الله بديلة لما سبقها، لأن القول خلاف ذلك يحتاج لدليل يفرق بين الدلالتين من قول نبوي صريح متواتر وليس رأي متغاير متنافر يتشظى إلى ثلاثة عشر قولاً ، وننتظر أن يأتي من يتوسع ليبطل جلّ أحكام الله باسم النسخ ، وهذا حال كل قول باطل تجد الخلاف يدبُّ فيه و يأكله كما تأكل النار الحطب ، فأتحدى أن تجد مبطلاً من مبطلي أحكام الله باسم النسخ يقرر بأن فلاناً من ناسخي أحكام الله هو الصواب والبقية على خطأ ، فالمهم أن تؤمن بالنسخ وبعدها قل ما تشاء حتى لو تنسخ بقولك ثلاثة أرباع القرآن لا يهمهم ولست مبتدع ولا مجرم في حق كتاب الله ولكن إن نزهت كتاب الله عن الباطل أن يأتيه من بين يديه ومن خلفه فأنت عندهم قد أتيت بذلك جرماً عظيماً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وسيأتي معنا تفصيل لسياق هذه الآية وصورة جلية توضح بأن هذا القول باطل ولا يدل عليه السياق أبداً.

لقد وردت مفردة (آية) في 382 موضعاً في القرآن الكريم كانت دلالات معظمها تلا تشير إلى آيات القرآن الكريم ، فهي تشير لمعجزات الأنبياء وتشير للآيات الكونية كالليل والنهار ، وتشير للعلامات والدلالات فعندما نصرِفُها عن معانيها الجامدة لمعنىً يترتب عليه إبطالٌ لأحكام ٍشرعية يجب أن يكون هذا بدليل ، وقول غير المعصوم ليس بدليل ولا يعتدّ به عندما يكون الأمر فيه إبطال لقول الله تعالى ، سيما وأن سياق الآيات كلها يشير إلى مفهومٍ لا يتعلق بالقرآن فها هي سورة البقرة ودلالات كلمة آية فيها لا تشير إلا لمعنى العلامة والمعجزة وللكتب السابقة :

آية رقم (106): (مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ)

وهنا أتت في سياق تفضيل المسلمين بمعجزة ناسخة لما عند بني إسرائيل واهل الكتاب ، وأتت هذه الآية تالية لقوله تعالى ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ). وسيرد فيما يلي تفصيل واسع لمفهوم السياق ودلالاته بما يشفي في هذا الباب.

فأهل الكتاب لا يقبلون القرآن الذي نسخ قبلة بني إسرائيل وشرائعهم فاعترضوا على احتلال القرآن لموقع التشريع الأول والمعجزة الواقعة الحيَّة ، فبيّن لهم جلت قدرته أنه المتصرف فيما ينزّل على الناس من آيات وأحكام وشرائع ربانية ومعجزات مؤيدة لأنبياءه ، فينسخ ما يشاء منها بما يشاء منها وكذلك نسخ توراتكم يابني إسرائيل بالقرآن وليس المقصود نسخ القرآن فلم يكن هنا موضع الحديث عمّا في القرآن بل المقارنة بين آيات الأمم وليس آيات الكتاب الحكيم نفسه، فمن ضلَّ وتأوّل تأويلاً فاسداً نسب به الحذف والابطال للقرآن الكريم فلا يلزمنا اتباعه وعليه إثمه وعلينا آثامنا ، ونراه منكرٌ واجب التغيير وإلا فسيسالنا الله عنه ولن يؤخذ احدٌ بجريرة أحد.

آية رقم (118): (وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ ءَايَةٌ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَٰبَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)

فالحديث هنا عن الآياتِ الإعجازية والعلامات الربانية الكبرى التي اتى بها الأنبياء فأتت في نفس السياق المتعلق باليهود والنصارى ونسخ قبلة اليهود (بيت المقدس) واستبدالها بقبلة المسلمين (البيت الحرام).

آية رقم (145): (وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّا تَبِعُوا۟ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم مِّنۢ بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ)

(بكل آية) يعني : بكل علامة دالة على صدق دعوتك ، وأتت هذه الآية القرآنية تالية لآية تحويل القبلة وهي تنطبق أيضاً على القائلين بالنسخ فلو أتيناهم بكل آية تدل على فساد رأيهم وجرم قولهم ما تبعوا الحق ولن نتبع اهوائهم سنثبت كلام الله الذي أثبته ولن ننقض أحكامه بقول قائل ابداً ونتضرع لله بأن يهدينا وإياهم سواء السبيل.

اية رقم (211): (سَلْ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ كَمْ ءَاتَيْنَٰهُم مِّنْ ءَايَةٍۭ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ)

من آية بينة ، كم من علامة ومعجزة نزلت عليهم كالعصا وانفلاق البحر ونجاتهم من فرعون ، والمنّ والسلوى وغيرها من المعجزات ، فلم تدل هذه الآية أو تشير للقرآن وآياته.

آية رقم (248): (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِۦٓ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)

آية ملكه : العلامة الدالة على اصطفاء الله له ملكاً عليكم فمن أين لهم مع كل هذه السياقات الواضحة الجلية أن يصرفوا المعنى للقرآن الكريم ؟؟.

آية رقم (259): (أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْىِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِا۟ئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُۥ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِا۟ئَةَ عَامٍ فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَٱنظُرْ إِلَى ٱلْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ)

لنجعلك آية للناس : علامة دالة على قدرة الله تعالى ومطلق تصرفه في خلقه.

فأثبت يا من يبطل أحكام كتاب الله باسم النسخ ، أثبت أن دلالة الآيتين تشير لمعنى آيات القرآن وليس إلى سواها ، من قول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم بحديث صحيح ثابت متواتر وليس بقول أحد من السلف ولا الخلف ولا قول منسوب لابن عباس رضي الله عنهم جميعاً بل قول صاحب الأمر صلى الله عليه وسلم .

تبديل أماكن الآيات :

قال تعالى :

وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [النحل:101]

ولعلنا قبل أن نبدأ في تحليل وفهم الآية الكريم نستعرضها ضمن سياقها كما حصل مع سابقتها :

فَإِذا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ ﴿٩٨﴾ إِنَّهُ لَيسَ لَهُ سُلطانٌ عَلَى الَّذينَ آمَنوا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ ﴿٩٩﴾ إِنَّما سُلطانُهُ عَلَى الَّذينَ يَتَوَلَّونَهُ وَالَّذينَ هُم بِهِ مُشرِكونَ ﴿١٠٠﴾ وَإِذا بَدَّلنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّـهُ أَعلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالوا إِنَّما أَنتَ مُفتَرٍ بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمونَ ﴿١٠١﴾ قُل نَزَّلَهُ روحُ القُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذينَ آمَنوا وَهُدًى وَبُشرى لِلمُسلِمينَ ﴿١٠٢﴾ وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّهُم يَقولونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذي يُلحِدونَ إِلَيهِ أَعجَمِيٌّ وَهـذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبينٌ ﴿١٠٣﴾ إِنَّ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِآياتِ اللَّـهِ لا يَهديهِمُ اللَّـهُ وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴿١٠٤﴾

ثاني آيات النسخ المزعوم الذي يحتج بها مبطلو أحكام القرآن هي الآية الآنفة الذكر ، ذلك أن النسخ طالما استقر في أذهانهم فإنهم يبحثون دوما عما يمكن أن يؤيد نظريتهم ويعضد رأيهم بأي صورة كانت ، برغم أن السورة وهذه الآية مكية ، نزلت قبل نزول الأحكام ، وبالتالي فإن الاستشهاد بها لإثبات نسخ الأحكام من حيث المبدأ لا يقبل.

وتبديل مكان الآية هنا يعني تغيير موضعها وليس له علاقة بالحكم أو المحتوى ، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تنزل عليه الآيات فيضعها في موضع ، ثم تبقى ماشاء الله لها أن تبقى ، فتنزل بعدها آيات فيأمر الصحابة المكلفين بالوحي بأن يكتبوها في موضع معين بين الآيات فتاخذ تلك الآيات مكان آيات اخرى في المصحف ، فكانت هذه المسالة عند الكفار والمنافقين مثار اشتباه ، ومطعن في ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الوحي ، فاتهموه بالافتراء لما يرونه من نزول منجم يتبعه ترتيب مخصوص تحتل فيه آيات محل أخرى فاتهموه بافتراء ما نزل عليه فقالوا :  [ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ] – الفرقان 32.

ومفردة “مكان” تدل في كل آية وردت فيها على “الموضع” ولم تشر لغير ذلك المعنى ، فكان قوله تعالى (بدلنا آية مكان آية) يعني : غيرنا آية مكان آية أخرى ، فبدلنا موضع الآيتين في المصحف فأصبحت هذه في موضع تلك  مع بقاء الآيتين ، فعندما يتغير الترتيب بفعل إدخال آية حديثة على سياق سابق يتغير موضع ومكان الآية التي تسبقها والآية التي تليها فيكون بذلك تبديلٌ لمكانِ آية ، فكانت دلالة الآية في حقيقتها لا تشير إلى الحكم وفحوى الآية بل تتعلق بموضعها ومكانها.

و الآية الآنفة الذكر لها في الحقيقة وجهين :

الوجه الأول : وهو الأقرب للصواب ، بأن المراد هو تبديل مواضع الآيات التي تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم فتكون بترتيب و تسلسل معين فتنزل بعدها آيات تحتل مكانها فيبدل النبي – بأمر الله – مكان تلك الآيات ، و تأويل قوله تعالى “آية مكان آية” بمعنى الحكم ماهو إلا ليواطيء قولهم بالنسخ وإلا فالمعنى الأقرب هو المعنى الأولى والأجدر بالأخذ.

وبالنظر للسياق فإن هذا الفهم هو الأوجه ، فالسياق يتحدث عن القرآن الكريم وردّاً لشبهة يلقيها أعداء الإسلام من جراء تنجيم القرآن وتنزيل آيات تخالف الترتيب الذي كانت عليه الآيات السابقة ولم يشتمل مفهوم الآية على إبطال أحكام أو إحلال أحكام محل أحكام أخرى فالتقييد منتفٍ في هذا الموضع.

إن هذه الآية لم تقصر التبديل على آيات الأحكام ، ونعلم أن آيات الأحكام في كتاب الله محدودة لا تشمل كل القرآن الكريم ، فالقول بالنسخ تقييد لمعنى آية ليست مقيدة ، فالتبديل يشمل كل آيات التنزيل الحكيم بينما النسخ لا يشمل إلا إبطال آيات الأحكام وبالتالي فإن هذا الخلل يعضد مفهوم الإطﻻق على كافة الآيات ، والمعنى الظاهر هنا وهو تبديل مواضع الآيات كلما استجد الوحي وتتابع.

الوجه الثاني : هو تبديل الشرائع التي أتى بها الأنبياء ، فكانت التوراة شريعة ممكنة في الأرض حتى أتى الله بالقرآن واستبدل مكان التوراة بالقرآن فصار الشريعة الممكنة بدلا عن التوراة مع وجود التوراة إلا ان أحكامها معطلة ، ويشكل على هذا الفهم برغم وجاهته أن الآية في سورة مكية ، والخطاب لكفار قريش فلم يؤمنوا بالتوراة أصلاً حتى يحتجون بتبديلها واستبدال القرآن مكانها إلا إن كان ذلك على سبيل اﻻحتجاج المطلق على  كفار قريش وعلى غيرهم أو كان المشار إليهم هم اليهود وليسوا كفار قريش فيكون عندها هذا الوجه منطبقاً على الآية.

ثانياً : ترقيق التعريف لفظياً

أدرك القائلون بالنسخ شناعة القول وخطورته وكأنهم لم يجدوا بُدّاً منه ، فكان تعريفه يستلزم ترقيق التعبير واستعمال مفردات لا تثير المسلمين وطلبة العلم وتجعلهم في موضع يتقبلون فيه النسخ فكان تعريف النسخ المرقق لفظياً فقالوا :

النسخ هو : رفع حكم شرعي بخطاب شرعي متراخ عنه.

والنسخ أيضاً هو : رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر.

فالحكم المرفوع يسمى: المنسوخ، والدليل الرافع يسمى: الناسخ، ويسمى الرفع: النسخ.

ونلحظ في هذا التعريف بوضوح تلميع اللفظ وترقيقه ليصبح مقبولاً، فسمي الإبطال (رفعاً) فيتبادرُ لذهنك أن المنسوخ ينطبق عليه مفهوم العلو والارتفاع ولو أسموه باسمه الحقيقي (إبطالٌ وتعطيل) لكان أصدق وأجدر ، ثم غير التعريف (الحكم القرآني) واستبدل بـ (الحكم الشرعي) ثم يسمي (الحكم المعطل المبطل) أسماه (دليلاً شرعياً) فيتراءى للقارئ أن الناسخ والمنسوخ من جنس بعضهما البعض فلا يقع في نفسه من النسخ شيئاً.

ولكن ماذا إذا سمينا الأشياء بأسمائها ، وآتينا المصطلحات حقها ووضعنا كل مفردة في موضعها لكي يكون التعريف حقيقياً مطابقاً لواقع النسخ وحقيقته فماذا عسانا نجد ؟؟  ، فيما يلي التعريف الحقيقي للنسخ كما وجدناه وبما يتفق مع حقيقته وأثره في الشريعة وفي القرآن وما يترتب عليه من اثر في حياة المجتمع والفرد المسلم :

التعريف الحقيقي للنسخ في القرآن الكريم : هو إبطال وتعطيل حكم قرآني بحكم آخر إما بآية أو بحديث أو بقول مجتهد استنباطاً أو رأياً أو تأويلاً.

ثالثاً: علم السياق ودلالته في هذا الموضع:

إن السياق من أجلّ وأهم ما يُنظَرُ فيه لفهم كتاب الله ، وفهم قوله تعالى (ما ننسخ من آية) عندما فُسِّرَ بأنه إبطالُ آيات القرآن الكريم لم يكن ذلك مبنٍ على قول غير معصوم فقط بل تجاوز ذلك لتجاهل السياق الذي هو تفسير الله جل وعلا لكلامه إن عز فهمه من منطوق صاحب الوحي ، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في فتاويه (ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه، وما يبين معناه من القرائن والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع، في باب فهم الكتاب والسنة، والاستدلال بهما مطلقاً، ونافع في معرفة الاستدلال والاعتراض والجواب، وطرد الدليل ونقضه.. وفي سائر أدلة الخلق).

و قال مسلم بن يسار (إذا حدّثت عن الله حديثاً فقف! حتى تنظر ما قبله وما بعده) ، ويقول ابن عبدالسلام في بيان أدلة الأحكام (السياق مرشد إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات، وكل ذلك بعرف الاستعمال، فكل صفة وقعت في سياق المدح كانت مدحاً، وكل صفة وقعت في سياق الذم كانت ذماً).

ولعلنا نستعرض سياق آية النسخ ليستقر لدينا ما نزلت لأجلهِ وأيُّ دلالةٍ تحمله وأين تقودنا في أصلها بالنظر لما قبلها وما بعدها :

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) وهنا يشير ربنا لبني إسرائيل وموقفهم وكفرهم بما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم وآياته البينات وقد قال فيها شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله  ” فتأويل الآية: ولقد أنـزلنا إليك، فيما أوحينا إليك من الكتاب علامات واضحات تبين لعلماء بني إسرائيل وأحبارهم – الجاحدين نبوتك، والمكذبين رسالتك – أنك لي رسول إليهم، ونبي مبعوث, وما يجحد تلك الآيات = الدالات على صدقك ونبوتك، التي أنـزلتها إليك في كتابي فيكذب بها منهم = إلا الخارج منهم من دينه, التارك منهم فرائضي عليه في الكتاب الذي يدين بتصديقه. فأما المتمسك منهم بدينه، والمتبع منهم حكم كتابه, فإنه بالذي أنـزلت إليك من آياتي مصدق وهم الذين كانوا آمنوا بالله وصدقوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل. انتهى كلامه 

أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) ويستمر ربنا يعدد استمرائهم للتكذيب ونقضهم العهود وخلو قلوبهم من الإيمان ، يقول ابن جرير في ذلك “وأما ” العهد “، فإنه الميثاق الذي أعطته بنو إسرائيل ربهم ليعملن بما في التوراة مرة بعد أخرى, ثم نقض بعضهم ذلك مرة بعد أخرى. فوبخهم جل ذكره بما كان منهم من ذلك، وعير به أبناءهم إذ سلكوا منهاجهم في بعض ما كان جل ذكره أخذ عليهم بالإيمان به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق، فكفروا وجحدوا ما في التوراة من نعته وصفته, فقال تعالى ذكره: أو كلما عاهد اليهود من بني إسرائيل ربهم عهدا وأوثقوه ميثاقا، نبذه فريق منهم، فتركه ونقضه؟ “ انتهى كلامه

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) فالسياق يتحدث عن بني إسرائيل وما سبق إليهم من الوحي ونبذهم لكلام الله تعالى وشريعته ، يقول ابن جرير في هذا الموضع : وأما تأويل قوله: (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم)، فإنه للذي هو مع اليهود, وهو التوراة. فأخبر الله جل ثناؤه أن اليهود لما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله بتصديق ما في أيديهم من التوراة، أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي لله,(نبذ فريق), يعني بذلك: أنهم جحدوه ورفضوه بعد أن كانوا به مقرين، حسدا منهم له وبغيا عليه. وقوله: (من الذين أوتوا الكتاب). وهم علماء اليهود الذين أعطاهم الله العلم بالتوراة وما فيها. ويعني بقوله: (كتاب الله)، التوراة.انتهى كلامه.

وعليه فإن السياق مطَّرِدٌ في الحديث عما نزل على بني إسرائيل وموقفهم منه ويتصل السياق ببعضه فيقول تعالى :

وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) واستمر السياق الشريف في الحديث عن بني إسرائيل وموقفهم مما أنزل الله إليهم فيقرر الشارع الحكيم بأنهم تركوا شريعة الله وتنزيله الحكيم الذي أمروا باتباعه واستبدلوه بما تتلو الشياطين على ملك سليمان ، يقول ابن جرير في ذلك : ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين ) الفريق من أحبار اليهود وعلمائها الذين وصفهم الله جل ثناؤه بأنهم نبذوا كتابه الذي أنزله على موسى وراء ظهورهم , تجاهلا منهم وكفرا بما هم به عالمون , كأنهم لا يعلمون ، فأخبر عنهم أنهم رفضوا كتابه الذي يعلمون أنه منزل من عنده على نبيه صلى الله عليه وسلم , ونقضوا عهده الذي أخذه عليهم في العمل بما فيه , وآثروا السحر الذي تلته الشياطين في ملك سليمان بن داود فاتبعوه ; وذلك هو الخسار والضلال المبين ) انتهى كلامه.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) وبعد بيان حالهم لو أنهم سلكوا سبيل الإيمان واتباع الشريعة التي نزلت عليهم  ، ينهى تعالى المؤمنين عن التشبه باليهود بقول راعنا ،جاء عند ابن جرير : ” عن قتادة: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) قول كانت تقوله اليهود استهزاء, فزجر الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم. ، عن فضيل بن مرزوق, عن عطية: (لا تقولوا راعنا)، قال: كان أناس من اليهود يقولون أرعنا سمعك! حتى قالها أناس من المسلمين: فكره الله لهم ما قالت اليهود فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا)، كما قالت اليهود والنصارى.انتهى كلامه.

وهذا يتسق مع قولهم هذا في موضعها الآخر في سورة النساء بقوله جل شأنه (منَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ) وهكذا يتصل السياق في الحديث عن موقف اليهود مما نزل على المؤمنين ويفصل الحق جل جلاله خبراً عن موقفهم مما نزل عليهم ، فإن كان هذا فعلهم تجاه شريعة جاءتهم دون سواهم فكيف سيكون موقفهم مما أنزل عليكم أيها المؤمنون ؟.

ويتصل السياق في ذات المسألة…

مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ  : ويقول فيها ابن جرير رحمه الله ( ما يحب الكافرون من أهل الكتاب ولا المشركين بالله من عبدة الأوثان، أن ينـزل عليكم من الخير الذي كان عند الله فنـزله عليكم.  فتمنى المشركون وكفرة أهل الكتاب أن لا ينـزل الله عليهم الفرقان وما أوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم من حكمه وآياته, وإنما أحبت اليهود وأتباعهم من المشركين ذلك، حسدا وبغيا منهم على المؤمنين) ثم يقول (وفي هذه الآية دلالة بينة على أن الله تبارك وتعالى نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين, والاستماع من قولهم، وقبول شيء مما يأتونهم به على وجه النصيحة لهم منهم، بإطلاعه جل ثناؤه إياهم على ما يستبطنه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد، وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستبطنون.) انتهى كلامه.

وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (والله يختص برحمته من يشاء): والله يختص من يشاء بنبوته ورسالته، فيرسله إلى من يشاء من خلقه, فيتفضل بالإيمان على من أحب فيهديه له. و ” اختصاصه ” إياهم بها، إفرادهم بها دون غيرهم من خلقه. وإنما جعل الله رسالته إلى من أرسل إليه من خلقه، وهدايته من هدى من عباده، رحمة منه له ليصيره بها إلى رضاه ومحبته وفوزه بها بالجنة، واستحقاقه بها ثناءه. وكل ذلك رحمة من الله له.

وأما قوله: (والله ذو الفضل العظيم). فإنه خبر من الله جل ثناؤه  أن كل خير ناله عباده في دينهم ودنياهم، فإنه من عنده ابتداء وتفضلا منه تعالى عليهم، من غير استحقاق منهم .

وفي قوله: (والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)، تعريض من الله (تعالى ذكره) بأهل الكتاب: أن الذي آتى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به من الهداية، تفضل منه,  وأن نعمه لا تدرك بالأماني، ولكنها مواهب منه يختص بها من يشاء من خلقه.انتهى كلامه.

فيقرر رحمه الله هنا تعلق الآية بأهل الكتاب وموقفهم مما نزل من رحمة على نبيه (القرآن الكريم) ويبين أن ذلك رحمة خاضعة لمشيئة الله تعالى يرسلها إلى من يشاء من عباده .

والجزء من الآية مرتبط باستغراب أهل الكتاب من اختصاص الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ورفضهم لخروج النبوة منهم ، وظهورها في من يعتبرونهم أقل شأناً وأبعد عن محبة الله واصطفاءه ، فأراد الله أن يخاطبهم بما يرد استغرابهم بأن الله يستبدل من يشاء بمن يشاء ، وهو صاحب الأمر فلا اعتراض على حكمه.

ويستطرد ويتصل السياق …

مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) فإن سأل اليهود عما نزل عليهم فليعلموا أن الله نسخه وأبطله بما نزّل على محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي اختصه وقومه برحمته وفضله ، فما من آية ينزلها الله حتى تبقى ماشاء الله لها أن تبقى حتى ينسخها بما شاء فيبطلها ويعطلها ويحلُّ محلَّها ما يشاء من الآيات والعلامات الواضحات ، والله على ذلك قدير فليس وبينه وبين اليهود أحد من خلقه نسب ، وأنه تعالى لمّا نزّل عليكم التوراة ما رعيتموها حق رعايتها وجرى إلحادكم وتحريفكم لها ، فشاء الله أن يعطلها وينزل مكانها بديلاً من أحسن منها .

وهنا ردٌّ على احتجاج بني إسرائيل على المؤمنين كيف أن المسلمين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ثم لا يتبعون التوراة ولا يجرون أحكامها ، فأراد الله أن يبين لهم أنَّ نزول الآية الباقية والعلامة السامية العظيمة التي اكرم الله بها البشرية ، قد هيمنت وحلَّت على ما سبقها فلا يلزم أتباع القرآن أن يعودوا لاتِّباع ما نسخه الله من الشرائع السابقة، بل إن أتْباع الشرائع السالفة المنسوخة وجب عليهم أن يتحولوا لما أحله الله محل شريعتهم.

وهنا فإن السياق لم يكن يتحدث عن أحكام القرآن وتفصيلاته وأحكامه بل كان يتحدث عن اليهود ما أنزل الله عليهم وكان يحيط بأمورٍ كلية وقواعد أساسية تتعلق بالفرق بين الديانات وما أتى مع كل ديانة من المعجزات والشرائع والكتب ، وأن موضع النسخ متعلق بالتوراة وما نزل على اليهود من الشرائع والآيات ، فلا مكان للاعتقاد  هنا بأن الأمر يعني نسخ شيء من القرآن أبداً.

ويتقرر بهذه الآية إقامة الحجة على اليهود والنصارى ببطلان اتباعهم للتوراة منذ أن نزل القرآن لأنها آية وشريعة منسوخة لا يفيدهم العمل بها وقد نزل القرآن بدلا عنها ، ولا ينفعهم عمل بعد موتهم مع نسخ شريعتهم واستبدال كتبهم بالقرآن الكريم ، وفي هذه الآية رد حاسم على من يدعي أن التوراة والإنجيل واجبة الاتباع أو أنها صالحة قائمة مقبولة عند الله.

فكيف يسوغ لمدَّعٍ أن يدعي بعد هذا السياق البيِّن الواضح الأبلج القول بوقوع التحول في السياق للحديث عن القرآن ؟ ، وهو مسبوق بالحديث عن الكتب السماوية ومتبوع بالحديث عنها أيضاً ؟ ، حتى أن ابن جرير رحمه الله افتتح تفسيره لهذه الآية بقوله (اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : ( مَا نَنْسَخ )) فهل يجوز لنا أن نشذ ونتبع الاختلاف والقول بالرأي في مسألة واضحة يبينها السياق أيما بيان وليس على أي قول خلافها دليل بقول نبوي كريم ؟ ، وهل يجوز أن نختلف اختلافاً يترتب عليه إبطالٌ لأحكام الله في كتابه ؟؟ .

( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فيقدر على ما يشاء ويفعل في ملكه ما يشاء وينسخ من شرائعه ما يشاء ولا معقب لحكمه ولا حسيب عليه وهو الحسيب على كل خلقه ، ولكن في الوقت ذاته لا ينبغي أن يقرر أحد أن الله أبطل شيئاً من أحكامه بدون دليل مباشر بدلالة واضحة بينة وبقول نبوي معتبر لأن سواه لا يملك التقرير عن الله تعالى في المحو والاثبات.

وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) مالكم أيها اليهود من وليٍّ غير الله ، فله الملك وله الحكم وهو الذي أنزل الكتب وهو الذي يرفعها و مالكم من ذلك من شيء سوى التسليم ، فاعتراضكم على القرآن لا مكان له ولا وجه لأن من أنزل توراتكم هو من نسخها بالقرآن وبدَّل الحكم بالحكم والآية بالآية والمعجزة بالمعجزة.

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)

وقد اختلف المفسرون في مناط الخطاب فقيل موجه للمسلمين ، والوجه الأظهر أن قوله (أم) استفهام متعلق بما قبله ، فيكون قوله تعالى (أم) استفهامٌ متصلٌ بما قبله كقوله تعالى (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) موجه لبني إسرائيل فيقول تعالى (أَمْ تُرِيدُونَ) يا بني إسرائيل (أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ)  ، هل تريدون أن تطلبوا ممن أرسل إليكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم مطالب كتلك التي طلبت من موسى ؟، باعتبار رسالته الشاملة للعرب ولكل بني آدم وهذا تقرير لهم وإقامة حجة على أن النبي هو نبيٌّ لهم كما هو نبيٌّ لغيرهم (كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِنْ قَبْلُ) كما سأل أسلافكم نبي الله موسى بأن يريهم الله جهرة وغير ذلك من المعجزات برغم ما رأوا من عظيم قدرة الله وعجائبه؟ ، (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) فاستبدال القرآن وهو الشريعة البديلة للتوراة الناسخة لها ، فمن فضَّل المنسوخ على الناسخ فقد كفر بالله وناقض لوازم الإيمان وضل عن سواء السبيل  ، ولذلك فالبقاء على شريعة وآية منسوخة ، وترك المعجزة الحية ضلال عن الطريق القويم.

ويتحول في الخطاب ليوجههُ للمؤمنين ولكنه لم يتحول عن سياق الحديث وهو موقف أهل الكتاب من الرسالة و التنزيل فيقول تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) أي أن أهل الكتاب يتمنون في أنفسهم أن تعودوا عن دينكم وتكفروا بما آمنتم به وهم قد أيقنوا بسلامة إيمانكم و بهيمنة ما نزل إليكم من خير وما اختصكم به من نبوة وشريعة ناسخة لما قبلها ، حسداً لما افضل الله عليكم من تقدمة لكم عليهم ولشرعكم على شرعهم ولمعجزتكم على معجزاتهم (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) فهم يعلمون حقاً أن شريعتهم نسخت ، وان ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم حق وأن نبوته حق وأن الله نزع منهم شرف النبوة وأبطل ماهم عليه من الأمر واستبدلهم بقوم آخرين فتملكهم الحسد والغيظ على ذلك ، فتمنوا أن ترجعوا عن دينكم وتعودوا كفاراً جهالاً  (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(109)) يقول ابن جرير رحمه الله يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : ( فَاعْفُوا) فَتَجَاوَزُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ إسَاءَة وَخَطَأ فِي رَأْي أَشَارُوا بِهِ عَلَيْكُمْ فِي دِينكُمْ , إرَادَة صَدّكُمْ عَنْهُ , وَمُحَاوَلَة ارْتِدَادكُمْ بَعْد إيمَانكُمْ وَعَمَّا سَلَف مِنْهُمْ مِنْ قَيْلهمْ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اسْمَعْ غَيْر مُسْمَع وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّين)  وَاصْفَحُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ , فَيَحْدُث لَكُمْ مِنْ أَمْره فِيكُمْ مَا يَشَاء , وَيَقْضِي فِيهِمْ مَا يُرِيد .انتهى كلامه.

ثم يردف تعالى بالأمر للمؤمنين بالاتباع والتقوى وإتيان فرائض الله ، فيقول جل شأنه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

ولازال السياق يعود للحديث عن موضوع السياق الرئيسي وهم اليهود والنصارى فيقول تعالى (وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) فالواو في قوله (و) استئناف ، قالوا تعطف ما بعدها على ما قبلها في سبيل تعداد جرائمهم وكفرهم ورفضهم لنزول الخير على سواهم ، فهذه الآية متعلقة من ضمن ما تعلقت به بآية النسخ إذ يبطل نسخ التوراة بالقرآن كلُّ قول باختصاصهم بدخول الجنة دون سواهم ، ويقرر تعالى بأن ما يقولون إنما هي أمانيّ لا سبيل لتحققها وليس لهم عليها برهان فهم في ذلك من الكاذبين.

ويرد الله مقالتهم وحصرهم لرحمة الله فيهم بقوله تعالى (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)) فالعبرة بمن استسلم لإرادة الله وشرعه وتوجه إليه تعالى دون سواه بإحسان ويقين برؤية الله له وشهادته على عمله ، فله أجره سواء كان من بني إسرائيل أو من غيرهم ممن خلق الله وكلفهم بالأوامر والنواهي والشرائع السارية المهيمنة على حياتهم.

ولا يزال محور الحديث سارياً ، فيخبرنا جل وعلا بأنهم وإن رفضوا دينكم ، وإن اعترضوا على قرآنكم وحسدوكم على ما نزل إليكم فهم فيما بينهم متفرقين متباغضين متحاسدين لا يجمعهم قول ولا يؤمن بعضهم ببعض فيقول (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)) ، قال الطبري رحمه الله في هذا الموضع :
قال أبو جعفر: وأما تأويل الآية ، فإن قالت اليهود: ليست النصارى في دينها على صواب! ، وقالت النصارى: ليست اليهود في دينها على صواب! وإنما أخبر الله عنهم بقيلهم ذلك للمؤمنين ، إعلاما ، منه لهم بتضييع كل فريق منهم حكم الكتاب الذي يظهر الإقرار بصحته وبأنه من عند الله ، وجحودهم مع ذلك ما أنـزل الله فيه من فروضه ، لأن الإنجيل الذي تدين بصحته وحقيته النصارى ، يحقق ما في التوراة من نبوة موسى عليه السلام، وما فرض الله على بني إسرائيل فيها من الفرائض ، وأن التوراة التي تدين بصحتها وحقيقتها اليهود تحقق نبوة عيسى عليه السلام ، وما جاء به من الله من الأحكام والفرائض.

ثم قالَ كلُّ فريقٍ منهم للفريق الآخر ما أخبر الله عنهم في قوله: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) ، مع تلاوة كل واحد من الفريقين كتابه الذي يشهد على كذبه في قيله ذلك. فأخبر جل ثناؤه أن كل فريق منهم قال ما قال من ذلك ، على علم منهم أنهم فيما قالوه مبطلون ؛ وأتوا ما أتوا من كفرهم بما كفروا به على معرفة منهم بأنهم فيه ملحدون. انتهى كلامه.

وبعد … يستمر السياق في الحديث عن الفرقتين وموقفها من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في نحو عشرين آية متصلة تنتهي بقوله تعالى (وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ثم تستأنف بيان عدوان وكفر أهل الكتاب وتاريخهم وما كان منهم وما يكون وما سيكون.

وهكذا أضع بين يدي القارئ الكريم سياقاً مشوقاً بيَّناً يثبتُ في كلِّ حرفٍ منه أن النسخ المذكور في هذه الآية منحصر في التناسخ بين الشرائع ، و كل من يقرأ السياق ويتأوله على غير وجهه وينسب بذلك النسخ لآيات القرآن فقد أخطأ بذلك خطأً عظيماً ، ذلك أن الموضع لم يشتمل على ما يقود لذلك الفهم لا من قريب ولا من بعيد.

أما من يقرأ الآية مجتزأة عن سياقها ، خارجة عن محيطها القرآني وهو في ذات الوقت يحمل قناعة متوارثة بإبطال كلام الله تحت مسمى النسخ فلن يقنعه شيء بخطأ ما هو عليه ، وأما من توخى الموضوعية واستصحب أن الموضع تنزيه لكتاب الله وإعلاء له على سواه من الكتب والشرائع والمعجزات وإخضاع لبني إسرائيل لحكم القرآن وقطع لأملهم من صلاحية التوراة وبقائهم شعباً مفضلا مختاراً ، لرضخ للحق وانصاع للسياق و لاستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله عز وجل يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوه ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه ).

ولعمري إن النسخ عين ما نهى عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فإنه ينسب التضارب والتناقض لكتاب الله بمجرد الجهل بالمعنى وتوهم التناقض ، فكلما ضل في الجمع بين الأحكام ضال نسب ما يقرأ للنسخ ، فكان حديث رسول الله يصف النسخ بدقة ويسميه تكذيباً للكتاب بعضه ببعض.

رابعاً : النسخ والإبطال:

إنَّ النسخ بصورته التي قررها أصحاب دعوى النسخ هو إبطال مهما حاول المبطلون ترقيقه وليّ المفردات والكلمات لتعريفه تعريفاً ليّن التعبير ، وهذا يجب أن يتقرر لدى  كل باحثٍ عن الحق ، فالنسخ – حسب دعواهم – إبطال حكم مع بقاء النص ، أو إبطال نص مع بقاء الحكم ، أو إبطال نص وحكم في آن واحد ، وبرغم أن أشكال النسخ هذه لا يوجد إجماع عليها فإنها بلا شك إبطال لكلام الله فما نُسِخَ صار باطلاً ، وما أثبت بقي فكان النسخ تبديلاً وإبطالا لكلمات الله وهذا يناقض قوله تعالى : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت:42] وهذا كافٍ لرد دعاوى النسخ.

خامساً : منهج القبول والرد :

ليس كل ما نسب للصحابة الكرام من أقوال هي صحيحة في نسبتها ، وليس كل ما يرد مسلم بصوابه وسلامته لمجرد أنه ورد عن صحابي أو تابعي حتى لو حمل في ثناياه ما يخلّ بسلامة الوحي في حين أنه لا يستند لقول صاحب العصمة ومتلقي الوحي ، فمنهج القبول والرد محكوم بعوامل عدة تؤيد القول أو ترده ، أولها وجود النص القرآني البين الذي يؤيد القول ، ثانيها تأييد القول بحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وثالثها انتفاء ما يعارض القول كوجود قول آخر أو نص شرعي ينقضه ، ورابعها منافاة القول للعقل والفطرة السليمة ، فإن كان العقل هو أول وسيلة لمعرفة الله فكيف نحيّده ونعطله عندما يأتي الحديث عن كلام الله تعالى ذاته ؟؟ إلا أننا نرى الاكتفاء بالرابع وحده لرد أي دعوى متعلقة بالنسخ أو بسواه مالم يعضد الدليل العقلي ما يتقوى به من النصوص الشرعية المؤدية لتأييده وإثباته .

سادساً : النسخ دعوى وليست أصل :

إن النسخ ليس بأصل مرجعي حتى نرجع إليه بل هو دعوى طارئة على الأصل يلزم مدعيها الدليل والاثبات وبالتالي فالأصل في كتاب الله أنه كما وصلنا من نبيه صلى الله عليه وسلم متواتراً بصورته التي هو عليها والقول بالنسخ دعوى تتطلب الإثبات ، ثم أن هذه الدعوى لاتقبل إلا بلوازم وشروط ومن أهم لوازمها وجود تناقض بين آي القرآن الكريم حتى نستطيع التسليم بدعوى أن هذه ناسخة لتلك وأن لا يكون هذا التناقض ناتج عن سوء فهم القائل بالنسخ ، وليس هذا فقط بل يجب الا يكون لها تأويل يبطل القول بالنسخ ، وإن حدث كل ذلك وتوافرت تلك الشروط فينبغي أن تكون إحدى الآيتين مبطلة والثانية باطلة وحاشا لكتاب الله ذلك.

سابعاً : النسخ حقيقة ولكن !:

نعم النسخ حقيقة والنسخ موجود ومثبت ولكن ليس في القرآن الكريم، فقد نسخ الله شريعة موسى عليه السلام بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ونسخ شرائع سابقة بالتوراة ونسخ التوراة بالقرآن ، ومعجزات الأنبياء السابقين كانت ناسخة لبعضها البعض ، وقد نسيّ الناس معجزات وآيات عظام فصارت عصا موسى طيّ النسيان فلم تعد حاضرةً في أذهان الناس وهناك من المعجزات والآيات ما نُسِي ولم يُذكر حتى في كتاب الله ، يقول تعالى:

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } [غافر:788]

فممن لم يقصص الله على نبينا من الرسل من أتى بآيات بإذن الله فنسخت ونسيت وأحل الله محلها آيات أخرى ، والقرآن الكريم هو المعجزة والآية الوحيد الناسخة لما سبقها والمُنْسِيَة لما سواها والتي لا ناسخ لها ولا منسي إلا برفعها حين يشاء الله.

عَنْ عبد الله بن مَسْعُودٍ قَالَ : “ لَيُسْرَيَنَّ عَلَى الْقُرْآنِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلا يُتْرَكُ آيَةٌ فِي مُصْحَفٍ وَلا فِي قَلْبِ أَحَدٍ إِلا رُفِعَتْ ” أخرجه الدارمي بسند صحيح برقم 3209

عبد الرزاق عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن شداد بن معقل قال : سمعت ابن مسعود يقول : ( إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وإن آخر ما ييبقى من دينكم الصلاة ، وليصلين القوم الذي لا دين لهم ، ولينتزعن القرآن من بين أظهركم ، قالوا : يا أبا عبد الرحمن ! ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا، قال : يسرى عليه ليلاً فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى منه شيء.).

عن ‏ ‏حذيفة بن اليمان ‏ ‏قال ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏: (يدرس ‏ ‏الإسلام كما ‏ ‏يدرس ‏ ‏وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا ‏ ‏نسك ‏ ‏ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها) ‏فقال ‏ ‏له ‏ ‏صلة ‏ ‏ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا ‏ ‏نسك ‏ ‏ولا صدقة فأعرض عنه ‏ ‏حذيفة ‏ ‏ثم ردها عليه ثلاثا كل ذلك يعرض عنه ‏ ‏حذيفة ‏ ‏ثم أقبل عليه في الثالثة فقال يا ‏ ‏صلة ‏ ‏تنجيهم من النار ثلاثا. رواه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.

ورفع القرآن لا يكون إلا على شرار الناس ، والقول بالنسخ هو إبطال للقرآن يفضي للقضاء عليه ، ذلك أن النسخ تطور وأخذ أشكالاً أشد انحرافاً منها النسخ بالقياس والنسخ بالإجماع حتى أصبح كتاب الله متاح لهم يبطلون لهم ما شاءوا ويتركون ما شاءوا فإن لم يعود القائلين بالنسخ عن قولهم فلعل هذا تحقق لنبوءة رفع القرآن في القادم من السنوات الخداعات والله المستعان وإليه الملجأ وعليه التكلان.

ثامناً : نماذج من دلائل إبطال و نسخ الشرائع السابقة:

إن إبطال شريعة أهل الكتاب التي نزلت في التوراة والإنجيل يختلف عن إبطال القرآن الكريم ولا يمكن أن يكون هناك تشابه بين الحالين لأن ابطال التوراة والإنجيل حصل بدليل قرآني ونبوي وليس من عند أنفسنا بينما إبطال القرآن تأول علماء ورأي فقهاء تأسيساً على فهم خاطيء لآية أو آيتين بلا دليل نبوي ولا دليل قرآني ، ولما كانت حجة تسويغ نسخ القرآن واقرار هذا القول الباطل مستنداً على جواز حصوله في الكتب السابقة فيتوجب إثبات بطلان هذا القول وأن القرآن لا يطاله ما طال الشرائع السابقة فهو ناسخ لا ينسخ ، ومبطل لسواه لا يبطله أحد ، أما أدلة نسخ القران للتوراة والكتب السابقة فهي كالتالي :

نماذج من الأدلة القرآنية :

– قوله تعالى : (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّبِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) هذه الآية التي انتزعت من سياقها انتزاعاً ونسبت النسخ والابطال للقرآن في حين أن السياق يتحدث عن أهل الكتاب وما نزل عليهم ، وقد أشبعناها إيضاحاً بما يكفي لإثبات أن السياق كله يتحدث عن التوراة والانجيل وأهل الكتاب.

  • قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة:488] .

قال ابن تيمية : “فجعل القرآن مهيمنا والمهيمن الشاهد الحاكم المؤتمن فهو يحكم بما فيها مما لم ينسخه الله، ويشهد بتصديق ما فيها مما لم يبدل “فكانت هيمنة القرآن على ماسبقه تعني إبطال شريعتها وإحلال القرآن محلها ، فيصدق قوله تعالى (نأت بخير منها أو مثلها) فأتى الله بخير منها وهنا تجدر الإشارة إلى أن أقول الزركشي وابن عقيل والسيوطي ليست بخير منها ولا مثلها فكانت شديدة البيان بأن القرآن مصدِّق للاعتقاد و ناسخٌ للشرائع التي سبقته ، فبدل الله بآيات القرآن ما سبقها من آيات.

  • قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) [النساء:47]

آمنوا بما أنزلنا مصدقاً لما معكم : آمنوا بالقرآن الكريم ، ومن لوازم الإيمان به تحليل حلاله واجتناب حرامه فتكون أحكامه مهيمنة لما معهم وناسخة لها فالصيام ينسخه صيام والصلاة بكيفيتها تنسخها صلاة والإنفاق ينسخه إنفاق وهكذا ، فلا يمكن الجمع بين شريعتين بما فيهما من عبادات مشتركة فلا بد من شريعة مبطلة ومنسوخة ، وأخرى بديلة ناسخة مثبتة وهي التنزيل الحكيم.

  • قوله تعالى : (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].

فبعد واو الاستئناف (وهذا كتاب أنزلناه) يعني القرآن ، فاتبعوه واتقوا دلالة على بطلان ما قبله وانتهاء العمل به ، وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه : دلالة على هيمنته على ما ذكر في الآية السابقة لهذه يبطل أحكام السابقة ويحل محلها أحكاماً بديلة نافذة.

  • قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [العنكبوت:51].

وفي هذا دلالة على أن الكتاب الحكيم الذي أنزل على سيدنا محمد كافٍ عن سواه ولا يجمع معه غيره للاتباع.

  • قوله تعالى : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [المائدة:13]

فما وصلَنَا من أهل الكتاب وما هو بين أيديهم اليوم من التوراة والإنجيل طاله التحريف والتغيير والتبديل بلا شك ، ولم يحفظوه ويقفوا عند حروفه ، فأنزل القرآن وتكفل بحفظه ، فأصبح الفاضل مقدم على المفضول ، والأوثق مصدق على المحرف فنسخت شريعة القرآن ما قبلها.

  • قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157]

فيلزم بني إسرائيل وأهل الكتاب عامة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاستمساك بسنته وإحلال ما يحله الله فيما نزل عليه وتحريم ما حُرِّم ، ويعفو عن كثير مما كان عليهم من الشرائع الثقيلة التي عوقبوا بها على تكذيبهم وعصيانهم وكفرهم .

  • قال تعالى : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر:55] .

فالقرآن أحسن ما أنزل الله ، بذلك يفضل التوراة والإنجيل والزبور والصحف وكل تنزيل قبله والأمر باتباع الأحسن فكان ذلك توجيها بترك المفضول إلى الفاضل والأحسن ، فتكون التوراة منسوخة في وجود القرآن قولا واحداً.

نماذج من الأدلة النبوية على هيمنة القرآن ونسخه لما قبله :

– ما رواه أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ( فإنه لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ) ، فاتباع موسى لسيدنا محمد يعني ترك شرائع التوراة واتباع شرائع القرآن فبذلك تكون التوراة منسوخة باطلة أحكامها في وجود أحكام القرآن.

– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ) رواه البخاري ومسلم .

فما يتبع المسيح كتاباً إلا وهو ناسخ لكتابه وناسخٌ لما كان يتبعه قبله من الكتب ، وهو القرآن الكريم وشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

نماذح من اقوال العلماء :

يقول ابن حزم :

” إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا ، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ( لا معقب لحكمه )، وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا ، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) … وقد قلنا آنفا إن الله تعالى أطلعهم على تبديل ما شاء رفعه من ذينك الكتابين ، كما أطلق أيديهم على قتل من أراد كرامته بذلك من الأنبياء الذين قتلوهم بأنواع المثل ، وكف أيديهم عما شاء إبقاءه من ذينك الكتابين حجة عليهم ، كما كف أيديهم الله تعالى عمن أراد أيضا كرامته بالنصر من أنبيائه الذين حال بين الناس وبين أذاهم ” انتهى كلامه.

يقول الشيخ محمد العثيمين : الكتب السابقة منسوخة بالقرآن الكريم لقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) ﴿المائدة: ٤٨﴾، فقوله وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ تقتضي أن القرآن الكريم حاكم على جميع الكتب السابقة، وأن السلطة له فهو ناسخ لجميع ما سبقه من الكتب انتهى كلامه.

فما يقوله المبطلون أن القرآن أبطلت منه مئات الآيات تأولاً وجهلا واعتداءً بلا قول نبوي معصوم حتى اتسع الشق على الراقع فأصبح هناك نسخ بالقياس ونسخ بالإجماع وصارت المعجزة الباقية الثابتة نهباً للقائلين بالظن والمسارعة إليه بدون تثبت وجعلوا من هذا الظن والمسارعة لإبطال قول الله وأحكامه فضيلة تعدل مسارعة إبراهيم في ذبح ابنه ، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.

تاسعاً : إضطراب الآراء:

إن مما يستدل به على فساد القول بالنسخ أن كل ما قيل فيه مجرد آراء لم تجمع عليها الأمة فجمع من القائلين بالنسخ يدعون النسخ في عدد يجاوز المائتي آية ، وآخرون يقولون إنها 6 آيات فقط وهنا أقتبس من بحث للدكتور عبدالرحمن الشهري ما يوضح كيفية اضطراب الآراء في مسألة عظيمة كنسخ القرآن وهنا أنقل من دراسة أعدها فضيلة الدكتور عبدالرحمن الشهري وفقه الله  :

وقد تعددت دعاوى النسخ في الكتب التي تعرضت لمسائل النسخ ، وقد رتبها الدكتور عبدالله الشنقيطي وفقه الله على النحو التالي مبتدأً بأكثرها :

  1. الدكتور مصطفى زيد ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (293) آية.
  2. ابن الجوزي رحمه الله ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (247) آية.
  3. السكري ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (218) آية.
  4. ابن حزم ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (214) آية.
  5. ابن سلامة ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (213) آية.
  6. الأجهوري ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (213) آية.
  7. ابن بركات ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (210) آية.
  8. مكي بن أبي طالب ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (200) آية.
  9. النحاس ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (134) آية.
  10. عبدالقاهر ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (66) آية.
  11. محمد عبدالعظيم الزرقاني / عدد الآيات المدعى عليها النسخ (22) آية.
  12. السيوطي ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (20) آية.
  13. الدهلوي ، عدد الآيات المدعى عليها النسخ (5) آية.

فهذه هي جملة الدعاوى ، مع التنبه إلى أن كل من هؤلاء المؤلفين رحمهم الله لا يقبل هذه الدعاوى ، بل كثير منهم يذكرها ويفندها.

فالدكتور مصطفى زيد رحمه الله هو أكثر من تعرض لقضايا النسخ وناقشها ، وقد قرر في النهاية أنها لا تزيد عن ست آيات ، علماً بأنه عند البحث أتى بـ(293) آية قيل بنسخها.

وكذلك العلامة ابن الجوزي رحمه الله عند مناقشة القضية جاء بـ(247) آية ، ولكن بعد البحث قبل منها (22) آية فقط ، ورد النسخ في (205) آيات ، وقال : إن الصحيح أنها محكمة ، وتوقف في الباقي وهو (20) آية ، لم يبين فيها حكماً ولم يصرح بالنسخ إلا في سبعة مواضع فقط.

أما الزرقاني – رحمه الله – فقد تعرض لـ(22) واقعة قبل النسخ في (12) منها.

وأقل من قبل النسخ الإمام الدهلوي رحمه الله حيث قبله في خمس آيات فقط ، وهي آية الوصية في النساء ، وآية المصابرة الواحد للعشرة في الأنفال ، وآية الأحزاب : (لا يحل لك النساء من بعد) ، وآية المجادلة : (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) وآية المزمل : (قم الليل إلا قليلاً) الآية. انتهى كلامه.

فهل يمكن أن يقبل العقل هذا التخبط في توزيع دعاوى النسخ بالجملة على آيات القرآن الكريم  ؟؟ وهل لمدعي النسخ أن يرشدونا مشكورين لأي من هؤلاء نتبع ؟؟ مع التقرير بأن من يدعون أنه هو الحق فإن سواه على باطل وإثم عظيم لأن قوله طعن وإبطال لقول الله الذي لم يبطل فمن يستطيع أن يتحمل وزراً كهذا؟؟

وفيما يلي إن شاء الله نستعرض الآيات التي يدعي فيها القائلون بالنسخ ويتضح بطلان تلك الدعوى واحدة تلو الأخرى والله الموفق.

عاشراً : الإدعاء على اليهود وموقفهم من النسخ:

إن من دلائل بطلان القول بالنسخ هو ما يتردد دوما عند الحديث عن النسخ بأن اليهود ينكرونه لأن النسخ عندهم من البداء والبداء باطل في حق الله فيقول أحد المنافحين عن النسخ في معرض نسبة إنكاره لليهود فيقول:

“ينكر اليهود النسخ ظنا منهم أنه بداء ؛ أي يستلزم البداء كالذي يرى الرأي ثم يبدو له، أي الظهور بعد الخفاء.

ويرى اليهود أن النسخ إما أن يكون لغير حكمة وهذا عبث على الله تعالى، وإما أن يكون لحكمة ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل وهذا يستلزم البداء وسبق الجهل وهو محال على الله تعالى.“انتهى.

ويقول محمد ابراهيم الحفناوي في كتابه المعنون بدراسات أصولية في القرآن الكريم ما نصه:

ومن هنا لما خفى الفرق بين النسخ والبداء على بعض فرق اليهود والرافضة أنكرت اليهود النسخ وأسرفوا فى الإنكار لاستلزامه فى زعمهم البداء وهو محال. والحق أن هذا الفهم من قبل اليهود سقيم لما ذكرت من أنه لا تلازم بين النسخ والبداء ولوضوح الفرق بينهما.” انتهى كلامه.

ويقول مناع القطان في مباحث في علوم القرآن:

والناس في النسخ على أربعة أقسام:

1- اليهود: وهؤلاء ينكرونه لأنه يستلزم في زعمهم البَدَاء، وهو الظهور بعد الخفاء، وهم يعنون بذلك: أن النسخ إما أن يكون لغير حكمة، وهذا عبث محال على الله، وإما أن يكون لحكمة ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل، وهذا يستلزم البَدَاء وسبق الجهل، وهو محال على الله تعالى.” انتهى كلامه.

ولأبي حامد الغزالي رحمه الله في كتابه (المنخول) ما نصه :

وقد انكر اليهود جواز النسخ فنقول لهم ان تلقيتم استحالته من عدم تصوره فتصويره ان يقول السيد لعبده افعل ثم يقول بعده لا تفعل وان تلقيتموه من استصلاح واستقباح فلا تساعدون عليه ثم لا بعد في تقدير مصلحة فيه وان نقلوا استحالة النسخ من موسى عليه السلام فقد كذبوا إذ شريعة عيسى عليه السلام نسخت شريعته ولا طريق لهم إلى انكار معجزته فإن قالوا النسخ يدل على البداء قلنا ان عنيتم انه يدل على تبين شئ بعد استبهام شئ فليس كذلك انتهى كلامه.

وعندما تتبعت كل ما قيل حول موقف اليهود من النسخ وجدتهم يحيلون ذلك القول لجماعة مغمورة كانت في عصر أبي حنيفة النعمان بدون مرجع يستند إليه ولا قول ثابت مدون من أقوالهم ، وبحثت فوجدت ان مصطلح النسخ ليس له وجود في المفهوم التوراتي من الأساس.

وكانت أكبر الفوائد التي يجنيها القائلون بالنسخ من هذه المعلومات المرسلة التي لا سند لها هو التشنيع على كل من ينكر النسخ وتشبيهه باليهود فيتحقق الإرهاب الفكري لكل من يناقش أو يتسائل أو يرد القول بالنسخ لأنه سيوضع مع اليهود في كفة واحدة.

ولكن ما يبعث على السخرية أنه عند التشنيع على اليهود والرافضة فإن أول ما يرمون به من الانحرافات هو القول بالبداء ، برغم أنهم ادعوا إنكار اليهود للنسخ خوفاً من نسبة البداء إلى الله :

فهذا ابن القيم رحمه الله في كتابه هداية الحيارى يقول أن اليهود هم الذين حرفوا التوراة وبدلوا فيها حروفًا كثيرة فقال: ” واليهود تقر أن السبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفًا من التوراة وذلك بعد المسيح في عهد القياصرة الذين كانوا تحت قهرهم حيث زال الملك عنهم ولم يبق لهم ملك يخافونه ويأخذ على أيديهم“.

وقال :

ومن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله، فلا يؤمن منه تحريف غيره؛ واليهود تقر أيضًا أن السامرة حرفوا مواضع من التوراة وبدلوها تبديلاً ظاهرًا وزادوا ونقصوا والسامرة تدعي ذلك عليهمانتهى كلامه.

جاء في موسوعة الفرق :

يبدو أن أول من ادعى البداء على الله تعالى هم اليهود، قالوا: إن الله تعالى خلق الخلق، ولم يكن يعلم هل يكون فيهم خير أو شر، وهل تكون أفعالهم حسنة أم قبيحة، فقد جاء في سفر التكوين في الإصحاح السادس من التوراة ما نصه:

(ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه جداً فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته لأني حزنت أني عملتهم) .

وهذا النص وأمثاله يفيد صراحة أن الله قد بدت له أمور لم يكن يعلمها، فحزن حزناً شديداً حين رأى معاصي البشر.

فالبداء عقيدة يهودية مدوّنة في كتبهم المحرفة، ونفس هذه الأفكار مدونة عند الشيعة، فالكليني -كما رأينا فيما سبق- يروي عن الأئمة فضائل كثيرة لاعتقاد هذا الكفر، حتى وإن ذكر بعض الروايات التي تفيد عدم حصول جهل الله بالأمور قبل ظهورها لكنها لم تكن صريحة مثل النصوص الأخرى التي سبق ذكرها عنهم.”

وهكذا نجد التناقض و انقلاب ميزان الاحتجاج من تنزيه اليهود عن البداء إلى اتهامهم به ، في حين أن الحقيقة اليهود سيجدون في النسخ ضالتهم للدفاع عن تحريفهم وتبديلهم وتغييرهم في كتاب الله ، فما أن يتهمهم المسلمون بالتحريف حتى يردون ذلك إلى النسخ فقد وفرنا لهم مخرجاً من تهمة التحريف ، وهذا الباب إن فتح فستجد بين كل ناسخٍ ومنسوخ ، ناسخاً ومنسوخ.

وهكذا فأصبح التشنيع على منكري النسخ بأن اليهود ينكرونه لأنه بداء ، وإذا أرادوا التشنيع على الرافضة نسبوا إلى اليهود البداء فهذا عين التناقض وهي حجة ليست في مكانها ولا تقبل للرد على منكري النسخ فحتى أقوالهم بشأن اليهود لم ترد إلى مرجع معتبر عند اليهود يعترف بمصطلح “النسخ” و”البداء” فكانت مفتقدة لأبسط قواعد البحث العلمي .

نبوءة محمدية مذهلة :

إن نبينا صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن عقيدة النسخ وكيف تظهر في الأمة وحذر من القائلين بها قبل أن تظهر فعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتدارءون ، قال الرمادي : يتمارون . فقال : ” إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله عز وجل يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوه ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه

عن عبد الله بن عمرو ، قال : كان قوم على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يتنازعون في القرآن ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم متغيرا وجهه ، فقال : ” يا قوم بهذا هلكت الأمم ، إن القرآن يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ” .

فكأنه يخبرنا صلى الله عليه وسلم بظهور النسخ وفُشُوِّهِ وتضارب الأقوال فيه حتى وصلت إلى ثلاثة عشر قولاً مشهوراً ، متضاربة بعضها تبطل أحكاماً بشبهة آيات أخرى ، وقوم ينكرون ما اتفق عليه جماعة أخرى وينفون النسخ عنها بدلاً من الإيمان به كله بدون عقيدة إبطال لشيء منه باسم النسخ حتى تغيرت الأحكام وأبطلت النواميس القرآنية بدون حديث صحيح من معصوم.

إن المبطلين لأحكام الله في كتابه باسم النسخ يعجزون عن الإتيان بحديث صحيح مرفوع ثابت  جاء فيه أمر من النبي صلى الله عليه وسلم نسخ معين لآية معينة ، و لقد مات صلى الله عليه وسلم ولم يترك لأمته أمراً صغيراً ولا كبيراً إلا بينه وبلغ أصحابه وأمر كتبة الوحي به فالأمر ليس بالهيّن حتى يترك للآراء.

وما أخبر به صلى الله عليه وسلم والنهى عن ضرب الكتاب بعضه ببعض وإخباره بأن الكتاب يصدق بعضه بعضاً يدل دلالة واضحة على نبذ النسخ والنهي عنه فما النسخ إلا ترقيق لغوي لصفة ضرب الكتاب ببعضه وإبطال أحكامه.

الحادي عشر : دعوى ضرورة النسخ والحكمة منه :

من الحجج التي يسوقها مدعو إبطال أحكام القرآن ويرددونها في سبيل تبرير هذا الإبطال هو تغيّر حال المسلمين وتطور حياتهم ما يستلزم معه تغيير أحكام تخفيفاً أو تشديداً تبعاً لمتغيرات المجتمع المسلم ، فكان النسخ سبيلاً لحصول تلك المنفعة للمسلمين.

ونقول بأن هذه حجة باطلة ، فنزول الوحي وتغيرات المجتمع المسلم التي يتحدثون عنها كانت على مدى ثلاثاً وعشرين سنة ، فماذا عن التغيرات الضخمة التي حدثت في أربعة عشر قرناً تلت سنوات الوحي ؟؟ من ينسخ لنا الآيات ويبطلها ويبدلها بسواها لمراعاة التغييرات في المجتمع المسلم ؟؟ والمبطلون يعلمون بأن التغييرات التي حصلت في قرن واحد تفوق في ضخامتها وجسامتها تغيرات في آلاف السنين في شتى مناحي الحياة ، هل يسعون للتوسع مستقبلاً في الإبطال والتعطيل فيدافعون عن النسخ بالإجماع والنسخ بالقياس حتى يأتي يوم لا نجد في كتاب الله إلا سورة أو سورتين والباقي جرى نسخه بهذه الدعوى الباطلة ؟.

الثاني عشر : النسخ والإبطال في ضوء الدﻻلة تبعاً للقطع والظن :

ﻻشك ان القرآن الكريم قطعي الثبوت كله قطعي الدلالة في جزء منه ظني الدﻻلة في جزء آخر ، بينما السنة بعضها قطعي الثبوت وبعضها ظني الثبوت ، وبعضها قطعي الدﻻلة والبعض الآخر ظني الدﻻلة.

والنسخ قطعي الثبوت بلا شك ، ولكن هل هو قطعي الدﻻلة  ؟؟ بكل تاكيد ﻻ ، فالنسخ من حيث المبدأ يحتمل الآيات الحسية والمعجزات السابقة والشرائع الماضية من وجه ، ويحتمل آيات القرآن الكريم من وجه آخر -إذا تجاوزنا في ذلك لغرض الاحتجاج فقط – وهنا نتسائل كيف نستعمل نصاً ظني الدﻻلة على إبطال أحكامٍ قطعية الدﻻلة والثبوت ؟.

فالبديهي أن يكون الناسخ من جنس المنسوخ وبنفس درجته الدﻻلية فيكون كﻻ النصين قطعي الثبوت والدﻻلة ، فلا  يصح الاستشهاد بنص نبوي ظني الدﻻلة حتى لو كان قطعي الثبوت ، وبالتالي فلا يصح الاستشهاد والاحتجاج بنص نبوي ظني الثبوت وظني الدلالة .

وفي مسألة النسخ فالنص القرآني الذي يحتج به القائلون بالنسخ ظني الدﻻلة ، وﻻ يوجد ﻻ في القرآن الكريم وﻻ السنة النبوية المطهرة نص قطعي الثبوت والدﻻلة يستشهد به على نسخ آيات القرآن الكريم .

والنسخ مقتضاه عسير ونتيجته عظيمة ففيه إبطال لأحكام الله تعالى ، وﻻ يتأتى هذا بﻻ تثبت وﻻ مرجع و حجة قطعية في دﻻلتها و قطعية في ثبوتها ، وإلا لتمكن كل أحد من نقض آيات الله وأوامره وأحكامه واحداً واحداً فمن يجوز لنفسه القفز فوق كل تلك القيود ﻻ يملك منع غيره من ذلك.

فكان في هذا دﻻلة واضحة على فساد القول بالنسخ في آيات الله وقرآنه بلا شك وﻻ تردد.

عين المجازفة والافتئات على الشارع الحكيم بلا دليل.

إن حجج (تعطيل أحكام الله) المسمى بالنسخ واهية ومتناقضة تناقضاً عجيباً ، فتجدهم يقررون أن الحكمة من إبطال الحكم وبقاء الرسم ليحصل ثواب التلاوة للقارئ ، فإن قلت وماذا عن إبطال الرسم وبقاء الحكم ؟ لماذا لم يبقى الرسم للثواب كسابقه كانت الإجابة : لكي يختبر الله عباده ويبتليهم هل يتبعون حكمه أم يتركونه ،  وسنرى فيما يلي حجة تناقلها كل مبطلي كلام الله واتخذوا منها حجة على كلام الله فكانت افتئاتاً على الله بلا دليل:

يقول الزركشي رحمه الله في البرهان ناقلاً عن ابن عقيل في كتاب الفنون بشأن الحكمة من نسخ التلاوة وبقاء الحكم : “إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحي).انتهى كلامه ، وقد نقله عنه أيضاً السيوطي رحمه الله.

وهنا فإن قول كهذا يحمل مجازفات خطيرة وتقريرات مثيرة تنقل من مصنف الى آخر بلا تفكير ولا مراجعة وكأنها قول معصوم من عبد معصوم ، وأظهر صور الخلل فيه ما يلي :

أولاً : قرر أن سبب رفع التلاوة وبقاء الحكم هو “ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع بهأي أن مسألة إبطال التلاوة وحذف الرسم مع بقاء الحكم كان اختباراً لاتباع المسلمين لحكم النسخ بالظن والمسارعة إليه بلا نقاش ولا تثبت ولا تحقق من أن الحذف كان مؤكداً مثبتاً متواتراً أم لا ، بل يكفي مجرد الظن ، وهذا لعمري أدلّ ما يستدل به على بطلان النسخ فلا قول معصوم يلتجئ إليه ولا نص قرآني يعزو إليه بل يطلق الأمر للظن ويجعل من ذلك فضيلة عظيمة بينما كان الظن دوما أكذب الحديث ، وقد ذم الله الظن في كتابه وذمه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته :

إن الظن ما دخل في أمر من أمور الدنيا إلا كان فاسداً ذميماً فكيف إن كان في أمور الدين ؟؟ ، وكيف إن كان الظن معتمداً عليه في التشريع ؟؟ وكيف إن كان الظن معتمداً عليه في إبطال قول الله تعالى ونقض أحكامه واستبدال شريعته ؟؟  ، ولم يرد الظن على سبيل الخير في القرآن الكريم فلا تجد ظنا حسناً فيقول تعالى :

وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (النساء 157)

فذم الله اتباع الظن في مسألة صلب المسيح والظن بالغ السوء حتى أنه علامة فارقة في العقيدة النصرانية واليهودية فجعل من المسيح عليه السلام مقتولا مصلوباً ، وهم يدافعون عن ظنهم هذا ولا يعترفون ببطلانه كما يدافع هواة النسخ عن ابطالهم لقول الله.

{ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } (يونس:36)

فالاتباع بالظن فعل ذميم فهذه الآية ليست فقط ما يرد على من يتبع الظن في ابطال آيات الله وأحكامه بل تعقب في الآية التي تليها بقوله تعالى (وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَىٰ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فكأن الله أنزلها للرد على هذا القول فكيف يقال أن ابطال آيات الله ظنا وريباً من الفضيلة والله تعالى يقول (لا ريب فيه) ؟

{ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } [الأنعام:116]

واتباع الظن خرص والخرص كذب واتباع الظن هو اتباع للكذب بلا شك ، ولو اجتمع من في الأرض وأجمعوا على وقوع النسخ والابطال في القرآن فلا تطعهم فإنهم متبعين للظن وإن هم إلا يخرصون.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (الحجرات 12)

وأولى الظن بالاجتناب هو الظن في شرع الله وفي كتابه وفي كلامه فإنه أخبث الظن وأسوأه ففيه تغيير لشرع الله بغير حق وإبطال لكلام الله وادعاء زور في حق مالا ينبغي لأحد الإدعاء فيه.

مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ (النجم 23)

والنسخ ما أنزل الله به من سلطان ومن يتبع النسخ إنما يتبع الظن ، فإن وصلته الحجة وبلغته الرسالة فأبى وأصر كان اتباعه عن هوىً وحظ نفس وليس بدليل وكلمة حق من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم.

{ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [النجم:28]

فالظن هو أكذب الحديث ، و نقيض العلم ، والظن اشنع من الجهل سوءاً فالجهل استتار العلم وانتفاء العمل أما الظن فاعتقاد نقيض الحق واتيان فعل واعتقاد امر لا ينبغي على وجه الحقيقة ، وعلى سبيل المثال فإن اللا أدري أهون شأنا من عابد المسيح أو عابد البقر ،لأنه اقرب للحق إن توافر له الدليل وأراد الله له التوفيق ، ولكن متبع الظن ومن افضى للشرك فيجب إخراجه مما هو فيه قبل إقناعه بأن الإسلام لله دين الحق.

ثانياً: يقرر أن الوحي بالمنام هو درجة دنيا من درجات الوحي تعد في مقام الظن وليست وحياً يقينياً “فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحي” وهذا قول يخشى على صاحبه إن اعتقد به ، وقد فاته أن إسماعيل عليه السلام أفقه منهم فقد فقه من قول أبيه أن ما رَآه إبراهيم كان أمراً ربانياً لا يتطرق إليه شك ، فما قاله الرائي (إبراهيم عليه السلام )ولكن قاله الضحية (إبنه اسماعيل عليهما السلام ) فكان ذلك أقوى دليل على قوة رؤيا ابراهيم وصدقها ويقينها ولَم يقل لأبيه إنه ظن يجب تركه بل قال “قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ “.

وقد فات عليهم أن النبوة المحمدية بدأت بالرؤيا فهل كانت النبوة في منشأها ظن لا يرقى لليقين ؟ فقد جاء في الحديث الصحيح الذي روي عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:
(( أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ))

ثم تجد تقريرات عجيبة كهذه بدون دليل ولا قول معصوم يقررون مراد الله بما لم يقله ربنا جل جلاله ولم يقرره نبينا صلى الله عليه وسلم ، فيسببون الأسباب ويعللون الأحكام والإبطال بدون دليل ولا قول من صاحب الأمر ثابت صحيح ، ولكنه من عند غير الله لذلك فنجد فيه اختلافاً كثيراً كما نلحظ هنا ، ثم ينقله واحد من واحد حتى يصطبغ بالقدسية فيصبح معصوماً لا ينبغي عليه الخطأ ، ولكنه خير وليس شر ليتبين الحق من القى السمع وهو شهيد.

القسم الثاني : تفنيد فرية نسخ القرآن وإبطال إحكامه

وفي هذا القسم سنستحضر الآيات المدعى نسخها آية آية نحللها ونتتبع تفسيرها وننظر في ما أدعي بأنه ناسخ لها ، ونعرض فيما يلي ايضاً صور الاضطراب والخلاف في مسألة نسخ تلك الآيات ما يثبت افتقاد القول للاجماع كما يفتريه البعض .

ثم ننتقل لدعوى نسخ النص وبقاء الحكم ونسترجع النصوص المنسوبة زوراً للقرآن الكريم ونسوق الحجج والبراهين على أنها ليست من القرآن أبداً ولا يستقيم أن تنسب للقرآن برواياتها وصيغها المختلفة المتضاربة.

دعوى نسخ القبلة

يَعتبرُ فئةٌ من المعتقدين بوقوع النسخ أن مسألةً  كمسألة تحديد القبلة نسخاً، و يدرجون هذا الأمر من الحجج على ثبوت النسخ في كتاب الله ، وهذا خلط مبنيٌّ إما على سوء فهم أو محاولة لإثبات النسخ كيفما اتفق.

ومسألة القبلة تحمل دلالة واضحة على عكس ما يريد مؤيدي القول بالنسخ ، ذلك أن مفهومنا للنسخ يقتصر على نسخ الشرائع السابقة وليس نسخ القرآن الكريم واحكام الشريعة الاسلامية ، وتتمثل الدلالة في كون الصلاة تجاه بيت المقدس هو شرع من قبلنا ، فبني إسرائيل كانوا متبعين لشريعة موسى عليه السلام التي كانت هي الشريعة المهيمنة على المسلمين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، بقول تعالى { قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } [الأحقاف:30] فلم يأت ذكر عيسى لأن المراد بالكتاب (الشريعة) فكانت شريعة موسى وكتابه هي الشريعة المهيمنة على المسلمين فلما جاء القرآن نسخ تلك الشريعة وابطل كثيراً من أحكامها.

وبنو إسرائيل كانوا يتوجهون لبيت المقدس قبلةً لهم ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بقي على القبلة التي يستقبلها اليهود وهي بيت المقدس حتى أنزل الله نسخ الحكم التوراتي بالحكم القرآني (فبدل الله آية مكان آية) وجعل الكعبة قبلة للنبي صلى الله عليه وسلم من تبعه من المسلمين فقال جل شأنه:

سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْوَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِوَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) البقرة

ولا يستطيع أحد ان يثبت أن تحويل القبلة هو نسخ لحكم سابق نزل في كتاب الله فالتوجه لبيت المقدس لم يكن بنص قرآني وبالتالي فالقول بأن هذه الآية تحمل دلالة على نسخ القرآن بأي صورة قول باطل ولا يصح أبداً فالقبلة حكم جديد لم يسري قبله حرف واحد ينقضه آخر.

وهنا نؤكد على أن الأحكام المنسوخة لا يمكن أن تكون مما أنزله الله في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بل أحكاماً مهيمنة من شرائع سابقة نسخها القرآن ثم أبدل مكانها احكاماً أخرى.

صورة من صور سوء الفهم:

نلحظ أحاديث منسوبة لابن عباس رحمه الله تدَّعي أن تحويل القبلة هي أول ما نسخ من القرآن (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : كان أول ما نسخ من القرآن القبلة ) ولكل  من يعتقد بصحة هذا القول نطالبه بالبرهان ، فأين الآية التي تأمر بالصلاة لبيت المقدس والتي نسخت بآيات تحويل القبلة ؟؟ ، لن تجد شيئاً منسوخاً في كتاب الله ، ولن تجد امراً باستقبال بيت المقدس نسخه تحويل القبلة إلى الكعبة وبالتالي فالاثر قطعاً غير صحيح ولا يحتاج تخريج ولا بحث بل لا يؤيده نص واحد في القرآن فكيف نسلم بالنسخ في القرآن بناسخ دون منسوخ ؟؟.

حقيقة دامغة :

ومن أظهر الأدلة واقواها على انتفاء النسخ وأن الحكم القرآني حكم مبتدأه في تلك الآية وليس ناسخاً لقرآن قبله هو قوله تعالى (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) فلو كان استقبال بيت المقدس وحي وأمر مخصوص للنبي صلى الله عليه وسلم ينقض امر سبقه وينسخه لما وسعه إلا الرضى والتسليم ولم يقلب وجهه في السماء بحثاً عن قبلة يرضى بها لأن القرآن قرر قبلته فليس له إلا الرضا والتسليم ، ولكن الحقيقة أن تحديد القبلة ارضاء لنبي الله جل وعلا الذي لم يكن عنده أمر بقبلة محددة قبل الكعبة وقال قتادة: كان الناس يتوجهون إلى أي جهة شاءوا، بقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ثم أمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم باستقبال بيت المقدس.

وقال ابن زيد: كانوا ينحون أن يصلوا إلى قبلة شاءوا، لأن المشارق والمغارب لله، وأنزل الله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتا من بيوت الله- يعني بيت المقدس- فصلوا إليه» فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه بضعة عشر شهرا، فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتى هديناه، فكره النبي صلّى الله عليه وسلّم قولهم ورفع طرفه إلى السماء فأنزل الله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ (1) [البقرة: 144].

نسخ عدة المتوفى عنها زوجها

قال الحق جل شأنه :

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:240]

يُدَّعَى نسخها بقوله تعالى:

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [البقرة:234]

متاع الأرملة حق لها:

وهذه الدعوى مردودة جملة وتفصيلاً فآية متاع الحول تلت آية العدة ، وفي الأصل فلا علاقة بين الآيتين فواحدة حكم والثانية حق فكيف والنسخ لا يكون إلا حكماً بحكم .

يقول تعالى (وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) فجعل للرجل أن يوصي بأن تبقى أرملته في بيته بعد وفاته حولاً كاملاً فكانت تلك الوصية حق من حقوق الارملة في حين أن العدة فريضة عليها ، وهذا من مقاصد الشرع الحنيف فالنساء اللائي لديهن ذرية صغاراً أو كن لا أهل لهن ولا منزل سوى منزل الزوج فقد أعطاهن الله فسحة من الأمر حولاً كاملاً يحق لهن البقاء في منزل الزوج المتوفى حتى يجدن سبيلاً إما بزواج أو بشراء منزل ونحوه ، وهذا في سبيل الحفاظ على نساء المسلمين وصيانة حقوقهن وكرامتهن.

ولكن إن أرادت الأرملة غير ذلك وخرجت قبل تمام الحول فلا جناح عليها ولا على أولياء الزوج المتوفى فيما تفعل في نفسها فعل معروف سواء بزواج أو باستقلال في منزل تملكه.

عدة الأرملة فريضة عليها:

بينما نجد في آية العدة أمراً آخر تماما لا علاقة له بالمتاع فهو فرض على كل من توفى عنها زوجها ، لا خيار لها في ترك العدة ، يقول تعالى (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فهنا يجب عليهن فريضة من الله فإن انقضى الأجل فلها حق استمرار المتاع في منزل المتوفى ولها أن تنزل منزلا غيره.

فلو انقضت عدتها وكان المنزل الذي تسكنه معروضاً للبيع ولها فيه ميراث ولها منزل لأهلها أو ملكاً لها فآثرت بعد العدة أن تنتقل لمنزلها او منزل أهلها حتى يتحقق تقسم الميراث فلها ذلك ولكن بعد انقضاء عدتها.

ولو انقضت عدتها (أربعة أشهر وعشراً) وأرادت أن تمكث في منزل الزوج ما يكمل الحول فلا يجوز إخراجها منه لقوله تعالى (مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) غير إخراج ولم يقل غير خروج أي لا يجوز (إخراجها) من منزل الزوج.

ولو توفي رجل عن امرأة حامل فيقول تعالى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [الطلاق:4]فتنتهي عدة الحامل بوضعها ولكن يبقى لها إن كان توفي عنها زوجها بقية الحول ، وهذا من المقاصد العظيمة للشرع الحنيف فلولا أن لها التمتع في بيت المتوفى عنها حولاً كاملاً لا يجوز إخراجها لحق لأهل المتوفى اخراجها بعد الوضع مباشرة وهذا فيه ارهاق وجور على الوالدة وولدها ، فكان حول السكنى حق يمكن الأرملة والوالدة من المكوث في راحة وأمن حتى يحصل لهن سبيل يخرجن به من منزل المتوفى.

وهنا فقبل القول بالنسخ ينبغي أن نفقه المواضع الثلاثة ونميز بين (الحق) و(الفريضة) فلا ينبغي أن نخلط الشرائع والأوامر بلا تمييز وننسخ واحدة بما لا ينبغي أن ينسخها.

وهنا فالقول بالتناسخ بين هاتين الآيتين باطل غير متحقق لعدم التجانس بين الآيتين والله أعلم.

دعوى نسخ قيام الليل

قال الحق جل وعلا :

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) {المزمل}

يُدَّعَى نسخها بقوله تعالى:

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) {المزمل}

وهي دعوى مجانبةُ للصواب فالله تعالى لم يفترض على المؤمنينَ قيام الليل وبالتالي فلم ينسخ هذه الفريضة ، وسأسوق من الدلائل والحجج في ثنايا هذا التفصيل ما يثبت ذلك ويدرأ القول بالنسخ تماماً في هذا الموضع بصورةٍ بيِّنة واضحة لا لبسَ فيها.

أمر خاص للنبي صلى الله عليه وسلم :

إنَّ الأمرَ بقيامِ الليلِ مختصُّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يشمل المؤمنين وإثبات ذلك فيما يلي :

أولاً: طبيعة الخطاب ، فالنداء موجهٌ حصراً للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله (يا أيها المزمل) ولم يتبعهُ توجيهٌ بفرضهِ على بقية المؤمنين كفرائض الله الأخرى التي وجه فيها النبي وأمره أن يأمر المؤمنين بمؤداها ، وهو مشابه لأمره في قوله يا أيها المدثر إذ كان الأمر كذلك مخصوص للنبي صلى الله عليه وسلم دون سواه.

ثانياً: اشتمل الأمر على علة قيام الليل ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) ، فكان نزول الوحي علة اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بقيام الليل وبهذه الصورة وهو القول الثقيل الذي سينزل على النبي في هذه الفريضة مما يؤكد اختصاص النبيّ بالأمر ، واشتداد الوطأة المقترنة باستقامة القول متعلقة بحالة (نزول الوحي) على النبي صلى الله عليه وسلم وما يرافقها من تعرّق ورجفة وحال قاسية تقع على النبي لثقل الوحي عليه ولا تتعلق بسواه.

ثالثاً : أن الأمرَ بالقيام لو كان شاملاً عَاماً على المسلمين لقام كل المسلمين اللّيل مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخلف عنه أحد ولكن تأسَّى به طائفة من المؤمنين فقط وليس كل المؤمنين (وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) فكيف يكون فرضاً ويتقاعس عنه المسلمين ؟؟ ولا يأتيه إلا طائفة من الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟ ، والسورة عرفت بأنها مكية حيث كان أتباع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أشد أحوالهم اتباعاً له تنفيذاً لأوامره والوحي الذي أتى به.

رابعاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توقف الناس عن قيام الليل معه لم يتركها لأنها فريضة عليه بقوله تعالى (قم الليل إلا قليلاً) وبقي عليها حتى قبض عليه صلوات الله وسلامه ، جاء في سنن أبي داود حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن منصور بن عبد الرحمن عن أبي إسحق الهمداني عن الأسود بن يزيد أنه دخل على عائشة فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت (كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة وترك ركعتين ثم قبض صلى الله عليه وسلم حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات وكان آخر صلاته من الليل الوتر)

خامساً: هذه الفريضة التي اختص الله بها نبيه لم تكن كبقية الفرائض بل كانت ركعاتها و مدتها على سبيل التخيير (ثلثي الليل ، ونصفه ، وثلثه).

حقيقة الآية السادسة:

إن حقيقة الآية السادسة المدعى بأنها ناسخة لأمر القيام هي أن طائفة من الذين آمنوا بدأوا يتأسّون بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقومون الليل معه فأراد الله بالأسلوب القرآني المهذب أن يبين لهم بأن هذا الأمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس عاماً لبقية المسلمين (وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) ، ثم يقرر تعالى أنه لم يفترضها عليهم لعلمه بحالهم (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)أي علم بأحوالكم فاستثناكم ، ثم فصل في أحوال المسلمين التي لا يستطيعون فيها مجاراة النبي صلى الله عليه وسلم لما اختصه الله من طاقة تفوق بقية المؤمنين ووظيفة نبوية لا يشابهه فيها أحد (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

وعِلْمُ اللهِ بِذلك لَم يكن بعد أن افترض القيام ثمَّ بدا له مشقة ذلك على المؤمنين بل كان علمه سابق لذلك وإنما أتى بها هنا ليبين سبب اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام وسقوطه كفريضة من البدء وليس عند نزول الآية السادسة.

القول بالنسخ في هذا الموضع مجازفة:

إن القول بأن الله افترض على الناس قيام الليل في أول السورة في حد ذاته مجازفة إذ أن الله تعالى يقول {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36] والقائمين  مع النبي صلى الله عليه وسلم طائفة محدودة من المسلمين وبقية المسلمين – حسب هذا الفهم – تخلفت عن إتيان هذه الفريضة وهذا يشي بالبطلان والخلل ، ثم أن القول بتراجع ونسخ الحكم مجازفة أعظم ومقولة أخطرفالآية المدعى أنها ناسخة تضمنت أحوالاً عديدة للمسلمين في قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فالقول بالنسخ يوحي بأن الله رجع عن افتراض ذلك بعد ما علم بأحوال المسلمين فرأف بحالهم ورفع الحكم عنهم ونسخه لدواعي عديدة كالمرض وكسب الرزق والقتال وحاشا لله أن يكون ذلك ، ولكن الله علم بذلك من الأزل إنما أراد أن يبين للصحابة أنه اختص النبي بذلك الأمر واستثناكم أيها المؤمنين لما يكتنف حياتكم من أحوال وحاجات ونوازل ، وهذا أسلوب قرآني راقٍ ومهذب في تعريف الناس بمقاصد الشرع وأن الله يريد أن يخفف عنهم ويفترض عليهم ما يناسب طاقتهم ووسعهم.

ولكن هذا القيام بقي للناس نافلة (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على تبيان ذلك في أكثر من موضع.

وهنا يثبت بأن إتيان جمع من الصحابة لهذه الطاعة كان وقد نافلة سارع طائفة منهم لإتيانها ، وتركها آخرون لعلمهم بأنها دون الفريضة.

جاء في صحيح الإمام مسلم حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت قال احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها قال فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته قال ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم قال فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة) وحدثني محمد بن حاتم حدثنا بهز حدثنا وهيب حدثنا موسى بن عقبة قال سمعت أبا النضر عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس فذكر نحوه وزاد فيه ولو كتب عليكم ما قمتم به

فنرى كيف كانت مسارعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الخيرات وتتبعهم لمواقيت الصلوات ولكن النبي صلى الله عليه وسلم في مقام تشريع فكان موقفه من ذلك واضحاً حتى لا يفترض على أمته ما لم يفترضه الله عليهم ، وحتى لا يسيرون في ذلك حتى تصير فريضة عليهم ، فهذا ابن حبان في صحيحه في (حديث مرفوع) أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا أبو الربيع الزهراني ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، قال : حدثنا عيسى بن جارية ، عن جابر بن عبد الله ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر ، فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ، ورجونا أن يخرج إلينا ، فلم نزل فيه حتى أصبحنا ، ثم دخلنا فقلنا : يا رسول الله ، اجتمعنا في المسجد ، ورجونا أن تصلي بنا ، فقال : إني خشيت أو كرهت أن يكتب عليكم الوتر

اختصاص النبي الكريم بما يفوق طاقة أصحابه :

إن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختصه الله في مقام النبوة بأقصى مما كلف به أتباعه ، فقد أعطي صلى الله عليه وآله وسلم ما يفوق قوة الرجال وإذا أوعك كانت وعكته شديدة بضعف ما يصيب الرجال.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه.

وعن المغيرة بن شعبة , قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه دما ، قالوا : يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر , قال : “ أفلا أكون عبدا شكورا ” ، حدثنا الحسين , قال : أخبرنا سفيان بإسناده ، إلا أنه قال : حتى تورمت قدماه .

فكان صلى الله عليه وآله وسلم يتميز عن الناس بمزيدٍ من القوة ومزيد من العبادة ، والوحي (القول الثقيل) الذي يتطلب تحمله قوة فائقة وتحملاً يفوق ما يحمله الرجال يقول تعالى : { لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الحشر:21].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ( أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ ). قَالَ فَقُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ( أَجَلْ ). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا ) متفق عليه

فاختص الله نبيه بقيام الليل بصورته التي أمره به في سورة المزمل بما يتفق رسالته ووظيفته الجليلة وهي الرسالة الربانية وما يتبعها من أحمال لا يقواها أي أحد ، لذلك لم تكن هذه العبادة تناسب أصحابه وطبيعة وظيفتهم الدنيوية وحاجاتهم اليومية.

تحول الخطاب في الآية:

إن الإدعاء بأن الأمر بالقيام موجه للمؤمنين في قوله تعالى ( قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) بخطاب فردي كان ينتظر أن يكون النسخ أيضاً بخطاب فردي ولكن الآية السادسة قررت علم الله بأن النبي أتى ما أُمِرَ به (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) ولكنه حين رفع الحرج عن الطائفة الذين مع النبي حول الخطاب لهم فقال جل من قائل (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فكان هذا التحول من التوجه للنبي إلى المؤمنين تبياناً جلياً بأنكم أيها المؤمنون غير معنيين بهذا الأمر لما علم الله من أحوالكم وما يلحقكم من مشقة ، ولو كان الخطاب الموجه للنبي في رأس السورة يعني بقية المؤمنين لكان النسخ على نفس الصيغة ليرفع ما فُرِض ، ولذلك لم يتوقف النبي صلى الله عليه وسلم عن القيام حتى قبض لأنه أمرٌ وفرضٌ مخصوص عليه غير متعلق ببقية المسلمين.

ملخصُ ردِّ شبهة النسخ في هذا الموضع:

أن الله تعالى اختص نبيه صلى الله عليه وسلم بالأمر بقيام الليل بصيغ وصفات محددة في سورة المزمل معللاً ذلك بتلقي الوحي الذي سيلقى إليه ، ثم أن طائفةٌ من أصحابهِ رضوان الله عليهم بدأوا يصلون معه قيام الليل فأراد الله أن ينبههم لخصوصية هذه الصلاة وأنها ليست مفروضة عليهم ولم تنزل في مبدأها عامة عليهم ، ذلك أنه جل جلاله علم أحوال الناس وما يحيط بهم من أحوال ومرض وطلبٍ للرزق وقتالٍ وغيره فنبّههم بأنهم غير مشمولين في أمر القيام مع النبي صلى الله عليه وسلم وأرشدهم لما يرفع الحرج عنهم.

أمَّا الصَّلوات المفروضة فخمسُ صلواتٍ لم يزدنَ ولم ينقصنْ ، ولم يحصل نسخ في هذا الموضع وقد علمَ اللهُ بأحوالِ الناسِ علماً سَابقاً لنزولِ السُّورة ولم يَظهر بَعد افتراض القيام – كما يزعم من يقول بذلك – وحَاشَا أنْ يتراجعِ اللهُ عنِ افتراضِ أمرٍ على عبادهِ فينسخَ أمْرَهُ البتَّة ، وإنما كانت الآية تبياناً موجهاً للطائفة الذين اعتادوا صلاة الليل خلف النبي خشية أن تفرض على المسلمين عامة.

دعوى النسخ في آيتي المصابرة

يقول الحق جلَّ وعلا:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّ‌ضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُ‌ونَ صَابِرُ‌ونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} [الأنفال65]

يُدَّعَى نسخها بقوله تعالى:

{الْآنَ خَفَّفَ اللَّـهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَ‌ةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِ‌ينَ} [الأنفال:66]

إن المصابرة في الآية الأولى إنما كانت على سبيل التأييد الرباني وليست فرضاً أو حكماً ، فكان مضمون الآية يؤآزر المؤمنين بتأييد الله لهم بقوة إيمانهم وعزيمتهم وكذلك بسبب ضعف عدوهم وأنهم لا يفقهون ، فكان العشرة الصابرة يغلبوا مائة ، والمئتين من المقاتلين الصابرين يغلبوا ألفين بنسبة ثابتة طالما كان الإيمان في درجته تلك والصبر حاضر في اللقاء.

ولم تشتمل الآية على أمر أو نهي بل اشتملت على بيان لقياس قوة المؤمنين بثقتهم بربهم وإيمانهم بسمو هدفهم مقارنة بِخَوَرِ المشركين وضعفهم لضياع عقيدتهم لأنهم لا يفقهون ما هم عليه من الشرك والكفر.

ثم إنه جل وعلا عندما ضَعُفَ المسلمين وقل إيمانهم ، ودخل خلالهم من حدثاء الإسلام ضعفاء الإيمان ما أضعفهم فقد قلت قوتهم وغابت شوكتهم الأولى فأصبح المائة يغلبوا مئتين ، والألف يغلبوا ألفين بإذن الله.

خصوصية السياق والتوقيت:

اشتمل القرآن الكريم في مواضع كثيرة منه على أحوال خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته فكان واقعها مقيداً خاصاً  وليس مطلقاً عاماً  ، وكذلك أحوال ووقائع كثيرة غير هذه الحالة ، فلا يمكن أن يقال أن  عقوبة التخلف عن القتال في سبيل الله منسوخة بقصة الثلاثة الذين خلفوا كعب وأصحابه فهذه واقعة مقيدة مخصوصة وإلا فسننسخ جلّ كتاب الله وما توسع القائلون بالنسخ إلا لعدم مراعاة هذا الأمر .

وفي هذه الآيات الكريمة نجد التقييد والتخصيص فقد بالنداء والأمر بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ثم يلي النداء مقتضى الأمر(حَرِّ‌ضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ) وهو التحريض ولكن بأي شئ؟ ، بما اختصه لهم من غلبة وتأييد لما علمه من استقرار الإيمان وقوته في نفوسهم (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُ‌ونَ صَابِرُ‌ونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) فيقرر تعالى أن القتال مع الصبر يؤدي لغلبة العشرين للمئتين من الذين كفروا بعاملين أولهما درجة إيمان المقاتلين وثانيها ان أعدائهم لم يفقهوا ماهم عليه من الضلال وما أتاهم من الهدى ، فلم يكن قتالهم بعقيدة وإيمان بما هم عليه من العمل ، ولو كانوا يفقهون لما التزموا الكفر وتركوا الإيمان.

العدد والقوة تتبع قوة الإيمان:

أرشدتنا الآية الكريمة الثانية أن سر تراجع قوة المسلمين يعود للضعف الذي اعتراهم فكانت رسالة لنا ولكل المؤمنين في كل زمان ومكان أن من يحمل كإيمان المسلمين الأوائل فسيكون في نفس قوتهم ومقاومتهم لعدوهم فيغلب الواحد عشرة ، وكلما دب الضعف فيهم ودخل الشك نفوسهم وتراجع الإيمان فستتراجع معه القوة والغلبة .

واليوم وفي عصرنا هذا هل نصل لما وصل إليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الضعف بأن ألفاً من المسلمين يغلبوا ألفين من الكفار عند اللقاء ؟؟ قطعاً لا ، فلو مررنا بنظرة سريعة على قتال الأعداء هنا وهناك لسقنا مئات الأمثلة التي يكون المسلمين فيها أضعاف عدوهم ومع ذلك يغلبون ويشردون ويقتلون وتؤخذ اسلحتهم من بين أيديهم.

فالمقصود أن الإيمان بالله وقوته تتناسب طردياً مع القوة إذا تناسب العتاد وكان المقاتلين على قلب رجل واحد ، ولم تشتمل هاتين الآيتين الكريمتين على حكم شرعي حتى يقال هذا نسخ ذاك.

والله أعلى وأعلم.

دعوى أن حكم تحريم الخمر نسخ لحكم سبقه

يقول جل شأنه : {وَمِن ثَمَرَ‌اتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرً‌ا وَرِ‌زْقًا حَسَنًا} [النحل:67]

يَقُولُ تَعَالَتْ ذَاتُه :{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ‌ وَالْمَيْسِرِ‌ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ‌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ‌ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة:219]

ويقولُ جََلّ وعَلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَ‌بُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَ‌ىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43]

مدَّعى نَسخَها بِقَوله تَعَالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ‌ وَالْمَيْسِرُ‌ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِ‌جْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٩٠﴾ إِنَّمَا يُرِ‌يدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ‌ وَالْمَيْسِرِ‌ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ‌ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:90-91]

النسخ يلزم التعارض:

لاشك أن النسخ هو إبطال حكم منصوص بنصٍّ جديد ، ولكي نتوصل لحقيقة النسخ في الآيات الكريمة الخاصة بتحريم الخمر لابد أن نجد نصاً يفيد بحليَّة الخمر حتى نقول أن حكم الحليّة نُسِخَ بحكم التحريم ، وسنستعرض الآيات المدعى إنها منسوخة لنتحقق من أن الخمر قد أحله الله في هذه الآيات ثم نسخ الحكم وحرمه في آية المائدة ، وسنتتبع كل الآيات الكريمة التي تناولت مسألة الخمر ، وسنتتبع مسألة التحليل والتحريم في كتاب الله لنصل لحقيقة النسخ في هذه الآيات المباركات من عدمه.

الخمر محرمة قبل صراحة التحريم :

ينبغي قبل أن نثبت أن الله لم يحكم بحليّة الخمر في كتابه ثم ينسخ حكمه ويحلله ، ينبغي أن نثبت أن الخمر سبق تحريمها من عدة وجوه قبل آية التحريم الصريحة :

أولاً: أن الخمر حرمها الله في كل شرائعه السابقة للإسلام ، ورأينا فيما سبق كيف أن نبينا صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة متبعاً لشريعة أخيه موسى عليه السلام حتى أنزل الله قرآنا ينسخ قبلة أهل الكتاب بالكعبة المشرفة وعليه فإن الخمر لم يحلها الله أبداً قبل الإسلام فكيف يدعى أنها أحلت في الإسلام ؟؟ ، والقاعدة تقول أن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد نص ينسخه.

فحرمة المحرمات في الديانات السماوية المتعاقبة سارية مالم يرد نص ينسخ الحرمة السارية ، ولذلك فقد صرح عيسى عليه السلام بأنه سيضع عن بني إسرائيل بعض ما حملوا ويحل لهم بعض الذي حرم عليهم يقول تعالى:

{ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [آل عمران:50]

فلا ينبغي لهم أن يحلوا أو يحرموا من عند أنفسهم إلا بنص شرعي ، والخمر شرعاً محرمة قبل الإسلام فلزم أن تبقى الحرمة سارية لحين نزول نص يحلها.

وبالتالي فإن القائلين بالنسخ يلزمهم اثبات وجود نص يحل الخمر لأنها حرامٌ أصلاً وهذا ما لا يتأتَّى أبداً.

ثانياً : أن الخمر (من الخبائث) ، فإن أتينا لحكم الخمر العام فهومحرم ابتداءً لقول الله جل وعلا :{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف:157]

وهذه الآية وردت في سورة الأعراف التي تحتل المرتبة (39) في تاريخ النزول أي قبل كل السور التي اشتملت على ذكر الخمر (النحل ، النساء ، البقرة ، المائدة) وتضمنت هذه الآية نقطتين ما يحسن لفت الانتباه له:

  • دخول الخمر في المنكر والخبائث أمر مقطوع به وهذا يعني تحريم مسبق للخمر ضمن الخبائث التي أتى صلى الله عليه وسلم لتحريمها.
  • أن الأحكام الشرعية السابقة سارية ما لم يرد نص بتحريمها لذلك كانت شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم امتداداً لما قبلها فتثبت بعضاً من الأحكام وتنسخ أخرى ، فكون الخمر محرمة في مسبقاً في شريعة الله التي افترضها على اليهود والنصارى يعني استمرار حرمتها في شرع نبينا صلى الله عليه وسلم وإلا فينبغي إثبات تحليل الخمر بعد البعثة ثم نقول أنها حرمت بنسخ حكم سابق.

صيغة التحليل في النص القرآني:

إن ما سبق تحريمه في الديانات والشرائع السابقة لا نجد له سبيلاً لتحليله في كتاب الله إلا بأن يسبقه ما يفيد التحليل فنجده تعالى يسبق الحلال بقوله (أحل لكم ، أحل الله ، أحلل) كقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [المائدة:87] فضلا عن ما تضمنته الآية بأن التحليل يكون للطيبات فقط ويمتنع على الخبائث.

التحريم مثبت في آيات ذكر الخمر:

لقد علم الله تعالى ثقل الفجأة في الأحكام فلم يصرح في التنزيل الحكيم بالتحريم ولكنه عرَّض به على مستويات عدة بدأت بالتلميح حتى وصلت إلى مرحلة التحريم التام والصريح وفي كل مستوى من مستويات التحريم كان هناك من الصحابة من يمتنع ويترك الخمر بما فقهه من آيات، فآية الأعراف السالفة الذكر كانت أول المستويات للتحريم  (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) فهذا أول مستويات التحريم لكل الخبائث ولذلك فإنه يتضمن يتضمن حرمة مستترة للخمر.

وفي سورة النحل (وَمِن ثَمَرَ‌اتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرً‌ا وَرِ‌زْقًا حَسَنًا) ولم تشتمل هذه الآية على أي صورة من صور تحليل الخمر بل كان يصف حال الناس في اتخاذهم للرزق الطيب فسماه (رزقاً حسنا) ووصف اتخاذهم للسكر من ثمرات النخيل والأعناب ، وهذا حق إلى اليوم لم ينتفي ولم يتوقف ، وكان يصف الرزق (بالحَسَنْ) مما يبين أن السكر ليس بحسن ، وهذه الآية لا تعد من آيات الأحكام حتى يستنبط منها حكم أصلاً.

وفي سورة البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ‌ وَالْمَيْسِرِ‌ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ‌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ‌ مِن نَّفْعِهِمَا) فهل نقول أن هذه الآية منسوخة ؟؟ لا طبعاً ، فالخمر فيها منافع للناس في تحصيل اثمانها والاستفادة من المحاصيل التالفة وبيعها وشراءها عموماً ، ولكن الله تعالى قدم الإثم ، وعظَّمهُ قبل أن يأتي على ذكر المنفعة فقال تعالى (فيهما إثم كبير) وهذه حرمة ظاهرة بعد الحرمة المستترة

ثم ما جاء في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَ‌بُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَ‌ىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) وهذا حكم سارٍ حتى الآن ، فالخمر محرمة ولكن هل تقبل صلاة شارب الخمر إن صلى غير سكران ؟؟ ، لا شك أن شرب الخمر لا ينفي امتناع قبول الصلاة سائر اليوم بل وقت السكر فقط ، وهذا حكم سارٍ لم ينتهي بالتصريح بالحرمة التامة.

ثم إن هذه الآية درجة أعلى وأظهر من درجات التحريم ، ولو لم ينزل إلا هي لكفت للتحريم التام للخمر لما تتسبب فيه من حجب للمؤمن عن الاتصال بربه حال شربه لها فهذا دليل خبثها لمن في قلبه ذرة شك أو حب لها.

دليل انتفاء التحريم بعد تحليل:

قال القرطبي رحمه الله:

(وإنما نزل تحريم الخمر في سنة ثلاث بعد وقعة أُحُدٍ… وقال ما نصه: وتحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة، فإنهم كانوا مُولَعين بشربِها، وأول ما نزل في شأنها: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]؛ أي: في تجارتِهم، فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس، وقالوا: نأخذ منفعتَها ونترك إثمها، فنزلت هذه الآية: ﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]، فتركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشرِبَها بعض الناس في غير أوقات الصلاة حتى نزلت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]، فصارت حرامًا عليهم حتى صار يقول بعضهم: ما حرَّم الله شيئًا أشد من الخمرِ).

ومما سبق ينتفي تماما أي قول بتحليل الخمر في الإسلام ، فقد كان التشريع تحريماً من أوله لآخره ، وينتفي معه أي قول بالنسخ لأن القول بالنسخ يلزم وجود حليّة نسختها حرمة ، والحليَّة لم تكن لا في شرع الأمم السابقة ، ولا بعدها في  شريعة النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون الأمر نسخاً ؟ .

فينتفي القول بالنسخ تماماً في مسألة تحريم الخمر، وعلى من يريد إثبات النسخ أن يثبت أن الخمر أخذ حكم الحليّة وهذا ممتنع تماماً عدا أن القول بالتدرج في التحريم يتعارض مع القول بالنسخ أصلاً ، وكل علماء السلف يقولون بالتدرج في التحريم فكيف نجمع بين القول بالتدرج في التحريم وبين النسخ؟.

وكل من قال أن الخمر كانت مباحة أول الإسلام فقد افترى على الله الكذب ولزمه الدليل على تحلة الخمر قبل تحريمه

دعوى نسخ الآية (284) من سورة البقرة

قال تعالى :

{ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة:284]

مدَّعى بأنها نسخت بقوله تعالى:

{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [البقرة:286]

الاضطراب دليل الخلل فهل هي منسوخة أم محكمة ؟ :

وهذا مما نصرخ به دوما بأن نسبة القول بالنسخ للصحابي لا تعني أنه صدر منه هذا القول فعلاً ، وأننا ينبغي أن نجعل استقامة القول واتساقه مرجعا فإن التسليم بصحة الروايات بلا تفكير ولا تدبر جعل المنقول المقدم على المعقول مصدراً لإشكالات لم يصمد النسخ امامها فكان باطلاً بيِّن البطلان :

قرر القرطبي رحمه الله وجود خمسة اختلافات بقوله (اختلف الناس في معنى قوله تعالى : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله على أقوال خمسة)

وأورد في القول الأول أنها نسخت بقوله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وهو قول جماعة من الصحابة منهم (ابن عباس) رضي الله عنه ، فقال رحمه الله:

“( الأول ) أنها منسوخة ، قاله ابن عباس وابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وجماعة من الصحابة والتابعين ، وأنه بقي هذا التكليف حولا حتى أنزل الله الفرج بقوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها . وهو قول ابن مسعود وعائشة وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وغيرهم . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال : دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا قال : فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال : ( قد فعلت ) ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال : ( قد فعلت ) ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال : ( قد فعلت ) : في رواية فلما فعلوا ذلك نسخها الله ثم أنزل تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وسيأتي” .انتهى كلامه

ثم قرر في القول الثاني أن ابن عباس قال أنها محكمة مخصوصة بالشهادة :

“( الثاني ) قال ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد : إنها محكمة مخصوصة ، وهي في معنى الشهادة التي نهى عن كتمها ، ثم أعلم في هذه الآية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب .” انتهى كلامه

وفي القول الرابع يقول الطبري رحمه الله بأن ابن عباس قال (لم تنسخ) وأنها محكمة عامة :

“( الرابع ) أنها محكمة عامة غير منسوخة ، والله محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما ثبت في نفوسهم وأضمروه ونووه وأرادوه ، فيغفر للمؤمنين ويأخذ به أهل الكفر والنفاق ، ذكره الطبري عن قوم ، وأدخل عن ابن عباس ما يشبه هذا . روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال : لم تنسخ ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول : ( إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم ) فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم ، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب”انتهى كلامه

وبذلك لزم أن يتبع هذا الاضطراب البيّن كذبٌ في أكثر من موضع والأظهر أن الكذب كان في موضع تقرير النسخ كما اعتدنا.

النسخ يقتضي الإبطال:

تكرر معنا أن النسخ يقتضي الإبطال ، والآن نحن أمام صورة فريدة من صور النسخ المزعوم ، فالنسخ لم يطال الآية بكاملها بل طال جزءاً منها وهو قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) وأما الباقي فلم يقع فيه نسخ -على حد زعمهم- فقوله تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) من الثوابت التي يقتضي القول بنسخها الكفر البواح ، وكذلك قوله تعالى (وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فمن يقول بان هذا القول منسوخ كافر بلا شك.

ولذلك نجد أن القول بنسخ جزء من آية بدون قول صحيح ثابت  أو تقرير من معصوم مجازفة أخرى تجزِّئ السياق وتجعل قوله تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) نسخاً لذلك الجزء برغم أنه متعلق بالتكاليف والعبادات المقررة بالجوارح فما دخل النوايا والاعتقاد حتى تلغيه وتنسخه ؟؟.

ومن المهم القول بأن النسخ بهذه الصورة يتعارض مع مفهوم القائلين بالنسخ بقوله تعالى (ما ننسخ من آية) لأن النسخ وقع على جزء من آية ولم ينسخ الآية كاملة وهذا من دلائل بطلان النسخ ايضاً.

حقائق  متصلة تقررها الآيات الكريمة :

بعد أن اثبتنا انتفاء النسخ وتناقض الأقوال المنسوبة لابن عباس وأنه لا ينبغي أن يقع في هذا الموضع كما أنه لا ينبغي أن يقع على سواه في كتاب الله سنتتبع موضع هذه الآية في السياق الذي تضمنته الآيات الثلاث في سورة البقرة لنعلم مقدماً بأن النسخ لا يجوز عليها أصلا.

إن الآيات الثلاث في ختام سورة البقرة اتت على ثلاث حقائق أصولية مترابطة في عقيدة الإسلام كل آية قررت حقيقة من الحقائق الثلاث وكل منها ملازمة لما جاورها :

الحقيقة الأولى : أن العبرة عند الله بما استقر في نفس العبد من اعتقاد ونية ، وأن مبدأ الإيمان من دواخل النفس التي يعلمها الله وحده ، فمن ادعى أنه من أهل الإيمان وكانت نفسه ترفض الإيمان وتبطن النفاق والبغض وأصبح يظهر مالا يبطن فإن الله سيحاسبه على عقيدته وهذا لازم من لوازم الإعتقاد لا يجوز نسخه بل لا سبيل إلى إلغاءه أو تعطيله لأنه هو أسُّ العمل ومزرعته ، وقد قرره صلى الله عليه وسلم في حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في الحديث المتفق على صحته قال قال صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) وهذا ما يواطئ الآية الكريمة ويتساوى معها في المعنى ، ونسخ هذه الآية يجب ان ينسخ معه الحديث أيضاً.

فهو جل جلاله يخبرنا أولاً بإحاطته بكل شئ (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وانه يملك الكون كله ، ثم يقرر علمه بملكه ومافيه من غيب وشهادة (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) ولما كان الإيمان محله القلب وهذا متسق مع كل المواضع المشابهة ومستقيم معها تماما ، ومثل أولئك الذين يظهرون مالا يخفون من قال تعالى فيه (يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) فهل مثل هذا مقطوع له بالغفران  لقاء ما أضمره في قلبه من خصام ونفاقه وسوء طويته ؟؟ ، بل هو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، ولكن الاعتبار بما تضمره الأنفس وليس على ظواهر الأفعال.

وهذا الموضع في قوله تعالى (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يشابه ما في قوله تعالى { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [هود:108] ، فمشيئة الله مطلقة لا يقيدها شئ أبداً لذلك فهو تعالى إن شاء أخرج أهل الجنة منها وجعل بقائهم في الجنة مرهوناً بمشيئة الله تعالى ، حتى مع تقرير خلود أهل الجنة فيها تبقى مشيئة الله فوق كل حال.

الحقيقة الثانية :

قررتها الآية التي تليها (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)  فبعد تهيئة الأنفس بأن ما يستقر فيها هو رأس الأمر في الحساب والثواب والعقاب قرر تعالى ما يجب الإيمان به وتجري المحاسبة عليه في سياق متصل ببعضه البعض ، فلو أن عبداً قال (سمعنا وأطعنا) بجارحة اللسان ولم يستقر في قلبه ما آمن به الرسول ومن تبعه من اصحابه وما اعتقدوه من عقائد في هذه الآية فإنه محاسب بما أخفى وليس بما أظهر ، لأن ما اخفاه محبط للعمل لا تقبل معه طاعة يقول تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .

والله وحده يعلم حقائق الأمور فيأتي المؤمنون يوم القيامة  فيكتشفون أن أعمال من ظنوا أنهم إخوان لهم قد حبطت لأن أعمالهم شكلية ولم يستقر معها إيمان :

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ } [المائدة:53]

فعمل الجوارح الذي لا يتبعه إيمان راسخ في النفس سيحبط كما وقع للمنافقين الذين انطبقت عليهم (الحقيقة الأولى) فيجري حسابهم بما يخفون من الاعتقاد فإن أخفوا الكفر فإن أعمال الظاهر محبطة لا قيمة لها:

{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ (25) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)} محمد

كرهوا رضوانه ، والكره عمل قلبي ،و إسرارهم عمل قلبي ، ومرض القلب لا يعلمه إلا الله ولكنهم ظنوا أن الله لا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فأِمنوا بما يخفون من الكفر والله بما يعملون محيط.

الحقيقة الثالثة :

قررتها الآية الأخيرة في سورة البقرة وهي متعلقة بعمل الجوارح والعبادات ، فما كانت الحقيقة الأولى أن المحاسبة مبنية على مافي النفوس ، والحقيقة الثانية أن الإيمان بأركانه المقررة هو ما يجب ان يستقر قبل العمل فإن الحقيقة الثالثة تقرر أن الله افترض من العبادات ما يطيقه ابن آدم ولم يضع عليهم من الشرائع والعبادات والتكاليف الشرعية ما يخرج عن الوسع والطاقة (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) ويقرر ان ميزان الاعمال يستوعب المكتسبات من الأجور على العمل الصالح ، والمكتسبات من الآثام على العمل الفاسد وعلى ترك أداء تلك التكاليف ، ثم يرشد المؤمنين للتضرع لله بالقول (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) فقرر تعالى الابتداء بالعفو عن العقوبات المقررة ، ثم المغفرة للذنوب المدونة ، ثم الرحمة بدخول الجنة ضمن مبدا التخلية قبل التحلية فلا جنة بلا رحمة الله ، ولا رحمة بلا غفران للذنوب.

وهكذا فإن الآيات الثلاث ضمن سياق متصل تقرر مسألة عقدية هامة للغاية بشأن موقف الشارع الحكيم من الاعتقاد والعمل والعلاقة بينها.

آيةُ السّيف ودعوى أنّها نسخت قرآناً  كثيراً

{ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التوبة:5]

سيكون منهج العرض والاستدلال في هذا الموضع مغايراً لما درجنا عليه في الآيات والمواضع السابقة ، فبعد الانتهاء من هذا التقديم سننطلق لنأخذ المدعى نسخُهُ آيةً آية ونعرض أقوال العلماء الكرام فيها والقائلون بنسخها و نشهد بأعيننا التضارب في القول بالنسخ وعدمه وكأنه مما يسوغ فيه الخلاف، وليس كلام الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فيسوغ عند الكثير أن يقول : قال جمع من المفسرين بنسخها .. الخ هكذا بلا قول نبوي ثابت مجرد آراء يدحض بعضها بعضا،فيثبت النسخ وينقض النسخ بدون أن تتحرك حاسة الخشية والرهبة من التأرجح في موضع لا يصح ولا يجوز فيه التأرجح.

ولأنَّ القول بالنسخ باطلٌ وفريةٌ ممجوجة فسوف ننظر كيف أنَّ القول بالنسخ هنا كمن أراد أن يشعل ناراً يتدفأ بها فإذا به يحرق منزله ومنازل جيرانه ، فمن أبطل بهواه إحدى الآيات بدون دليل فقد فتح الباب لعشرات أن يتوغلون في كتاب الله فيحرقون ويبطلون ما يشاءون ثم يقال ( قال فلان منسوخة ، وقال فلان ليست منسوخة ) بكل بساطة بلا دليل ثابت صحيح معتبر ولا حتى قرينة مقبولة.

ومن نتائج هذا القول وبالنظر للآيات التي ابطلتها آية السيف -زعما- منها ما يستشهد به على أحكام معاملة المخالف والعدل والإحسان إليه والبر تجاهه فكيف نجمع بين هذه القيم التي نرددها في المحاضرات والخطب وبين كونها منسوخة معطلة الحكم ؟؟.

أليس من التناقض أن نصنف المصنفات ونؤلف المؤلفات في الذب عن شريعتنا السمحاء و ندفع الشبهات التي نستعيب منها ونحن في مكان آخر نثبتها وندافع عنها كقواعد أصولية مقدسة ؟؟.

ألا ينبئ القول عن نفسه ويظهر الحق ذاته ويفضح الباطل سوأته حين يظهر التناقض بين مبدأ الإحسان والرحمة في موضع الرحمة ، والعفو والصفح في موضعه والقوة والحزم في موضعها – من جهة- ونقولنا التي نسخت كل تلك القيم وزعمت تعطيلها وإبطالها؟.

وفي هذا الموضع سنشهد إحدى منعطفات الفقه والفكر الاسلامي فالنسخ من إحدى الويلات والكوارث التي جرها على المسلمين هو إدعاء نسخ التالي من الآيات فالخوارج والدواعش والضُّلَّال من المنتسبين لأمة محمد أجروا دِماء الأبرياء أنهاراً تحت هذا العنوان وهو النَّسخ  وسنثبت ذلك فيما يلي إن شاء الله، وأول ما نقرره هنا أن تسميتها بآية السيف لا يعرف له أصلاً فلم يسمها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإسم ولنبدأ في استعراض فرية نسخ قرآن كثير بما يسمى آية السيف :

يُدَّعى أن آية السيف نسخت مَا يلي :

{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:256]

جاء فيما ذكره ابن كثير رحمه الله:

وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية . وقال آخرون : بل هي منسوخة بآية القتال وأنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام ، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية ، قوتل حتى يقتل . وهذا معنى الإكراه قال الله تعالى : ( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ) [ الفتح : 16 ] وقال تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) [ التحريم : 9 ] وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) [ التوبة : 123 ] وفي الصحيح : ” عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل ” يعني : الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثائق والأغلال والقيود والأكبال ثم بعد ذلك يسلمون وتصلح أعمالهم وسرائرهم فيكونون من أهل الجنة .

أما القرطبي رحمه الله فمن بين ما عرضه من أقوال :

قيل إنها منسوخة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام ، قاله سليمان بن موسى ، قال : نسختها يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين . وروي هذا عن ابن مسعود وكثير من المفسرين .

التعليق على الأقوال في هذا الموضع :

لا شك أن إبطال هذه الآية العظيمة يتبعه لوازم خطيرة :

أولاً : مشروعية ووجوب إجبار الكافر على اعتناق الإسلام رغماً عنه لأن الإكراه لم يعد منفياً بل يجب أن ترغم الكافر على الدخول في الإسلام بحد السيف فإن أبى فلك أن تضرب عنقه.

ثانيا :بذلك لم تعد الإرادة الحرة والأمانة التي حملها الإنسان والمشيئة التي يحاسب العبد بها ، لم تعد ذات أهمية ولم يعد لها هدف فالمهم أن نجمع أكبر عدد من المسلمين سواء كان إسلامهم إيماناً صادقاً بالله تعالى أو كان استسلاماً لواقع السيف ومنطق الجبر والتهديد.

ثالثاً :إن الله جل في علاه غني عنا وعن عبادتنا ، فإن كان المؤمن يشفق أن لا تقبل له طاعة إن شك في وجود دَخَلٍ من رياءٍ أو شرك ، ويرتعد من ضياع أجره وإحباط عمله بخلل في نية الإفضاء للعمل فكيف تصبح صلاة المكره بالسيف مقبولة ، و مالفائدة إن كان استسلامه باباً لدخول جهنم ؟؟.

‏لا شك أن القول بالإكراه في هذا الموضوع قول الباطل فإن الله سبحانه وتعالى كان قد خلق الخلق وجعل الاختيار أمانة وجعل ‏العمل مناط ‏بذلك الاختيار، فلا قبول بلا نية ولا ثواب بلا رغبة وتوجه ، وكما رخّص تعالى للمكره على الكفر فقد أحبط في المقابل عمل المنافق لأن المكره قلبه مطمئن بالايمان ، أما المرائي والمنافق فقلبه عامر بالكفر.

وهنا نجد التناقض واضحاً بيِّناً ، ولعلنا نستعرض أقوال العلماء رحمهم الله في أهمية النية وملازمتها للعمل الصالح وفساد العمل بدونها وأول قول يسبق اقول العلماء هو قوله صلى الله عليه وسلم : عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما .

فحصر وقصر قبول العمل بالنية وهي لا تتوفر بكل تاكيد للمكره على الدين ، يقول ابن العربي: «لما سمح الله بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الإكراه ولم يؤاخذ به حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به، ولا يترتب حكم عليه، وعليه جاء الأثر المشهور عند الفقهاء: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»؛ ولا شك أن فروع الشريعة أقوال وأفعال.

فكيف يؤخذ العهد من المكره ويباح نقض العهد إكراها للمسلم ؟؟ ، يقول ابن قدامة : فرق الفقهاء في ذلك بين الرجل والمرأة، فإذا كان الإكراه واقعًا على المرأة، وذلك بأن أكرهت على الزنا ولم تستطع دفعه عنها فمكنت نفسها خشية وقوع الضرر بها، فالمشهور عند جماهير الفقهاء أنه لا يجب عليها بذلك الحد[47]. واحتجوا على ذلك بقوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: ٣٣]؛ ووجه الاستدلال أن الآية تنفي الإثم على المستكرهة، وإذا انتفى الإثم تمام الانتفاء ارتفع الحد.

قال ابن جزي رحمه الله في التسهيل :” (لا إكراه في الدين) المعنى : أن دين الإسلام في غاية الوضوح وظهور البراهين على صحته ، بحيث لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه بل يدخل فيه كل ذي عقل سليم من تلقاء نفسه ، دون إكراه ويدل على ذلك قوله : (قد تبين الرشد من الغي) أي قد تبين أن الإسلام رشد وأن الكفر غي ، فلا يفتقر بعد بيانه إلى إكراه “

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾  قال ابن عاشور: ” وَنَفْيُ الْإِكْرَاهِ خَبَرٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ أَسْبَابِ الْإِكْرَاهِ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ، أَيْ لَا تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى إتباع الْإِسْلَامِ قَسرا، وَجِيءَ بِنَفْيِ الْجِنْسِ لِقَصْدِ الْعُمُومِ نَصًّا، وهِيَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى إِبْطَالِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الدِّينِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ“. انتهى كلامه

فالإسلام تحت الجبر والإكراه لا يحققه وقلبه متشرب للكفر كما أن الكفر تحت الجبر والإكراه لا يحققه والقلب مطمئن بالإيمان.

وبالتالي فالقول بنسخ هذه الآية باطل وحكمها باقٍ مستقر لم يبطله شيء وهو كغيره من الأحكام التي قيل بنسخها وهي لم تنسخ ، ويخشى على القائلين بالنسخ في هذا الموضع والقائلين به جملة بالافتئات على الله وتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله إن هم أصروا على هذا القول والله الهادي على سواء السبيل.

{ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف:29]

دعوى نسخ آية السيف لقوله تعالى:

{ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال:61]

سنختار ما جاء عند شيخ المفسرين رحمه الله تعالى في هذه الآية لأنه يحيط بأكثر وأوثق ما قيل فيها.

وقبل عرض تفسير ابن جرير رحمه الله فسوف نقسم قوله إلى قسمين ، الأول ما نقله من القول بالنسخ ، والقسم الثاني ما نقله من القول بنفي النسخ عن الآية.

  • الأقوال المثبتة للنسخ:

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (وإن جنحوا للسلم) قال: للصلح، ونسخها قوله:  فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [سورة التوبة: 5]

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وإن جنحوا للسلم)، إلى الصلح=(فاجنح لها)، قال: وكانت هذه قبل ” براءة “, وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يوادع القوم إلى أجل, فإما أن يسلموا، وإما أن يقاتلهم, ثم نسخ ذلك بعد في ” براءة ” فقال:  فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ  ، وقال: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ، [سورة التوبة: 36]، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده, وأمره بقتالهم حتى يقولوا ” لا إله إلا الله ” ويسلموا,  وأن لا يقبلَ منهم إلا ذلك. وكلُّ عهد كان في هذه السورة وفي غيرها, وكل صلح يصالح به المسلمون المشركين يتوادعون به، فإن ” براءة ” جاءت بنسخ  ذلك, فأمر بقتالهم على كل حال حتى يقولوا: ” لا إله إلا الله “.

حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يحيى بن واضح, عن الحسين, عن يزيد, عن عكرمة والحسن البصري قالا ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لهانسختها الآية التي في ” براءة “قوله:  (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ ، إلى قوله: وَهُمْ صَاغِرُونَ) [سورة التوبة: 29]

ونقل ابن جرير رحمه الله من سيرة ابن هشام جاء : حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق,(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، أي: إن دعوك إلى السلم =إلى الإسلام= فصالحهم عليه.

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، قال: فصالحهم. قال: وهذا قد نسخه الجهاد.

  • الأقوال النافية للنسخ:

حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، يقول: وإن أرادوا الصلح فأرده.

قال أبو جعفر: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة, فقولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل ، وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائنٍ ناسخا. انتهى كلامه.

وقول الله في براءة: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)، غير نافٍ حكمُه حكمَ قوله.(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، لأن قوله: (وإن جنحوا للسلم)، إنما عني به بنو قريظة, وكانوا يهودًا أهلَ كتاب, وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحربَ على أخذ الجزية منهم.

وأما قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فإنما عُني به مشركو العرب من عبدة الأوثان، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم. فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى, بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنـزلت فيه.

حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وإن جنحوا للسلم)، قال: قريظة.

بين الإثبات والإبطال:

أوردنا بعض صور التعارض المتوافرة عند مفسر واحد ، للاستزادة يمكن الرجوع لحجة ابن عاشور رحمه الله بنفي النسخ ،أو قول البغوي بإثبات النسخ ما يعكس الخلاف بين المبطلين والمثبتين.

وهذا المثال يكرس المفهوم الذي سبق أن قدمنا له بأن النسخ بلغ حداً من البطلان أن الفقهاء والأئمة المؤمنين به يبطلونه في موضع ويثبتونه في آخر ، ولكن أبسط قواعد العدل في التعامل مع كتاب الله أن نقدم نفي النسخ عندما يحصل الخلاف فعلى أقل تقدير فإننا بحاجة رفع كلام الله وتنزيهه عن هذه الخلافات فالأصل في قول الله الثبات ونفيه وإبطاله بدون دليل افتئات على الله واعتداء على كلامه وكتابه الكريم.

والقول بإبطال الآية يعني بكل بساطة أن الكافر المحارب تنبغي مقاتلته و إن سالم واستسلم ولا يجوز للمسلمين أن يوقفوا قتاله بل عليهم قتله أينما ثقفوه ، ولو توسل وتراجع ، ونستطيع اليوم أن نشهد نموذجاً عملياً لتطبيق النسخ في هذه الآية حيث لا ينفع المستسلمين استسلاماً ولا شهادة بدعوى نسخ المسالمة والموادعة والصفح والبر في حق المخالف فضلا عن المحارب.

دعوى نسخ آية السيف لقوله تعالى :

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]

الأقوال المبطلة للآية :

يقول ابن جرير رحمه الله :

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد، وابن أبي جعفر، عن أبي جعفر، عن الربيع في قوله: “ وقاتلُوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تَعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين ” قال: هذه أوّل آية نـزلت في القتال بالمدينة، فلما نـزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من يقاتله، ويكفُّ عمن كفّ عنه، حتى نـزلت ” براءة “– ولم يذكر عبد الرحمن: ” المدينة “..

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: “وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ” إلى آخر الآية، قال: قد نسخ هذا! وقرأ قول الله: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [سورة التوبة: 36]، وهذه الناسخة، وقرأ: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حتى بلغ: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إلى: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة التوبة: 1-5].

القائلون بدرء النسخ والإبطال:

وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار، لم ينسخ. وإنما الاعتداءُ الذي نهاهم الله عنه، هو نهيه عن قتل النساء والذَّراريّ. قالوا: والنهي عن قتلهم ثابتٌ حُكمه اليوم. قالوا: فلا شيء نُسخ من حكم هذه الآية.

* ذكر من قال ذلك:

3091 – حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن صَدقة الدمشقي، عن يحيى بن يحيى الغساني، قال: كتبتُ إلى عمر بن عبد العزيز أسألهُ عن قوله: ” وقاتلوا في سَبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يُحب المعتدين “، قال: فكتب إليّ: ” إنّ ذلك في النساء والذريّة ومن لم يَنصِبْ لك الحرَب منهم “.

3092 – حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ” لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أمروا بقتال الكفار.

3093- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

3094 – حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح، قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين ” يقول: لا تقتلوا النساء ولا الصِّبيان ولا الشيخ الكبير وَلا منْ ألقى إليكم السَّلَمَ وكفَّ يَده، فإن فَعلتم هذا فقد اعتديتم.

3095- حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عديِّ بن أرطاة: ” إني وَجَدتُ آية في كتاب الله: ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين ” أي: لا تقاتل من لا يقاتلك، يعني: النساء والصبيان والرُّهبان “.

قال أبو جعفر: وأولى هذين القولين بالصواب، القولُ الذي قاله عمر بن عبد العزيز. لأن دعوى المدَّعي نَسْخَ آية يحتمل أن تكون غيرَ منسوخة، بغير دلالة على صحة دعواه، تحكُّم. والتحكم لا يعجِز عنه أحد.

وقد دَللنا على معنى ” النسخ “، والمعنى الذي من قبَله يَثبت صحة النسخ، بما قد أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

فتأويل الآية – إذا كان الأمر على ما وصفنا – : وقاتلوا أيها المؤمنون في سبيل الله = وسبيلُه: طريقه الذي أوضحه، ودينه الذي شرعه لعباده = يقول لهم تعالى ذكره: قاتلوا في طاعتي وَعلى ما شرعت لكم من ديني، وادعوا إليه من وَلَّى عنه واستكبر بالأيدي والألسن، حتى يُنيبوا إلى طاعتي، أو يعطوكم الجزية صَغارًا إن كانوا أهل كتاب. وأمرهم تعالى ذكره بقتال مَنْ كان منه قتال من مُقاتِلة أهل الكفر دون من لم يكن منه قتال  من نسائهم وذراريهم، فإنهم أموال وخَوَلٌ لهم إذا غُلب المقاتلون منهم فقُهروا، فذلك معنى قوله: ” قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ” لأنه أباح الكف عمّن كف، فلم يُقاتل من مشركي أهل الأوثان والكافِّين عن قتال المسلمين من كفار أهل الكتاب على إعطاء الجزية صَغارا.

فمعنى قوله: ” ولا تعتدوا “: لا تقتلوا وليدًا ولا امرأةً، ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابَين والمجوس،” إنّ الله لا يُحب المعتدين ” الذين يجاوزون حدوده، فيستحلُّون ما حرَّمه الله عليهم من قتل هؤلاء الذين حَرَّم قتلهم من نساء المشركين وذراريهم  .

ما يلزم الخلاف هنا :

لا يمكن قبول الخلاف في هذا الموضع، لأنه ليس خلافاً سائغا ،لأن مؤداه إتيان جرم عظيم في موضعين أولهما الولوغ في دماء محرمة لمن قال بالنسخ ، والثاني وهو الأهم : إبطال آية من كلام الله بغير حق فتعساً لمن اقترف أحدهما فكيف بالاثنين ؟.

ومن تبعات القول بالإبطال هو نسخ تحريم الاعتداء ، فيجوز للقائلين بالنسخ الاعتداء بالمثلة للقتلى واستحلال الفروج والدماء للمحاربين وغيرهم من النساء والأطفال والعجائز والحرث والنسل لأن النهي عن الاعتداء هنا منسوخ فجاز لهم إتيانه بعد إبطال النهي عنه. وهذا عين الظلم والانحراف عن شريعة الله وعدله ورحمته.

يتبع بإذن الله تعالى …

49 تعليق

  1. السلام عليكم
    الأستاذ الفاضل
    لأول مرة أقرأ لكم وهذا من حسن قدر الله لى

    أحب القراءة ولكن امل منها بسرعة حد الزهق فهل من طريقة توصينى بها لأنمى القراءة لدى
    وبارك الله لك وفيك ورضى عنك وارضاك وهداك وأغناك

    1. جزاك الله خيرا وفتح عليك ، أسعى لطباعة المقالات في كتاب أوجه البيان في كلام الرحمن ومنه نسخة الكترونية واتيحها للتحميل على الموقع أن شاء الله.
      وبالنسبة للملل من القراءة فأنصحك بقراءة مقال واحد او فصل واحد او جزء له وحدة موضوعية مشتركة ومتابعة قراءة البقية بالتدريج بنفس الطريقة ، بالإضافة لوجود برامج قارئ الكتروني على الأجهزة الكفية يمكن من قراءة النصوص اذا كنت تميل للاستماع اكثر من القراءة.
      وارجو لك التوفيق والسداد

      1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        شاكرا لكم ردكم واهتمامكم وحسن نصيحتكم
        بالأمس قرات فعلا جزء من مقال النسخ ولم أكمل واليوم قرأت جزء عن نسخ حكم الخمر
        ماشاء الله تبارك الله
        وان من البيان لسحرا

        بعد اذنك سؤال
        حضرتك قلت ان الخمر كانت محرمة فى الشرائع السابقة وهذا حق
        وقلت ان الله لم يحلها فى بداية الرسالة وهذا حق
        وانا اتفق مكم فى كل ماذكرتكم
        ولكن
        اوليس كل نبي كان يبعث الى قومه خاصة
        بمعنى أمة الاسلام وخاصة البيئة التى بعث فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها نبي قبله
        وموسى وعيسى عليهما السلام لم يكونا مكلفين بالبلاغ لهذه البقعة من الأرض فكيف لأمة الاسلام فى بداية التشريع تكون مطالبة بتطبيق شرع امة سبقتهم اذا لم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم .
        كأمر القبلة مثلا كما ذكرت كانت هى القبلة لشريعة سبقت شريعة الاسلام وأمر النبي بالصلاة لبيت المقدس الى أن جاء شرع الاسلام بالقبلة التى نحن عليها الان .

        اعتذر عن التطويل
        وارجو ان يكون استفسارى واضحا

        طلب
        ياريت لو حضرتك يكون فيه صفحة على الفيس بوك فهى أسهل للوصول والتواصل والتعليقات .
        ولكم جزيل الشكر وخالص التحايا

  2. أخي الكريم حياك الله مجدداً
    إنما دين محمد صلى الله عليه وسلم هو دين الاسلام وهو أيضاً دين ابراهيم وكل الأنبياء بعده ، وعندما ينزل الله شريعة فتكون هي السائدة في الأرض ، وعندما بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت شريعة موسى هي شريعة الله السائدة في الأرض لذلك
    يقول تعالى { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } [البقرة:41] فالقرآن في الأصل نزل مصدقاً لما قبله
    ويقول تعالى { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ } [آل عمران:3] فما القرآن في الأصل إلا امتداد لشريعة سابقة وكلها من مشكاة واحدة وكلها اسلام لله جل وعلا ، إلا أنه جلت قدرته ينسخ من الشرائع السابقة ما يراه مناسباً للعصر والزمن ، وما انتفت الحاجة له ، فبني اسرائيل كانوا شعباً متمرداً فتراكمت في شريعتهم من الاوامر ما يضيق عليهم فأراد الله أن يخفف بالقرآن فينسخ من شرائعهم مع انتفاء الحاجة لذلك التضييق ولتغير الزمن بما يناسب كل أهل الأرض.
    ونلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متبعاً لشريعة موسى وكلما أنزل الله أمراً ناسخاً استبدله صلى الله عليه وسلم بما أتى من الله .
    يقول تعالى : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)

    ثم يقرر تعالى بأن القرآن بنزوله اصبح مهيمناً ناسخاً لما سبقه من شريعة وهي التوراة :

    وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)

    ولعلك قرأت قصة الزناة من اليهود حين حكموا النبي صلى الله عليه وسلم فأخفى القارئ آية الرجم بيده فأمره ليرفع يده عما تحتها فإذا هي آية الرجم فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بحكم الله تعالى المهيمن في وقتها ثم أن الله أنزل شرعاً مهيمناً على ما اتى به موسى فأصبح هو المرجع للمؤمنين ولبني اسرائيل ولكنهم كفروا به ، فلم يعد ينفعهم ايمانهم بشريعة منسوخة وهي شريعة موسى عليه السلام.

    عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنّ اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أنّ رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ما تجدون في التوراة في شأن الرجم )) . فقالوا نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إنّ فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا صدق يا محمد، فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرُجما.

    وبذلك وإجابة لسؤالك الكريم فنعم كان النبي صلى الله عليه وسلم متبعاً فيما افترض عليه من لوازم ، فالصلاة تلزمها قبلة وكان الناس يصلون إلى أي اتجاه يريدون لأن الشرع لم يقيد القبلة بعد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف خلف الركن اليماني ليستقبل بيت المقدس فتكون الكعبة بينه وبين قبلته ، ولا شك أن في هذا دلالة أنه علم بما كانت القبلة السابقة .

  3. ارجوا منك ياشيخ عدنان تصحيح كلامي..

    {وَإِذا بَدَّلنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ} .. لعل المقصود هو تبديل الاية من “مكانها” في الكتب السابقة الى القران (نسخ الى القران) .. ففي سياق الاية دليل، فالكفار يتهمون الرسول صلى الله عليه وسلم بانه ينقل القران عن شخص اعجمي {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} .. وكان مثار شبهة الكفار هو التشابه بين مايدعوا اليه القران من توحيد وعبادة الله وحده وبعض الاحكام مع ماصح من الايات في الكتب السابقة والتي تدعوا لما تدعوا اليه ايات القران من توحيد الله وعبادته وحده وبعض الاحكام كالامر بالتوجه بالقبلة في الصلاة للمسجد الاقصى قبل تغييرها للكعبة في مكة ..

    *** قال الله تعالى{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ..

    {مَا نَنسَخْ} اي ما ننقل من “اية حكم” في الكتب السابقة الى القران {أَوْ نُنسِهَا} اي او نتركها لانشرعها في القران {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} اي خير لكم منفعه وثواب

    *** قال الله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} .. اي يمحو الله مايشاء من الاحكام في الكتب السابقة ويثبت منها مايشاء في القران .. ام الكتاب/ الكتاب “المصدر الام” لكل ايات التشريع في الكتب المقدسة (القران والتورات والانجيل …)

    1. حياكم الله أخي ابا عبدلله
      فتح الله عليك وسدد رأيك
      نعم هذا وجه محتمل فقوله تعالى (يثبت) فيه دلالة على ابقاء شرائع سابقة ومحو اخرى ولا يتناقض مع مقتضى الآيات الكريمة ، أما إدعاء نسخ ومحو آيات القرآن بأحكامها ونصوصها ادعاء باطل لا نقره أبداً ونجرم قائله وندعوه للتوبة من هذا القول.

      1. جزاك الله خير ياشيخ عدنان .. وجعلك الله من المجددين في علم التفسير ..وانت اهل لذلك ولانزكي على الله احد

        ** وانا ياشيخ عدنان لا اعتقد بالنسخ في ايات القران .. وأؤمن بان القران من لدن عليم حكيم لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. وان الله قد احكم اياته منذ نزولها فلا مبدل ولا مبطل لها من بعد .. وعلى المتعصبين الذين اعماهم التعصب والتقليد الذي حذر منه الله في كتابه فقال {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} .. فعليهم الاذعان للدليل الواضح البين من كتاب الله ولاتاخذهم العزة بالاثم، والاستغفار من القول بان في القران نسخ وابطال للاحكام والايات ..

        ** وانا قصدت بقول {يثبت} و {يمحو} .. ان الحكم يكون بالكتب المقدسة السابقة فيتم نسخه (نقله) الى القران فيكون هذا اثبات (ابقاء) الحكم معمول به في شريعة الاسلام .. وعدم نسخه ونقله للقران يكون محو له فلا يعمل به في شريعة الاسلام

        1. اخي ابا عبدالله
          النسخ في معلومنا ومفهومنا في اصله هو التكرار وليس الازالة ، والمعنى عندما نتبعه فينبغي حمله على معناه القريب قبل تصور معناه البعيد ، وعندما يقول تعالى : {ما ننسخ … أو ننسي} دل بكل وضوح على أن الأول يعني الاثبات والتكرار والثاني المحو والإغفال وأن الموضعين يقتضيان المغايرة وليس التكرار ، وإلا كيف يكون التخيير بين معنيين متكررين ؟؟.
          فالنسخ في أصله التكرار ولو حمل على هذا المعنى لنسفت عقيدة الإبطال من جذورها في نصف صفحة ، وإن تنكبنا المشاق ونزلنا عند فهمهم البعيد فلا يزال الامر الذي يبطلون به احكام الله عصياً عليهم غير متحقق ، والحقيقة انني في كل بحثي في هذه المسألة لم أقع على من فهم هذا الفهم السهل حتى من الذين دافعوا جزئيا عن كمالات القرآن فأسأل الله أن يجعلها لك وليجة لجوار حبيبه صلى الله عليه وسلم.
          واستميحك العذر في تحديث البحث والاشارة لما تفضلتم به ومصدره وأؤكد أنني ما نشرت ما تقرأ الا بحثا عن مثل هذه الومضات والفتوحات فأسأل الله أن يسدد رأيك ويجزل لك المثوبة ويفتح عليك فهم كتابه على مراده جلت قدرته.

  4. رد ^

    اولا : جزاك الله خير ياشيخ عدنان على دعواتك الطيبة لي .. واسأل الله ان يشملك وجميع المسلمين بما دعيت لي به من خير وان يوفقنا وجميع المسلمين للحق والصواب وان يزيدنا ايمان وفقه في القران ..

    ثانيا: فكما تفضلت ياشيخ عدنان، ان معنى “النسخ” تم تحريفه عن معناه الحقيقي ،، واقول انا ربما كان هذا التحريف مقصود ليواطيء ويعضد عقيدة من يؤمن بان في القران ابطال لبعض اياته! .. والغريب ان اهل اللغة تواطئو معهم اما خوفا من رميهم بالبدعة او دخلت عليهم عقيدة الابطال فاستحدثوا مصطلح “النسخ الشرعي” لتمرير وتسويغ التحريف بالمعنى الاصلي للكلمة “نسخ” !!

    فمعنى “النسخ”:
    التحويل والنقل ، ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحول وينقل من كتاب إلى كتاب .. والنسخ هنا : تكرار واثبات للمنسوخ

    و معنى ” النسخ” الحقيقي تقرر في القران .. قال الله تعالى: {هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ..
    فما هو موقف المبطلون من هذه الاية اذا اصروا على ان “النسخ” يعني الازالة والابطال! .. هل سيقولون بان الاية هنا {نستنسخ} معناها نبطل ونزيل ماكنتم تعملون ؟!

    والله تعالى أعلم وأحكم

  5. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أخي الفاضل عدنان اسأل الله ان تكون بخير وانا اكتب اليك هذا الرد:

    في أحدى الحوارات مع النصارى, اتوا ب(اية) من كتابهم يحتجون بها على “بنوة المسيح”, فرددت عليهم بان كتابهم محرف لايحتج به .. رد علي احدهم بسؤال: اذا كان محرف كما تدعون فاين النسخة الاصلية التي تثبت ذلك؟! فكان جوابي: القران الكريم .. فخنس النصراني ولم يجب بعدها او يسأل .. وكان بامكانه الرد علي بسؤال اخر: فماهو دليلكم من القران نفسه على ان القران ناسخ لما سبقه من الكتب التي انزلها الله .. اطلعونا على ايات تثبت وقوع (نسخ) بمعنى الكلمة من الكتب السابقة الى القران ؟! .. والسؤال هنا للمعطلين لايات الله .. ماهو جوابكم عليهم ؟!

    ** التوارة والانجيل والقران وجميع الكتب المقدسة التي انزلها الله مصدرها الاصل (ام الكتاب) وهي نسخ منه .. فالعقائد والايمانيات في جميع الكتب (التوراة,الانجيل, القران) نسخه واحده في التوراة ثم الانجيل ثم القران وجميع هذه العقائد والايمانيات هدى ورحمة تدعوا لتوحيد الله وافراده بالعبادة وتعظيمه وتنزيهه واقامة دينه وشرائعه وتدعوا للخير والصلاح والاصلاح, وتحارب الشرك والكفر .. والاحكام ينسخ الله مايشاء منها ويتثبتها من شريعة لشريعة ومن كتاب لكتاب ويمحو مايشاء منها رحمة وتخفيفاً ورفعاً لمشقة وعنده (ام الكتاب) مصدر النسخ الاول للكتب المقدسة .. قال الله تعالى {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ..

    قال الله تعالى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}

    قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ}

    قال الله تعالى {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}

    بقول الله تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} ..

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      حياك الله أخي عبدالرحمن ، سبحان الله ، في الوقت الذي كنت تكتب فيه هذا التعليق كنت اتسائل في نفسي عن احوالك فأسأل الله لك التوفيق والسداد

      إن إحدى المثالب التي يستخدمها أهل التنصيروأعداء الدين والقادحين في سلامة الوحي المطهر هو مسألة (النسخ) ولو أدرك العلماء وطلاب العلم والمشتغلين بأمر الدين لعلموا مدى خطورة القول بإبطال شرائع الله تحت مسمى النسخ وكيف أن ذلك حجة جاهزة يستعملها أولئك للرد على اتهامنا لهم باستطالة الايدي الى القرآن الكريم وابطالها لأحكامه وازالتها لآيات منه مع بقاء الحكم ، فكل ما يحيط بالنسخ من ظروف وأحوال ليس سوى مثلبة قذرة تجعل المنافح عن دين الله في حيرة من أمره فلا يجد ما يرد به عن كتاب الله.
      في حين أن كتاب الله برئ من كل تلك الترهات والاباطيل التي ادخلت وحشرت عمدا وبأيدي أعاجم متأخرين ذوي أصول فارسية وبعضهم أوضعوا في الدين ماليس فيه وقعَّدوا من القواعد والعقائد مالم يشرعه الله ولم يات به ، ولو تتبعنا مسألة الابطال المسماة بالنسخ لوجدنا أن ما يبرز لنا ونراه منها مجرد نزر يسير من الفحش ، فالأصل في المسألة سلسلة طويلة من الادعاءات بما فيها “الغرانيق العلى” وغيرها من دعاوى ضياع قرآن كثير ، وكل تلك الأباطيل التي تنسب آيات للقرآن ليست منه وتدعي دعاوى باطلة مخالفة لحقيقة تواتر كتاب الله وسلامته من الزيادة والنقصان.
      وللاستزادة يمكن الرجوع لجل كتب التفسير وعلوم القرآن ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتاب “معترك الأقران في إعجاز القرآن” للسيوطي ص94 الجزء الاول ومثله كثير يمكن العودة اليها ولا تكاد مصنفات علوم القرىن تخلو من تلك الترهات والله المستعان.

  6. جزاك الله خير أخي الفاضل عدنان على دعواتك الطيبة وسؤالك عن احوالنا التي ولله الحمد والفضل بخير .. واسأل الله التوفيق والسداد لنا جميعاً وللمسلمين,,

    كما تفضلت أخي المبارك ان ابطال شرائع الله تحت مسمى (النسخ) اصبح باب سهَل لدخول الشبهات على الدين وحجة لاهل الشبهات والضلال للطعن .. ولاحول ولاقوة الا بالله

    ** ويجدر ان ننوه هنا انه عندما اقول ان النسخ نقصد به النسخ للكتب والشرائع السابقة .. فانا اعني النسخ بمعناه الحقيقي (التكرار “الحفظ”) لا المعنى المتوهم (الابطال والازالة) فلا نعني مثلاً ان ما سبق من الشرائع التي انزلها الله باطلة او ابطلت وازيلت وانما نقول ان ماتم ابطاله وازالته هو التحريف الموجود فيها الذي لم يكن من كلام الله وتنزيله .. فكيف نقول ببطلان كتب وشرائع الله السابقة وهي كلام الله المنزل والحجة الباقية على من شرعت عليهم من الامم الخالية والتي سيحاسبون عليها في الاخرة … بل القول الذي نراه انها نُسخت وحُفظت من التحريف في خاتم الكتب المقدسة (القران الكريم) مصداقاً لقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ..

    > عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في تفسير قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 4]. قال: (المهيمن: الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله)
    وروي عنه أيضاً أنه قال: (وَمُهَيْمِنًا أي: حاكماً على ما قبله من الكتب)
    وقال قتادة رحمه الله: وَمُهَيْمِنًا أي: (أميناً وشاهداً على الكتب التي خلت قبله)
    وعن سعيد بن جبير رحمه الله أنه قال: (القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب)

    ** دين الله واحد منذ بدء الخلق هو “الاسلام” وماليهودية والنصرانية الا طوائف تفرقت على الاسلام الذي هو اصل شرائع الله

    {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}..

    {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}

    ** وفي الختام .. اذا كانت قلوبنا لاتطواعنا وليس لدينا دليل قطعي نستند عليه بابطال كتب وشرائع الله السابقة فكيف نجرىء على اعتقاد وقوع البطلان في ايات خاتم الكتب المقدسة (القران) الذي نُسخت وحُفظت وجُمعت فيه شرائع الله السابقة, اعتقاد بمجرد ظنون واقوال لانجزم حتى بصحتها ونسبتها عمن نقلت عنهم, فمن قال الكذب على رسل الله فلايعجزه الكذب على من دونهم ؟!

    * دعاء ..(اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

    هذا والله اعلم .. فان اصبت فمن الله وان اخطئت فمن نفسي والشيطان واستغفر الله العظيم واتوب اليه

    1. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ ((….ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَابْتَدَأَنِي فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ يَا عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ ثَلَاثِ سُوَرٍ أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ الْعَظِيمِ قَالَ قُلْتُ بَلَى جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ فَأَقْرَأَنِي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ يَا عُقْبَةُ لَا تَنْسَاهُنَّ وَلَا تَبِيتَ لَيْلَةً حَتَّى تَقْرَأَهُنَّ قَالَ فَمَا نَسِيتُهُنَّ مِنْ مُنْذُ قَالَ لَا تَنْسَاهُنَّ وَمَا بِتُّ لَيْلَةً قَطُّ حَتَّى أَقْرَأَهُنَّ….))

      عن واثلة بن الأسقع ،أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أعطيت مكان التوراة السبع، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلتُ بالمُفَصَّل))..

      * عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:(( من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر))

  7. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …

    استكمال لشرف الدفاع عن كتاب الله وتنزيهه عن اقوال المبطلين.. مع الاخ الفاضل عدنان

    من بعض ادلة وتبريرات القائلين ب (الابطال) الذي يسمى عندهم بمصطلح “النسخ” ..قولهم :
    ((النَّسخ لو لم يكن جائزًا وواقعًا لكانت الشرائع الأولى باقية، ولو كانت باقية ما ثبتت رسالتُه صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة))

    الرد عليهم:

    ومن قال بالدليل بان رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاءت لتنقض وتبطل كتب وشرائع الله السابقة ؟!

    **رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاءت لاظهار الدين الحق (الاسلام) الذي هو دين جميع الانبياء و اصل جميع الشرائع {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}, لا لتنقضه او تبطله ولكن اكتمل وتم بها الدين الحق فليس بعدها رسالة ولابعد نبينا محمد نبي ولارسول وليس مع او بعد (القران) كتاب تشريع {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} .. قال الله تعالى {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}

    هذا والله اعلم .. واستغفر الله العظيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه المصطفين الاخيار

    1. { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة:91]

      { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }[البقرة:97]

      { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ }[آل عمران:3]

      { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰمُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } [آل عمران:39]

      { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [آل عمران:50]

      { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا } [النساء:47]

      { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌوَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } [المائدة:46]

      { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًالِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [المائدة:48]

      { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } [فاطر:31]

      { قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ }[الأحقاف:30]

      { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } [الصف:6]

      لقد أتت الشرائع كلها في الأصل مصدقة لبعضها البعض وفي ذلك دلالة عظيمة وبرهان ساطع على أنها منبلجة من ام الكتاب ومن اله واحد ومشكاة واحدة ، يمحو الله منها ويثبت ، ينسخ وينسي ، إلا أنها في مجملها ثابتة بفرائضها وشرائعها .

      1. {هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ (24)} الانبياء

        {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ (12)} الأحقاف

  8. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,

    دائما مايحتج المبطلين بان قولهم هو قول (السلف) والجمهور! .. ويتهمون من ينفي باطلهم عن كتاب الله بانه حاد عن طريق السلف !؟

    والسؤال الموجه لهم.. هل قال احد من الأئمة (رحمهم الله) اصحاب المذاهب الاربعة بجواز النسخ في كتاب الله (هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)؟.. ومتى نشىء القول بالنسخ الذي هو بمعنى (الابطال) عندكم, ومن هم أئمتة؟

    *نرجوا من (المبطلين) الاجابة لنعرف ويعرف المسلمين من هم حقاً اتباع السلف الصالح في هذه المسألة

    1. لعلك أخي عبدالرحمن تطلع على هذا المنشور
      https://vb.tafsir.net/tafsir54291/
      ولو تصفحت القسم لوجدت عددا من المواضيع التي يستخدمونها للرفع واخفاء سلسلة ابطال القرآن الكريم وأي مواضيع تناقش المسألة يشغبون عليها بشدة ويرمون بابشع الاتهامات والله المستعان

  9. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,

    أخي عدنان قرأت الموضوع الذي ارفقت رابطه .. والذي عنوانه (هل يلزم من التدرج في الأحكام النسخ؟) كتبه الأخ الفاضل/ ناصر عبدالغفور .. هدانا الله واياه للحق .. وجاء فيه التالي:

    ((هل يلزم من التدرج في الأحكام النسخ، وقول الله تعالى:”يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا” نموذجا؟ )) انتهى

    ** وهذا جوابي عليه :

    قال الله تعالى ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ 109 سورة الكهف,
    وقال الله تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)﴾ سورة لقمان ..

    ايات الله فيها من الفوائد والمعاني والحكم والاحكام مايحتاج معه العلماء الى تأليف صفحات وربما مجلدات في هذه الكنوز من الفوائد والمعاني والحكم والاحكام المستخرجة من اية واحدة من ايات الله فكيف بها كلها .. وجهل احدهم بهذه الكنوز او بعضها في اية من ايات الله لايعطيه الحق والشرعية بالزام احد بجهله ومطالبته بالوقوف فيها عند مبلغ علمه هو (أي الجاهل) في كثير مما احتوته هذه الايات .. فما هي مثلاً الاحكام والفوائد التي استخرجتها انا كمسلم من ايات تحريم الخمر:

    1-القياس : علة تحريم الخمر انه (رزق غير حسن,الاثم واثمها اكبر من نفعها, تذهب بالعقل, رجس من عمل الشيطان) وبذلك اذا توفرت هذه العلة باي من الاطعمة والاشربة الحديثة يكون لها حكم الخمر…

    قال الله تعالى{وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)} سورة النحل

    {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)} سورة البقرة

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} الاية 43 سورة النساء
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} سورة المائدة

    2- الآيات ابتدأت ببيان “علة الحكم” تمهيداً قبل “تطبيق الحكم” في مجتمع حديث عهد بجاهلية .. وهو ما نفهم منه انه (تدرج بتطبيق الاحكام), اذ ان الخمر والربا حرام اصلاً في شريعة الله والكتب المقدسة السابقة ولم يكن حكم او تشريع جديد

    ** الخلاصة:
    * الفرق بين “التدرج بتطبيق الحكم” وبين “نسخ (ابطال) الحكم”؟

    “التدرج بتطبيق الحكم” هو مراحل تطبيق الحكم في المجتمعات الجاهلية او حديثة العهد بها , و”التدرج بتطبيق الحكم” لايحل حرام ولايحرم حلال ..

    اما ما يسمى “النسخ” الذي هو عند جماعة بمعنى “الابطال والازالة” .. فهو ابطال حكم بحكم وآية بآية .. وهو ليس من “التدرج” في شيء بل هو على النقيض ابطال لحكم (في القران) من كونه مباح او حلال الى محرم والعكس

    هذا والله اعلم .. واستغفر الله العظيم .. والصلاة والاسلام على خاتم الانبياء والمرسلين واله وصحبه المصطفين الاخيار

  10. لا مانع من نشر التعليق أخي عدنان ولك كامل الصلاحية بالتصرف فيه .. فمرادنا هو اظهار الحق بغض النظر عن قائله نحن او هم

  11. قال الله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)} سورة النحل

    أرى ان احدى تأويلات هذه الآية والله اعلم هي :

    الآية: تطلق على القران وكذلك الكتب السابقة قياسا بالقران .. قال تعالى{أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)} الشعراء

    * فالمقصود والله اعلم:

    * (بدلنا آية مكان آية) اي بدلنا القران كتاب تشريع مكان الكتب السابقة (التوراة والانجيل والزبور …)

  12. قال الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} .. الشاهد {يَسْأَلُونَكَ}، لو كان الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون يقينا حكم الخمر، ما سألوا ؟

  13. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,

    قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}

    زعموا ان قوله تعالى { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } قد نسخه قوله تعالى {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ؟!

    فقالوا بلا بينة ولا حجة ان الصيام كان في اوله على التخيير في الاية “المنسوخة” ثم جاء الامر بصومه في الاية “الناسخة” !

    والرد عليهم : نقول بان كلا الايتين جاءت بفرض الصيام .. الاية الاولى في سياق فرض “الصيام” في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .. والاية الثانية في سياق تعيين مدة و”شهر” الصيام {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}

    * عن ابن عباس [ قال ] نزلت هذه الآية : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ثم ضعف ، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا .

    * وهو اختيار البخاري فإنه قال : وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام ، فقد أطعم أنس بعد أن كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما ، وأفطر .

    وربما كانت شبهتهم ناتجة عن :

    لماذا لما تتكرر الاية { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كما تكررت الاية {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} في اية شهر الصيام 185..؟

    الجواب والله اعلم: لانها تعود على الصيام ذاته (يطيقونه) فلا مناسبة هنا لذكرها في آية تتحدث عن شهر الصيام “شهر رمضان”

    هذا والله اعلم .. فان اصبت فمن الله وان اخطئت فمن نفسي والشيطان واستغفر الله العظيم .. والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه المصطفين الاخيار

    1. احسن الله اليك ووفقك لكل خير
      لا شك أن موانع الصيام التي توجب القضاء هي المذكورة في الآية وهي الأسباب والموانع العارضة والطارئة التي ما تلبث أن تزول كالمرض والسفر ، والتي يلزم المكلف فيها القضاء .
      ولكن هناك موانع طويلة الأجل ودائمة يتعذر معها الأخذ بالقضاء وهذه الموانع ليست بسبب قصور الطاقة عن الصيام وذلك كالهرم الذي لا يرجى معه عودة القوة والشباب ، وكذلك مما استجد من نوازل العصر كسكان المناطق النائية شمالا والتي لا يبقى الليل فيها سوى برهة قصيرة فتجدهم يطيقون الصيام ولكنه يتم بمشقة عظيمة قد تفتن المكلف عن دينه ، وكذلك من النوازل الممكن انزالها في منزل الطاقة هو العمل الشاق الطويل الذي قد يؤدي تركه لضياع الضرورات ووقوع الفقر والفاقة والإصابة بالجوع جراء ترك العمل أو بالغ المشقة لتركه كأولئك الذين يكدحون في بلاد الكفار عملا مجهدا مرهقا لأبدانهم ولا يمكن معه الامتناع عن الطعام والصوم عن الشراب.
      فكل هؤلاء يختلفون في أحوالهم عمن لا يطيق الصيام كالمريض والمسافر ، ولذلك احتاج الفقهاء أن يدققون في المفاهيم القرآنية مصطحبين في منهجهم إمكان الجمع بين الأحكام واستحالة التعارض بين كتاب الله ، فإن لم يكن منهم ذلك فسوف يلجئون حتما القول بالنسخ ليس لوقوعه ولكن لاستغلاق المسألة على افهامهم.

      وقد تفاقمت مشكلة النسخ بدواعي غياب الفهم فتجد مئات الآيات تبطل بغباء حتى صارت جائحة الابطال تطال جل كتاب الله فطبقا لمنهجهم تجد أن قوله تعالى (إن الله يغفر الذنوب جميعا) منسوخة بقوله (إن الله لا يغفر أن يشرك به .. الآية) وقوله تعالى (والله غفور رحيم) منسوخة بقوله تعالى (والله شديد العقاب) فأي سخف وعبث نجد من صور النسخ لا يقل عبثا عما تقدم فلزم كل مسلم متدبر لكتاب الله أن يحارب جائحة الإبطال المدعاة بالنسخ بكل ما أوتي من قوة والله غالب على أمره وصلى اللهم على محمد.

      1. حياك الله اخي الفاضل عدنان ..

        اقتباس ((فسوف يلجئون حتما القول بالنسخ ليس لوقوعه ولكن لاستغلاق المسألة على افهامهم)) .. صدقت فان النسخ الذي هو بمعنى الابطال منشأه “عقلي” عند اهل الابطال وليس بنص قطعي .. فحين عجزت عقولهم عن الجمع بين ايات الله وفق مراد الله , جعلوا عجز عقولهم دليلهم ! ولا نقول الا غفر الله لنا ولهم وهدانا واياهم للحق المبين ..

        * ونصيحتنا لهم بان لايقفوا ماليس لهم به علم الا الظن .. ونوجهم لقول الرسول صى الله عليه وسلم ((نضَّرَ الله عبدًا سَمِع مقالتي فوعاها، فبَلَّغها مَن لَم يَسْمعها، فرُبَّ حامل فِقْه إلى مَن هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فِقْه لا فِقْهَ له، ثلاث لا يغلُّ عليهنَّ قلبُ المؤمن: إخلاص العمَل لله، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإنَّ دعوتهم تكون من ورائهم)).

    2. من الدلالات البينة للنص القرآني استعمال (عدة من أيام أخر) في الوقت الذي يتحدث الشارع الحكيم عن شهر من الصيام ، فدل ذلك أن القضاء يكون للمرض والسفر الذي يكون دون الشهر فيبلغ أياما لا يتجاوزها لما فوق مدة الفريضة.
      فلو كانت مرضا لا يرجى برئه حالة لا يعلم وقت نهايتها كمن يداوم على دواء تركه يسبب وفاته أو تفاقم حاله كأدوية السرطان أو القلب أو سواه من الاسقام فلا يدخل في آية العدة لأنها لن تتحقق وقد تستمر مع المكلف تلك الحالة المزمنة حتى وفاته ، هنا وجب فهم دقائق المفردة القرآنية ودلالاتها لنتمكن من تحديد التشريع بدقة.

    3. استكمال للجواب على السؤال (الافتراضي) لماذ الاية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} لم تتكرر في آية (شهر رمضان) كما تكررت الاية {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} …

      قلنا ان الآية جاءت في سياق آية فرض “الصيام” .. فيكون الضمير عائد على الصيام في قوله تعالى ( الذين يطيقونه) .. فالمعنى اذن متعلق بمشقة في فعل الصيام ذاته سواء في شهر فرض الصيام “رمضان” او الصيام في باقي الشهور (قضاء) .. بينما الآية (١٨٥) الاخرى تتحدث عن مدة هذا الصيام وهو (شهر) وتعيين هذا الشهر ب”شهر رمضان”، فلم تتكرر الاية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} .. ولكن جاء مكانها قول الله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } كتفسير وتأكيد لقوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} في الآية السابقة (١٨٤) ..

      ** ولعل معنى “يطيقونه” اي يبذلون طاقه اكبر في الصيام اكثر من الشخص الطبيعي وذلك لوجود مشقة ملازمه لمشقة الصيام كهرم وعجز او مرض لايرجوا برؤه .. المسافر مثلا يطيق الصيام ولكن لتلازم مشقة السفر مع مشقة الصيام جاءته الرخصة بتأخير الصيام، وتم الزامه بقضائه بعد رمضان لكون مشقته طارئه بعكس من كانت مشقته دائمه وملازمه كالمريض الذي لايرجى برؤه او الانسان الهرم …

      هذا والله اعلم .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

  14. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

    اطلعت على احدى الردود في هذا الرابط
    https://vb.tafsir.net/tafsir54291

    والذي وجه فيه “الأخ سبيع” بعض الاسئلة .. ساوردها هنا مع الجواب عليها :

    * قلت لنا:فأتى الحكم بأن إثمهما أكبر من نفعهما فامتنع عدد من الصحابة عن شربها تجنبا لهذا الأثم.
    لماذا لم يتجنبها باقى الصحابة؟

    الجواب: تجده في هذا السؤال .. لماذا امتنع عدد من الصحابة عن شرب الخمر بعد نزول الآية (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} ؟

    * لماذا لم يردههم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: سبحان الله وهل القران ينزل على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! الم تكن الاية بيان وبلاغ من رسول الله عن ربه ؟ اليس رسول الله اعلم بمراد الله ؟

    * وما حكم من مات منهم رضوان الله عليهم جميعا وهى فى بطونهم يومى بدر وأحد؟

    الجواب: ماهو حكم من مات من الصحابة قبل استكمال نزول الاحكام والفرائض ؟

    * وهل رفع الجناح عنهم أم لا؟
    * وهل يرفع الجناح اليوم عن أهل التقوى والإحسان فى هذا المنكر أم لا؟

    الجواب:
    قال الله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } …

    قوله تعالى {فِيمَا طَعِمُوا} يدل على الماضي (فيما مضى) .. فتدبر !
    فالاية تدل صراحة بان الله قد رفع الجناح عمن طَعِمُوا قبل بيان حكم الخمر صراحة .. والاية تتحدث فيما مضى وليس فيما هو مستقبل ..

    هذا والله اعلم .. والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه

    1. الفاروق عمر وابن عباس وعلي رضي الله عنهم .. ماذا كان ردهم على من تؤول الآية بانها دليل تحليل الخمر ؟!

      {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}

      روى الدارقطني قال : حدثنا أبو الحسن علي بن محمد المصري ، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف ، حدثني سعيد بن عفير ، حدثني يحيى بن فليح بن سليمان ، قال : حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس : أن الشراب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي ، ثم كان عمر من بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد ; قال : لم تجلدني ؟ بيني وبينك كتاب الله ! فقال عمر : وفي أي كتاب الله تجد ألا أجلدك ؟ فقال له : إن الله تعالى يقول في كتابه : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية . فأنا من الذين آمنوا وعملوا [ ص: 225 ] الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ; شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها ; فقال عمر : ألا تردون عليه ما يقول ; فقال ابن عباس : إن هؤلاء الآيات أنزلت عذرا لمن غبر ، وحجة على الناس ; لأن الله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الآية ; ثم قرأ حتى أنفذ الآية الأخرى ; فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، الآية ; فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر ; فقال عمر : صدقت ماذا ترون ؟ فقال علي رضي الله عنه : إنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون جلدة ; فأمر به عمر فجلد ثمانين جلدة

      ** قال ابن عباس : إن هؤلاء الآيات أنزلت “عذرا” لمن غبر .. وقد اقره عمر وعلي رضي الله عنهم جميعا .. قال “عذر” لمن غبر، ولم يقل انها “احلت” لمن غبر ثم نسخت (ابطلت) .. و”العذر” ان شربهم كان قبل نزول الحكم صراحة بالتحريم

      والله اعلم

      1. مناورات غبية
        يدرك ويعلم ان حكم قوله تعالى {ليس على الذين آمنوا جناح فيما طعموا} أن حكمها في حق الصحابة قائم حتى قيام الساعة ولم ينقلب ولا يبطل فعندما يقفون بين يدي الله يحين فعل هذه الآية فيغفر الله لهم تناول الخمر الذي تجرعوه قبل التأثيم والتحريم ، وهم يعلمون ذلك ولكن الجدال العقيم سعيا لإبطال احكام الله تثبيت فرية النسخ اعمت اعينهم عن الحق ، وإلا فهم كمن يقول بأن قوله تعالى {إن الله يغفر الذنوب جميعا} منسوخة ومبطلة بقوله {إن الله لا يغفر أن يشرك به} بهذا المستوى من الجهل والسطحية والعبث بآيات الله أبطلوا ٣٠٠ آية فضربوا كتاب الله بعضه ببعض ولو اتبعنا أهوائهم بذات الطريقة لأبطلنا ثلاثة أرباع الكتاب فحسبنا الله ونعم الوكيل.
        ، سأترك لهم الوقت لعلهم يرجعون

        1. بارك الله فيك ورفع الله من قدرك في الدنيا والاخرة جزاء دفاعك عن كتاب الله وتحملك في سبيل ذلك مشقة من اذى وسب من المفترين ..

          * اضافة الى ماتفضلت به حول الآية ..

          فان في الاية “حكم” هو “العذر بالجهل” وهو “عام” لجميع المؤمنين وهو باقي وصالح الى قيام الساعة.. فكل من جهل حكم في مسألة فهو معذور حتى يبلغه العلم في حكمها .. وهي مرجع لفقه النوازل .. فمثلا : “المخدرات” كان الناس يجهلون حكمها فتره من الزمان فلم تبين للفقهاء حكمها بالقياس قالوا بحرمتها .. والسؤال لهم (المبطلين).. ماهو حكم من كان يتعاطى المخدرات بانواعها قبل ان يبين ويظهر الفقهاء حرمتها ؟

          والله اعلم .. والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه

  15. قال وهيب بن الورد: قيل لرجل ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي.
    وصحب رجل رجلا شهرين فلم يره نائما فقال: مالي لا أراك نائما قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي ما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في أخرى.

    *********************

    قال الله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }

    * {فِيمَا طَعِمُوا} صيغة تدل على ما مضى (طَعِمُوا) فعل ماضي .. ولو كان الفعل مضارع (يطعمون)، او جاءت {فِيمَا طَعِمُوا} مسبوقه بقول {إِذَا مَا اتَّقَوا} او لم تأتي بعدها {اتَّقَوا} وكذلك لم تتكرر {اتَّقَوا} ولم تقترن مع الايمان {اتَّقَوا وَّآمَنُوا}، او وقفت الاية عند قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} .. لوجد اهل الشبهات والشهوات منفذ لباطلهم لتحريف معناها لصالح شبهاتهم وشهواتهم والتي منها “شبهة الابطال” (الذي يسمونه زورا النسخ)، او شبهة “تحليل الحرام” لاهل التقى والايمان والاحسان فقط من دون المسلمين ! وايضا متجاوزين بشبهتهم هذه على (عدل الله مع عباده في الاحكام )! ..

    ولكن أَنَّىٰ لهم ذلك وقد احكم الله تعالى آياته (وهذه الاية مثال) فلم ولن يجد باطلهم منفذ للطعن والتحريف بالمعنى الذي اراده الله في كتابه، وذلك مصداقا لقوله تعالى {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} ..

    ** التفصيل في ذلك:

    * في اول الاية قال الله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} .. خلت من الفعل (اتَّقَوا) ليدل ذلك على رفع الجناح في الفتره ماقبل البلاغ او العلم بالتحريم (الجهل بالحكم) .. فلم يكن الحكم حينها حاضر ليتقوا “الحرام” (اي شرب الخمر).. وجاء بعدها مباشرة { إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} دل على استمرار (رفع الجناح) من حالة (الجهل بالحكم) الى حالة (العلم بالحكم) ولكن بزيادة شرط فيها وهو اتقاء (الحرام) بعد ان ارتفع الجهل به مع وجوب استمرار (الايمان بالله) وعمل الصالحات (الطاعات) تقييد حتى لايتجاوز رفع الجناح الى من ترك (الايمان) و ترك عمل (الطاعات) اذا ما اتقى هذا (الحرام) فقط..

    * ثم قال الله تعالى {ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .. دل ايضا على استمرار (رفع الجناح) وعلى الترقي في التقوى، فبعد ان {اتَّقَوا} (الحرام الصريح الذي نزل فيه حكم) ارتقوا الى اتقاء (الشبهات) {ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا} اي تركوا مافيه شبهة حرام، وهنا نقف وقفة تدبرية لنستحضر الايات التي نزلت بالتدريج لتبين علة تحريم الخمر ومافيها من الاثم والشر تمهيدا قبل نزول الحكم صراحة بالاجتناب (لمن لم يشربها بعد) والانتهاء (لمن كان يشربها ومازال) فكأن في هذه الاية تذكير بها على سبيل الموعظة والارشاد والتوجيه للعمل بها بعد ان رفع الجناح فيما مضى ..

    * ويستمر الترقي في التقوى في قوله تعالى {ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .. وهنا وصلوا الى غاية درجات التقى وهي درجة “الاحسان” باتقائهم (المكروهات) فقابل الله احسانهم باحسان فزاد (محبه) لهم على غيرهم ممن لم يبلغوا هذه الدرجة ..

    * تكررت (التقوى) مقترنه ب (الايمان) في الايات .. لنستخرج ونستنبط منها انه لاتقوى لمن لا ايمان له، فيخرج من حكمها من اتقى هذه المحرمات وهو على غير دين الاسلام كاليهود والنصارى .. وكذلك يخرج من حكمها من اتقى هذه المحرمات لشرها وضررها وليس عن (ايمان بالله واتباع لدينه) ..

    * الآية نزلت في الخمر وفي الصحابة الذين شربوها قبل نزول حكمها صراحة بالاجتناب والانتهاء .. ومع ذلك الاية لم تشر للخمر بالاسم واكتفت بالمدلول العام ( فيما طعموا)..ولم تشر ايضا لهؤلاء الصحابة تحديدا واكتفت بالمدلول العام (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)..مما يدل على ان الحكم (العذر بالجهل) عام لمن طعم الخمر بجهاله، وغيرها مما لم يعلم حكمه بعد، ثم علم متأخرا، وان العمل به باقي..

    * {وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} تكررت فقط مرتين بينما {اتَّقَوا} تكررت (٣ مرات) تقريبا في كل الآية ماعدا في بدايتها .. السبب لأن مناسبة الآية “حكم” وهو “تحريم” (الخمر) .. واغلب الشبهات ان لم تكن كلها تدور حول تحليل الحرام فناسب هنا تكرار التقوى .. وكذلك ربما لان استحلال المحرمات فيها تعدي الى الغير بالشر والضرر .

    * ختام: هذا “بعض ماعلمته” من الآية ولا ازعم انه “كل” مافيها من “العلم” ..

    هذا والله اعلم ..فان اصبت فمن الله وان اخطئت فمن نفسي والشيطان..واستغفر الله العظيم..والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه

  16. * ما معنى آية ؟

    الآية / الآيات : ورد معناها في القران بمعنى العلامة / العلامات الداله على صدق الرسل وصدق ما جاءوا به من الرسالة .. او العلامات الكونية الدالة على وجود الله وقدرته .. فلو تتبعنا كلمة (آية) في القران لوجدناها تدل على هذا المعنى .. على سبيل المثال نذكر بعضها:

    {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ﴿٣٧ الأنعام﴾

    {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} ﴿٣٧ الأنعام﴾

    {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} ﴿١٠٩ الأنعام﴾

    {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} ﴿٤ الأنعام﴾

    {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِين}َ ﴿4 الشعراء﴾

    {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} ﴿48 الزخرف﴾

    {وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} ﴿20 الفتح﴾

    {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} ﴿2 القمر﴾

    {وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُ9لْ} ﴿٦٤ هود﴾

    {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّار}ِ ﴿39 البقرة﴾

    {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}

    * هل ورد اطلاق معنى (آية) على كتاب من كتب الله ؟

    قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)} سورة الشعراء

    الشاهد {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَة}

    لاشك ان القران والكتب السابقة المنزلة على رسل الله هي آيات من آيات الله (علامة) تدل على صدق الرسالة التي جاء بها الرسل وانها الحق ..

    ***

    * المقدمات اعلاه كانت لأجل نتدبر المعنى المراد والمقصود في (آية النسخ) ..

    قال الله تعالى:
    {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(106) سورة البقرة

    ولفهم المراد من الآية فعلينا اولا الرجوع للايات التي قبلها والتي بعدها .. والتي كانت تتحدث عن عدم مودة الكفار من (اهل الكتاب) والمشركين ان “ينزل” على المسلمين من خير من ربهم حسدا من عند انفسهم بعدما تبين لهم الحق من ربهم ..
    قال الله تعالى {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم}ِ (105) سورة البقرة

    وقال تعالى في سياق الايات التي بعدها وهي الاية رقم (١٠٩)

    {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (109) سورة البقرة

    ** لعله يتبين لنا ان (آية النسخ) ليس المعنى فيها (نسخ) ايات القران بعضها ببعض وانما المعنى يشير لنسخ (القران) للكتب السابقة ونقصد هنا بالنسخ ان (القران) حل (مكان) الكتب السابقة بالتشريع (بمعنى ان ما انزل الله على رسله من شرائع في الكتب السابقة (نقلت) الى القران) ..

    وبالعودة لتدبر آية (النسخ) .. يتضح لنا المعنى اكثر:

    * ماننسخ (نكرر) (“من” اية) اي بعض (الكتب المنزلة السابقة) .. او ننسها (اي انساء هذه الكتب بالكلية) .. نأتي بخير منها (القران) او مثلها .. (خير منها او مثلها) والله اعلم ليست تخيير بل تأكيد ان القران خير من اي كتاب سبقه، ومثله في ما احتوى من الاحكام والفرائض والاخبار على الاجمال ..

    * ولماذا لايكون المقصود بالآية (آية كونية)؟!

    الجواب: ان كلمة (نسخ) منعت ذلك المعنى لانها لاتأتي الا مع الاشارة للكتب والكتابة ..
    قال الله تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (١٢) سورة الإسراء

    الشاهد (فمحونا) .. فلم تكن بلفظ (نسخنا)

    هذا والله اعلم .. فان اصبت فمن الله وان اخطئت فمن نفسي والشيطان .. واستغفر الله العظيم

    1. كلام دقيق وهام للغاية
      فصرف مفردة الآية إلى آيات القرآن في حين أنها اشتهرت للإشارة للآيات الكونية والعموم العلامات الدالة على الحق فلو فرضنا جدلا أن المقصود بالنسخ هو الإزالة – كما يحتجون بإجماع العلماء على هذا المفهوم – فلا يلزم أن المزال هو من القرآن الكريم والأولى صرف المعنى عن القرآن وليس إليه.

      ولو كان الدارس طالبا للحق منفتحا على فهم كتاب الله بمعزل عما ورثه من السابقين فلعله يقتنع بأن النسخ هنا إلى التكرار أقرب منه إلى الإزالة ذلك الإزالة أشير لها بالانساء فلا معنى للتخيير بين أمرين يفيدان نفس المعنى (ننسخ أو ننسها) فهذا بلا شك يوجب المغايرة بين المفردتين والتناقض بين المعنيين ، فالنسخ هو إثبات ، والانساء هو محو وبالتالي فالاثبات يعني التكرار بين الشرائع وهو المتفق اصلا مع مفهوم المفردة والمتفق مع تعريفها (نسخت الشمس الظل) اي كررت الجسم بعكس صورة وظل طبق الاصل من الجسم الاصلي ، ولم يحدث أن الشمس أزالت الظل بل أظهرته وأثبتت وجوده.
      والله اعلم

      1. بارك الله فيك أخي الفاضل عدنان ..

        نعم فان كلمة (نُنسِهَا) احكمت كلمة (نسخ) من حيث تأكيد المعنى المراد وهو (التكرار والاثبات) ..

        وقوله تعالى :{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} الضمير عائد على (الآية) الكتب التي نسخ مافيها من الشرائع (كررت واثبتت) او الكتب التي (انسيت) فان الله أتى بخير منها وهو (القران) ومثلها كتاب تشريع فيما احتوى من العقائد والفرائض والاحكام على الاجمال .. {هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ} (24)الانبياء

        * للأسف بعض المبطلين عمدوا الى الايات التي انزلت حجة ورد على اهل الكتاب والمشركين, فانزلوها على القران وجعلوها حجة على المسلمين المتمسكين بالقول بان (القران محكم, كل آياته واجب العمل بها واتباعها) ! ولاحول ولا قوة الا بالله .. هدانا الله واياهم للحق وغفر الله لنا ولهم

        والله اعلم

  17. ** قال الامام بن حزم الظاهري “المتوفي سنة 456هـ : ((والأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد، (جهل) الأسماء ، ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال))

    ويقول الإمام ابن حزم الظاهري “المتوفى سنة 456هـ”: (لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين، لأن الله عز وجل، يقول:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}, وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}, فكل ما أنـزل الله في القرآن، وعلى لسان نبيه فرض اتباعه. فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ، فقد أوجب أن لا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم اتباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة، وخلاف مكشوف إلى أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفتر مبطل…)

    ** ليس هو ابن حزم صاحب كتاب (معرفة الناسخ والمنسوخ) الذي توفي قبله في سنة (320هـ) .. بل هو بن حزم الامام المعروف رحمه الله.. كان ينادي بالتمسك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة ورفض ما عدا ذلك في دين الله.. *(كان ابن القيم شديد التتبع لآثار وكتب ابن حزم، وكان يصفه بمنجنيق العرب) *(ابو عبدالرحمن الظاهري)

    1. الهوى اخي الحبيب هو الكارثة التي منينا بها ، فلو كررنا كلام ابن حزم لقالوا من انت حتى تقول هذا القول ، فإن قلنا قاله فلان لأجابوا ان ذلك لا يتعارض مع إجماع السلف على وقوع الابطال.

      وهناك العشرات من طلبة العلم والعلماء يقرون بما نقول ويراسلوني مؤيدين واتعجب لماذا يصمتون ؟
      يحملون درجات علمية ويخشون على مناصبهم والله أحق أن يخشوه لو كانوا مؤمنين.

      1. الصدع بالحق عزيز في وقتنا الحاضر الذي اصبح التفقه في الدين وتعلمه لأجل المنصب والمال, او وجاهه اجتماعية(تقليد للسائد في المجتمع سواء حق او خلافه) .. العلماء الحقيقيين مغيبين عن المشهد لانهم لاينطقون الا بالحق ولا يخشون الا الله ..

  18. {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (187) سورة البقرة.

    * الروايات في سبب نزول هذه الاية .. تبدء بصيغة (كان) (كانوا) الصحابة اذا نام احدهم في الليل امتنع عن الاكل والشرب واتيان النساء .. فلم يُذكر في هذه الروايات معنى يشير الى انهم امروا بهذا .. مما يدل على ان هذا الامتناع كان اجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم لشدة تقواهم وحرصهم على الطاعة .. حتى اكل او أتى احد هؤلاء الصحابة امرأته يضن انها لم تنم .. فشق عليهم ذلك لظنيتهم انهم اتوا محرم .. فانزل الله هذه الاية تبين ان الله (أحل) لهم ذلك (ليلة الصيام) وان فعلهم (اجتهادهم) بالامتناع عن الاكل والشرب واتيان نساءهم كان (ظلم لانفسهم) حين منعوها حقها الذي كتبه الله لهم, ولكن الله سبحانه اخبار انه تاب عليهم في هذا الاجتهاد الذي كانوا يبتغون فيه وجه الله .. ثم امرهم الله باتيان ما أحله الله لهم (ليلة الصيام) وابتغاء ماكتبه الله لهم بعد ان بيَن لهم بطلان اجتهادهم هذا (الامتناع عن الاكل والشرب واتيان النساء ليلة الصيام).. ثم بيَن لهم (زمن الصيام) الذي يحرم فيه ذلك (الاكل والشرب واتيان النساء)..

    والله اعلم .. فان اصبت فمن الله وان اخطئت فمن نفسي والشيطان .. واستغفر الله العظيم

    1. الصوم في الديانة اليهودية :-
      بقلم الباحثة شيماء سعيد
      الصوم هو ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام وتستخدم اللغة العبرية لفظين للصوم لفظ صوم وهو اسم مشتق من الفعل الاجوف صام ويعنى ترك الطعام والشراب واللفظ الثاني هو ” تعنيت ” وهو اسم مشتق من الفعل “عنا” ويعنى أذل وعذب ، وقهر وهو في الديانة اليهودية ، أحد الطقوس المهمة التي جاء ذكرها في التوراة ووضعت له التوراة اوقات خاصة في السنة وقد جاء ذكر انواع متعددة من الصوم في كتب الانبياء وكان المقصود من الصوم هو الامتناع عن الطعام والشراب ، كما صاحب هذا ايضا إذلال للنفس والتواضع كما شمل ايضا احيانا الصمت وعدم الكلام او القيام بأي عمل في بعض المناسبات، أغراض الصوم
      كان الصوم ولبس المسوح والتذلل بالإضافة الى كونها طقوس دينية خاصة بالعبادة للوصول الى رضى الرب ، وتعبيرا عن الحزن والحداد عند موت الاقارب أو عند وقوع الحوادث الطبيعية واوقات الخطر أو عند استدرار المطر وطلب عطف الرب كما يشير العهد القديم أن الصوم لم يقتصر على البشر فقط بل تعداهم الى الحيوانات ايضا وذلك وفقا لما جاء في سفر يونا ” بأمرا من الملك ونبلائه ، يمتنع الناس عن الاكل والشراب وكذلك البهائم والغنم والبقر لا ترع ولا تشرب ماء . وعلى جميع الناس والبهائم أن يرتدوا المسوح ، متضرعين إلى الله تائبين عن طرقهم الشريرة وعما ارتكبوه من ظلم ،لعل الرب يرجع عن احتدام سخطه فلا نهلك ” يونا 3:7-8″
      مواعيد الصوم
      لم تكن هناك قواعد تحكم الصيام الفردي كما في الصيام الجماعي حيث حددت نظم ومواعيد وقواعد معينة له ، وكان ذلك مرتبطا بتجمعات قبلية، للتعجيل بالتوبة ،
      الصوم المفروض
      يعد يوم الغفران هو يوم الصيام المفروض على بني اسرائيل وفقا لما جاء في التوراة فهو مناسبة خاصة ويسمى يوم جهاد النفس والغرض منه يكون التكفير عن الذنوب الشخصية والصيام فيه يجسد الخضوع والتوبة وطلب الفصح وغفران الذنوب ، ويعتبر هذا اليوم بنص التوراة على لسان موسى هو يوم الفرض الوحيد وباقي الايام اختيارية فجاء في سفر اللاوين ” وقال الرب لموسى ويكون اليوم العاشر من هذا الشهر السابع بوم كفارة ، تحتفلون فيه احتفالا مقدسا ، وتذللون نفوسكم ، وتقربون محرقات للرب وتتوقفون فيه ايضا عن اعمالكم لا نه يوم كفارة للتكفير عنكم ،امام الرب الهكم ، وكل نفسا لا تتذلل في هذا اليوم تستاصل من بين شعوبها وأبيد كل من لا يتوقف عن عمله في هذا اليوم إياكم القيام بأي عملا ما ،أنها فريضة دائمة عليكم جيلا بعد جيل حيث تقيمون إنه سبت راحة لكم تتذللون فيه ، فتستريحون من مساء اليوم التاسع حتى مساء اليوم التالي ” سفر اللاويين 23:27-32″
      مدة الصوم
      يبدأ الصوم عند غروب الشمس في اليوم السابق ليوم الصوم ويستمر حتى بعد غروب شمس يوم الصوم بحوالي نصف ساعة ويحدد بداية الخروج من وقت الصوم وظهور أول نجم في السماء وبذلك يؤذن بالإفطار .
      ونرى ان الصوم جاء في مواقع عدية من العهد القديم حيث اشار العهد القديم الى ان اليهود يلجأون الى الصوم عادة تقربا الى الله ولقضا امور معينة ولذلك يمتنعون عن الطعام والشراب وملذات الحياة من اجل رضى الرب .
      طقوس الصوم
      لم يطرأ اي تغير على العادات والطقوس التى اتبعها اليهود في عصر التلمود
      فظلت سائدة على النحو الذي عرفها من السلف في فترة العهد القديم وفي فترة المعبد الاول ، حرص بنو اسرائيل على تقديم الاضاحي والقرابين في ايام صيامهم ، كما كانوا يؤيدون الصلاة ويعترفون بخطاياهم ومنذ فترة المعبد الثاني فصاعد ، التزموا بقراءة سفر الشريعة أثناء صيامهم
      كما كانوا في ايام الصيام المفروضة عليهم يؤدون خمس صلوات وهي ، صلاة الفجر ، وصلاة الظهيرة ، وصلاة العصر ، وصلاة نعليت شعاريم وهي صلاة تصلي بعد العصر ووقت قروب غروب الشمس ” تشبة صلاة المغرب وهذه الصلاة تصلى يوم الغفران .
      وصلاة المساء وهي من المساء الى ان تتم ظلمة الليل الكاملة اى ما يقابل وقت العشاء عند المسلمين
      انواع الصيام في اليهودية :-
      هناك انواع مختلفة من الصوم في اليهودية ، منها صيام الفرد والجمهور والقصير ، والطويل والبسيط والشديد ، والاصل في الصيام أن الصائم لا يأكل ولا يشرب طيلة فترة زمنية معينة وفي الصيام الشديد يحرم كذلك انتعال الصندل والاستحمام والجماع ويبدأ الصيام القصير من بزوغ فجر يوم الصيام ويستمر حتى ظهور النجوم ويبدأ الصيام الطويل من المساء السابق مع الغروب وبصفة عامة لا يوجد صيام في السبت ، واذا حل في السبت يؤجلون الصيام للغد ، ويوم الغفران يوم صوم بهذا المفهوم ياتي في السبت ،حيث أته على الرغم من أنه يشبه في تحريمات الملذات للصيام فإنه يعد عيدا ، ويوجد صيام محدد ويوجد صيام وقت الشدة والضيق ، والصيام الخاص الذي يتعهد به إنسان يجب عليه أن يتعهد به وقت صلاة المنحاة ، كما ميز بني اسرائيل بين نوعين من الصيام ،صوم عارض وصوم يتكرر كل عام في ايام بعينها ويعد صوم الغفران من النوع الذي يتكرر كل عام كما اعتبرت بنى اسرائيل، والصوم الذي فرضه علماء الشريعة عند الحاجة هو العارض كما اضاف علماء التلمود نوعا آخر من الصوم وهو الصوم الفردي مثل صوم الحالم وبهذا فان للصوم نوعيين صوم فردي وصوم جماعي وهذا النوع من الصيام يصومه الجمهور اي كل شعب اسرائيل في مكان معين ويعد صيام الجمهور اشد من صيام الفرد ويعد ايضا شديد وطويل وكانوا يضيفون اليه ست بركات لصلاة الثمان عشر بركة ويضيفون ايضا كذلك صلاة ختامية ومن هذا النوع صيام التاسع من آب
      والجدير بالذكر ان الصوم يعد ركنا مهما في ديانات الشعوب القديمة والمعاصرة فكان موجود لدى الشعوب التى تمتلك حضارات قديمة كما انه ايضا موجود لدى القبائل البدائية والمنعزلة كما انه يحتل ركنا مهم في الديانات السماوية فجاء في القرآن الكريم ” يايها الذين امنو كتب عليكم الصيام ” اما بنى اسرائيل فيصوم رغم ان الفرض هو يوم الغفران الا انهم يصوموا في مناسبا كثيرة ومما لا شك فيه أن الصوم كان معروف عندهم منذ أقدم فترات التاريخ، ويبدوا ان الصوم كان جزء من نظام عام للزهد والتقشف عند بني اسرائيل لذلك استخدم العهد القديم لفظ “عنيت” للدلالة على الصوم وهو يعنى اذلال النفس ووفقا لما جاء في العهد القديم فان داود الملك كان يصوم بالامتناع عن الاكل وكان يحرص طول فترة صيامه على النوم على الارض وعدم تبديل ملابسه وبالامتناع عن الغسل والمسح بالزيت .
      انواع الصيام التى اعدها الفقهاء :-
      1 – الصيام الأربعيني الموسوي ويشير العهد القديم ان موسى عليه السلام اقام في صحراء سيناء صائما أربعين يوما وبعدها عاد الى قومه بالشريعة ولكن يبدو ان العهد القديم لم يفرض هذا الصيام على عامة الشعب الاسرائيلي ويبدو ان هذا الصيام كان من اجل التقرب الى الله وتلقي الوحي
      2 – الصوم في فترة السبى وما قبله كان يوم الصيام الوحيد الذي فرضته التوراة قبل ايام السبي هو يوم الغفران ويعد هذا اليوم وهو اليوم العاشر من شهر تشري هو يوم دخول جيوش نبوخد نصر الى اورشليم وتدمير المدينة والمعبد وسبي عدد كبير من اليهود
      3- صوم استير
      وهو اليوم الثالث عشر من اذار وهو يرتبط ارتباط وثيق بعيد البوريم وجدير بالذكر ان معظم اليهود لا يصومون في ذلك اليومويربطون احتفالهم بهذا اليوم بذكرى عودتهم من السبي
      4 – الصوم في فترة المعبد الثاني وهذا النوع من الصوم كان بغرض التقشف خاصة بين النساء وكان يصوم هذا اليوم من لهم منزله عند الرب
      5 – الصوم الذي اقره الفقهاء في الشريعة ومنه الاول من نيسان وهو ذكرى موت إبني هارون ، والسادس والعشرون من نيسان وهو ذكرى وفاه يشوع بن نون ، والثامن والعشرون من آيار وهو ذكرى وفاة صموئيل النبي ، والاول من آب وهو ذكرى وفاة الكاهن الكبير هارون ، والسادس عشر من تشرى وهو اليوم الذي قضى فيه على الذي عبدوا العجل الذهبي من بني اسرائيل، والسابع من أذار وهو ذكرى وفاة موسى عليه السلام
      6- الصوم التطوعي في يوم الاثنين والخميس
      7- صوم ايام خاصة وهو صوم خاص يتعلق بالشخص فقط ومن هذا النوع صوم اليوم السابع لعيد الفصح ، صوم العروس والعريس في يوم زفافهم ، وعند نفادي الشخص للحلام المزعجة ، وهذا الصيام يقوم به من حلم حلما سيئا، ويرغب أن يبطله عن طريق الصيام في اليوم نفسه ويباح ان يكون هذا اليوم يوم السبت والعيد كذلك ولكن من طقوس هذا الصيام انه يصوم يوما اضافي اخر اذا صام يوم السبت ككفارة ليوم السبت ، وهذا الصيام يتعلق برغبه الحالم نفسه.
      اسباب الصوم
      1 – حلول مواقيت عادية دورية كحلول فصول السنة أو شهر من شهورها .
      2- حوادث الوفاة ومناسبات الحداد وقد مارس المصريون القدماء هذا النوع من الطقوس في الحداد حيث كانوا يحيطون الثيران المتوفية برعاية خاصة.
      3- بلوغ الانسان سنا معينة أو مجاورته مرحلة من مراحل حياته مثل وصوله سن البلوغ .
      4- التكفير عن بعض الذنوب المقصودة أو غير المقصودة .
      5 – طلب لسمو الروح من اجل إلهامها المعلومات ، او الاطلاع على الغيب .
      6- دفع ضرر فردي أو جماعي ، مثل الامراض أو الاوبئة ، او القحط .
      7 – حلول ظواهر فلكية غير عادية ككسوف و الخسوف.
      المصادر :-
      1 – العهد القديم
      2 – الصوم في اليهودية دراسة مقارنة ، د. محمد الهواري ، الطبعة الاولى 1988.
      3 – الفكر العقيدي اليهود موسوعة تختصر محتوى أجاء المشنا الستة ،د.سامي محمود الامام ، جامعة الازهر كلية اللغات والترجمة
      4 – العقيدة الدينية والنظم التشريعية عند اليهود كما يصورها العهد القديم ، د.ألفت محمد إمام ، مكتبة سعيد رأفت .
      5 – الشعائر اليهودية الجزء الاول النجاسة وكيفية الطهارة الصلاة والدعاء والصوم والحج ، د. ليلي ابراهيم أبو المجد ، كلية الاداب جامعة عين شمس
      6- معجم المصطلحات التلمودية ، الحاخام عادين شتيزلتس، ترجمة د. مصطفى عبد المعبود سيد ، مركز الدراسات الشرقية ، جامعة القاهرة .

    2. احسن الله اليك وفتح عليك
      وهناك احتمال آخر ، فقد أوردتُ الدراسة المبينة لصفة صيام اليهود والذي كانوا يمتنعون فيه عن الجماع للدلالة على هيمنة الشريعة اليهودية على العبادات كالقبلة والصيام وكذلك الصلاة ، وأن الله جل وعلا أثبت منها ونسخ ما نسخ ومحا منها وأنسا ما أنسا ، فتاب الله عليهم وعفا عنهم وأبدل ماهم عليه من حكم بحكم جديد وانسى الحكم الذي كانوا عليه كما أنسى قبلتهم الأولى وابدلهم بسواها.
      ولم يؤثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه بالامتناع عن الجماع اثناء الصيام ولم يرد في كتابه الكريم أمر كهذا فيقال أبطلت الآية بآية مثلها ، فدل الأمر على أن الصحابة تواطئوا على أمر جمعوا عليه فكانوا يفطرون بغروب الشمس ولكنهم يستمرون في الامتناع عن الجماع برغم اتيان الطعام والشراب.

      1. جزاك الله خير ..

        * كل الاحتمالات التي فيها “تزكية للصحابة رضوان الله عليهم” واردة ..

  19. بسم الله الرحمن الرحيم
    أرجومنك أخي عدنان المعذره في اختلافي معكم هذه المرة في موضوع الناسخ والمنسوخ . وهو موضوع شائك وشيق وإليك مختصر لرأي فيه وهو:
    إن تحليل حديث السيدة عائشة الآتي والذي أحسبه حديثاً بليغاً قد أوضح الاستراتيجية التي تم بها تنزيل الرسالة لتحقيق الهدف منها وهو عبادة الله وحده واجتناب الطاغوت. والحديث هو: (إن أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندعو الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنى أبداً).
    تحليل الحديث
    إن حديث السيدة عائشة رضي الله عنها به توضيح كاف لمحكم ومتشابه كل من الآيتين 23 الزمر و7 آل عمران، وهو: ( إن أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندعو الخمر أبداً ، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا:لا ندع الزنى أبداً ).
    وبالتمعن في هذا الحديث يستنبط الآتي:
    1- إن قول السيدة عائشة: ” إن أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام” يشير إلى أن الكتاب قد أنزل على مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة الأخبار عن وجود إله واحد أحد الذي يجب على الناس عبادته وحده وطلب المغفرة منه وحده. والمرحلة الثانية هي مرحلة التكليف أي الأحكام والأوامر والنواهي لقولها: “حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام” أي أن الحلال والحرام نزلا بعد أن أخذت المرحلة الأولى وقتها وأعتنق الناس الإسلام.
    ومن هنا نصل إلى أن المرحلة الأولى هي التي أنزل الله فيها أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني. أي أنها المرحلة التي أخبر فيها الناس بأعظم الحديث وهو وحدانية الله. فهي إذاً مرحلة الأخبار عن العقيدة والتي تخلو من الأحكام. إذاً المرحلة الأولى تخص الآية 23 الزمر.
    2- إن قول السيدة عائشة: “إن أول ما نزل منه سورة من المفصل”، يستنبط منه أيضاً أن أول ما نزل من السور في كتاب العقيدة كان غير مفصل أي غير واضح المعنى ولم يكن فيه ذكر الجنة والنار. وإن أول ما نزل سورة من المفصل أي من السور الطويلة المفسرة للمحكم جاء فيها ذكر الجنة والنار. وبتعبير آخر: أن كتاب العقيدة قد أنزل بدوره على مرحلتين: المرحلة الأولى، كانت سورها وآياتها قصار غير واضحات المعنى أي”محكمات المعنى”. والمرحلة الثانية أنزلت فيها السور والآيات الطوال المفسرات للآيات القصار وموضحات لمعانيهن أي “المفصلات”. حيث أوضح حديث السيدة عائشة أن أحسن الحديث الذي أنزل كتاباً متشابهاً مثاني هو الذي أحكمت آياته ثم فصلت. أي هو كتاب العقيدة الذي تنقسم آياته إلى محكم قصير غير واضح المعنى ومفصل طويل واضح المعنى. وآياته قصارها وطوالها متشابهة في المعنى. وبما أنهن يتحدثن عن التوحيد وبصورة متكررة ومتشابهة فهن إذاً مثنيات أي مؤكدات لوحدانية الله عزَّ وجلَّ. وبذلك يكون هو الكتاب المتشابه المثاني الذي تحدثت عنه الآية 23 الزمر.
    ثالثاً: إن قول السيدة عائشة: “ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندع الخمر أبداً…” يشير إلى أن كتاب الأحكام قد أنزل أيضاً على مرحلتين: أولاً:مرحلة تنزيل كتاب المحكم أي الأحكام الواضحات الدلالة الذي لا لبس في حكمه وهو كتاب الفرائض والأوامر والنواهي “كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة” والحلال البيِّن بصريح العبارة (أحل لكم) والحرام البين بصريح العبارة(حُرِّم عليكم أو لا يحل لكم)، وثانياً: مرحلة المتشابه في حكمه أي أن حكمه لم يكن واضحاً لتشابه الحلال والحرام فيه. وقد تدرج الله في منعه نسبة لإدمان الناس له كشرب الخمر والزنى. بمعنى أنه لم يمنع من أول مرة لقول السيدة عائشة: “ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندع الخمر أبداً…” . وقد أوضح صبحي الصالح السبب في هذا التدرج بقوله1: ” وتدرج في تربية المؤمنين، فلم يزين قلوبهم بحلية الإيمان الصادق، والعبادة الخالصة، والخلق السمح، إلا بعد أن مهد لذلك بتقبيح تقاليدهم الباطلة وعقائدهم الفاسدة شيئاً فشيئاً…)
    ولهذا نزل الحكم في الخمر والزنى والربا متشابهاً. أي أن هنالك تشابهاً بين الحلال والحرام في حكمهم. وهو تعريف العلماء للتشابه الذي جاء فيه : أن يشبه أحد الشيئين الآخر والشبه هو ألا يتميز أحد الشيئين عن الآخر لما بينهما من التشابه عيناً كان أو معنىً. والشيئان في هذه الحالة هما الحلال والحرام. وهو التشابه الذي تحدثت عنه الآية 7 آل عمران.
    وبناءً على هذه الاستنتاجات نصل إلى أن الكتاب قد أنزل على مرحلتين. وكل مرحلة قد
    أنزلت بدورها على جزأين. ففي المرحلة الأولى ينزل الجزء الأول محكماً ثم يفصل تدريجياً في الجزء الثاني. وفي المرحلة الثانية تنزل الأحكام بتشابه في حكمها هل هوالحلال أم الحرام وينزل محكمها الذي يوضح حكمها وينسخ حكم المرحلة الأولى.
    ولكن هنالك فرق بين محكمات الآية 23 الزمر ومحكمات الآية 7 آل عمران. كما أن هنالك فرق بين متشابهات الآية 23 الزمر”كتاباً متشابهاً مثاني” ومتشابهات الآية 7 آل عمران “أخر
    متشابهات”.
    الفرق بين محكمات ومتشابهات مرحلتي الأخبار والأحكام
    محكمات العقيدة محكمات الأحكام
    – أول ما أنزل في كتاب العقيدة – أول ما أنزل في كتاب الأحكام
    – مجملات غير واضحات المعنى – واضحات المعنى لا لبس فيهن
    – لا ناسخات ولا منسوخات – ناسخات
    متشابهات العقيدة متشابهات الأحكام
    – يتشابه فيهن الكلام ويتماثل – يتشابه فيهن “الحلال والحرام”
    – أنزلن بعد محكماتهن – أنزلن قبل محكماتهن
    – واضحات المعنى والدلالة – غير واضحات المعنى والدلالة
    – يؤمن الناس بهن ويعملون بهن – يؤمن الناس بهن ولا يعملون بهن
    – غير منسوخات – منسوخات
    – تنجذب إليهن قلوب المؤمنين – تنجذب إليهن قلوب المنافقين
    عليه أعتقد أن عدم الوصول لوجود نوعين من المحكمات ووجود نوعين من المتشابهات هو الذي أدى إلى اختلاف العلماء في الناسخ والمنسوخ وصعوبة تحديد المحكمات والمتشابهات المنسوخات والله أعلم.
    فالناسخ والمنسوخ له ثقله في القرآن حيث أنزله الله في مجال محدد وبهدف محدد. أما الهدف منه فهو النهي عن حب الشهوات تدريجياً لتعارضها مع عبادة الله. والسبب في النهي عنها تدريجياً هو ادمان الرجال لتلك الشهوات في زمن الجاهلية الذي أدى للتعدي على حقوق الضعفاء من النساء والأطفال واليتامى والعبيد. ولما أراد الله أن ينهيهم عن حب الشهوات والانشغال بها عن عبادة الله التي خلقوا من أجلها، أنزل الله حكم النهي عنها متدرجاً لعدم مقدرة الرجال النهي عما أدمنوه من اول وهله بناءً على ما أوضحه صبحي الصالح بقوله: (رأينا أن الوحي لم يفاجئ المؤمنين بالتشريع، بل نزل نجوماً على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، يتدرج مع الأحداث والوقائع، وأن هذا التدرج تناول العادات الشعورية والتقاليد الاجتماعية) وأوضحه حديث السيدة عائشة. وقد أعددت دليلاً لمعرفة الآية إن كان حكمها منسوخاً أم لا مبنياً على معالم الآيات المتشابهات المنسوخات فأنزل الله الحكم أول الأمر إباحة مؤقتة مقيدة بشرط يصعب استيفاؤه مع الإباحة. وذلك ليعلم الناس أن الشرط يتعارض مع الاباحة كتعارض شرب الخمر مع الصلاة وآدائها بالطريقة الصحيحة. فاشتبه الحلال والحرام عليهم لأن الاباحة توحي بالحلال وصعوبة استيفاء الشرط توحي بالحرام. فصاروا يستفتون الرسول صلى الله عليه وسلم في الحكم المطلوب، هل شرب الخمر حلال أم حرام فتنزل الآيات موضحة لهم أن في شرب الخمر ولعب الميسر منافع للناس ولكن فيهما إثم. وفي نهاية الأمر ينزل الله النهي عن شرب الخمر وينسخ حكم الاباحة الأول بعد أن يتم علاج الناس من الادمان تدريجياً. فلو نهوا من أول مرة لما استطاعوا تركها لما ورد في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها:( ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لن ندعو الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنى أبداً).
    وبنفس الطريقة أبيح أكل الربا بشرط عدم مضاعفته وتدرجت الآيات موضحة قبح أكل الربا
    وتضاربه مع الصدقات إلى أن تم النهي عنه. وبالاضافة إلى التدرج في النهي عن شرب الخمر ولعب الميسر، تم التدرج في النهي عن بعض حب الشهوات المذكوره في الآية 14 آل عمران في آيات منسوخة تدريجياً وهي الزواج من أكثر من امرأة (أي إن الآية 3 النساء منسوخة بالآيات 127-131 النساء) كما تم النهي تدريجياً عن أكل مال اليتيم.
    فالنسخ إذاً هو جزء من استراتيجية تنزيل الرسالات ليتحقق الهدف منها وهو عبادة الله واجتناب الطاغوت.
    ا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مشاركة

مقالات اخرى

ذو القرنين الذي أتاه الله من كل شيء سبباً (1)

كتبه : زائر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء ذكر ذي القرنين في سورة الكهف كجواب على أسئلة اليهود الثلاث التي أمروا كفار قريش أن يسٱلوها النبي كتحدي له وتعجيز فسألوه عن : الروح وعن فتية ذهبوا في الدهر الاول

المزيد »

دَعْوى مَشْرُوْعِيّة مُتْعَةُ النِّسَاء

  في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 24 [النساء] القائلون بوقوع

المزيد »