مَرَاتِبُ الدِّيْن ، مَفَاهِيْمُهَا فِيْ ضَوْءِ القُرْآنِ الكَريْم وَ السُّنّة المُطهَّرة (7)

مَرَاتِبُ الدِّيْن ، مَفَاهِيْمُهَا فِيْ ضَوْءِ القُرْآنِ الكَريْم وَ السُّنّة المُطهَّرة (7)

التصنيف الصوفي للعوام والخواص

إن أهل التصوف هم أكثر الطوائف استفادة من هذا المفهوم التصنيفي ، فحجتهم حاضرة عندما تستنكر عليهم رفع الأولياء لمقامات عالية وما يحيط بذلك التنزيه من صرف لصور من الدعاء والعبادات لغير الله ، فيحتجون بأن الدين درجات أدناها الإسلام وهو للعوام ، فالإيمان وهو أخص وأرقى ، أما الإحسان فهو مرتبة عظيمة لا يصلها إلا الأولياء والخلص من الخلق ، فيضعون مشايخهم وأقطابهم في تلك الدرجة ، فكيف لك وقتئذٍ أن تتقبل فكرة نقض ما أقررت به بقلبك وتعلمته منذ طفولتك ؟.

ففي كتاب “التراث والتغير الاجتماعي  (أطلس دراسات التراث الشعبي) لمصطفى جاد ، وهو بحث خاص لدراسة أولياء الصحراء الغربية في الساحل الشمالي لأفريقيا وكيفية صناعة الولي والمرتكزات الاساسية التي استعملت في ترسيخ اعتقادات الصوفية في تلك المجتمعات ومن خلال عرض الطريقة البرهانية وهي احدى الطرق الصوفية يبين البحث في الصفحة 111 دور مراتب الدين في ترسيخ مفهوم الارتقاء والعلو الصوفي للأولياء من خلال الوصول لمرتبة الإحسان العالية فيتمتع حينئذٍ الولي بطاقات خارقة ومقامات فارقة لا ينالها أي أحد.

وجاء في الجزء الثاني من كتاب النصائح  للامام الصوفي أبي العباس أحمد زروق الفاسي البرنسي الصادر من دار الكتب العلمية في الصفحة 287 ما نصه :

ثم اعلم أن مراتب السلوك إلى منازل الملوك ثلاثة : الإسلام والإيمان والإحسان فالإسلام أول مراتب الدين لعامة المؤمنين ثم الإيمان أول مدارج القلب لخاصة المؤمنين ثم الإحسان اول معارج الروح لخاص المقربين. اهـ

أقول : يتبين لنا كيف تم توظيف هذه الفكرة لدعم مبدا التفاضل والتمايز بين العوام والخواص وأن هذا الأصل إنما فهم بهذه الصورة لتبرير مسائل الولاية التي تقوم عليها الصوفية بطرقها المتعددة فإن نقضت انهدمت الفكرة الصوفية من أحد أركانها.

وفي كتاب الكواكب الزاهرة في اجتماع الأولياء يقظة بسيد الدنيا والآخرة (صلى الله عليه وسلم) لمؤلفه عبدالقادر بن الحسين بن مغيزل الشاذلي الصوفي يقول تحت عنوان “تأويل المقدسي لمراتب السلوك” : قال الشيخ عبدالسلام المقدسي في مفاتيح الكنوز ما نصه:  اعلم مراتب السلوك إلى منازل الملوك ثلاثة : الإسلام والإيمان والإحسان فالإسلام أول مراتب الدين لعامة المؤمنين ثم الإيمان أول مدارج القلب لخاصة المؤمنين ثم الإحسان اول معارج الروح لخاص المقربين ، اهـ ، ويقول في الصفحة (294)قال شيخنا العارف بالله سيدي محمد المغربي : هذا جامع بين الحقيقة والشريعة لأن قوله صلى الله عليه وسلم (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ) فهذا من علوم المكاشفة المحضة عند أرباب الحقائق بخلاف قوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فهذا مجرد علوم المعاملة التي لا تتم إلا بعلوم المكاشفة كما صرح به الغزالي رحمه الله في باب التوحيد لأن المكاشفة من علوم الباطن التي لابد للسالكين منها ولا غنى للسائرين عنها.. الى آخر كلامه.

وقد جاء في سلسلة الأنوار الإلهية : رياض الرقائق وحياض الحقائق على صلاة القطب الفائق عبد السلام بن مشيش للدكتور محمد بن محمد المهدي التمسماني  في الصفحة 69 :

(الأسرار) أي المعارف الإلهية . والناس أهل إسلام وإيمان وإحسان واهل الإحسان أهل المراقبة والمشاهدة ، وأصل جميعها العلم المشرف في القلب ، المظهر لجميع الحقائق ، ما اكتسب الناس ذلك إلا منه عليه الصلاة والسلام ، فمراتب السلوك ثلاثة : الإسلام والإيمان والإحسان ، فالأول مراتب الدين لعامة المؤمنين والثاني مدارج القلب لخاصة المؤمنين والثالث مدارج الروح لخاصة المقربين . وقد كانت هذه الأسرار التوحيدية قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بحرا طامسا وسماء عابسا فبنوره ظهرت وكانت الانوار الإيمانية محجوبة بظلام الكفر فبسره صلى الله عليه وسلم أشرقت بعدما كانت القلوب غافلة والارواح جاهلة فنبه صلى الله عليه وسلم لما كانت القلوب غافلة ، وعلم الأرواح لماكانت له جاهلة. انتهى.

في كتاب الإحسان لأحمد شوقي والصادر عن دار أدباء 2000 للنشر والتوزيع في الصفحة (24) مرتبة الإحسان تلك هي ثالث مستويات الوعي الانساني واكثرها صلة بالله ، الوعي الروحاني المتزن

ويقول تحت ذلك البيان : الإحسان هو أن تصبح روحك وروح الله متحدتين اتحادا تماما فتصير تتعبد الى الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك هو سبحانه والإحسان هو أساس تقوى الله وبوصولك له يعني أنك ارتقيت لقمة النجاح والفلاح فكونك في هذه المرتبة فلا يضيرك شيء من خلق الله  الخ.

وفي كتاب “مقامات الولاية و أحوال الأولياء” لقاسم أحمد عقلان في الصفحة 150 يقرر بأن مرتبة الإحسان فهي آداب خاصة بالعارفين ، بينما أدب مرتبة الإيمان فهي آداب خاصة بعامة المؤمنين ثم فصل بين المرتبتين بجدول متواز من الصفات في كل مرتبة .

وفي كتاب : الفيوضات المحمدية على الطريقة الرفاعية لفواز بن بشار بن سعيد محيي الدين يقول في الصفحة 11:

إذن مرتبة الإحسان غاية كل صادق في طاعة الله عز وجل ومبتغاه ومناه ومن نعمة الله عز وجل علينا أنه تحقق في هذه المرتبة الكثير من الرجال والنساء من هذه الأمة المباركة المرحومة فكانوا أسوة لمن بعدهم قدوة حسنة لمن أراد أن يقتفي أثرهم ومن ابرز وأشهر هؤلاء الرجال هو الإمام الشيخ الكبير إمامنا وقدوتنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه . ا. هـ.

وأختم هنا بما يقول الشيخ عبدالله بن جبرين في شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري :

هكذا فسر هذه الخصال الثلاث الإسلام ،والإيمان ، والإحسان.

ذكر العلماء أن أوسعها هي مرتبة الإسلام ، وأهل الإيمان خلاصة أهل الإسلام أما أهل الإحسان فهم خلاصة الخلاصة ، يعني صفوتهم ، فالصفوة والخلاصة هم أهل الإحسان فكل من كان محسنا فإنه مسلم ومؤمن ، وكل من كان مؤمناً فإنه مسلم ، وليس كل مسلم مؤمناً وليس كل مؤمن محسناً ، ومن فاتته مرتبة الإحسان قيل : هذا مسلم مؤمن ، ومن فاتته مرتبة الإيمان قيل هذا مسلم ، فمن حصل على الإسلام فاته أن يكون من أهل الإيمان ومن أهل الإحسان ، وأما إذا حصل على الإحسان فإنه قد حاز جميع المراتب ، هذا هو الجمع بينها إذا جمع بينها.

انتهى كلامه.

فما وجه الاختلاف بين غلاة المتصوفة وأهل السلف في هذا المفهوم الطبقي ؟؟ ، فالمفهوم ذات المفهوم ، والخيارات للمرء مفتوحة ، فبإمكانه أن يكون مسلماً فقط وممكن أن يتطور فيصير مؤمناً مسلماً ، ومن الممكن أن يصل إلى الطبقة الخارقة فيصبح محسناً ، فتأمل رعاك الله في هذا القول العجيب والتمس لي العذر إن شعرت بالأسى والحزن لما نحن فيه من تمييع وفهم مقلوب لدين الله.

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مشاركة

مقالات اخرى

ذو القرنين الذي أتاه الله من كل شيء سبباً (1)

كتبه : زائر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء ذكر ذي القرنين في سورة الكهف كجواب على أسئلة اليهود الثلاث التي أمروا كفار قريش أن يسٱلوها النبي كتحدي له وتعجيز فسألوه عن : الروح وعن فتية ذهبوا في الدهر الاول

المزيد »

دَعْوى مَشْرُوْعِيّة مُتْعَةُ النِّسَاء

  في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 24 [النساء] القائلون بوقوع

المزيد »