بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سبق لي ان نشرت رؤية عن ثلاث مفردات قرآنية هامة وهي (المكر ، الكيد ، والخداع) وهي مفردات ,وردت في كتاب الله في حق الكفار والمنافقين والمشركين من جهة واستخدمت منسوبة إلى الله جل وعلا من جهة أخرى فقيل على سبيل المشاكلة وقيل غير ذلك ولكنني عندما كتبت ذلك البحث كنت في طور البحث والتنقيب عما أفاد به السلف الصالح وعلماؤنا الأجلاء من علماء اللغة والتفسير وعلوم الشريعة والملة عامة ففوجئت بوجود خلط كبير في مفاهيم تلك المفردات الثلاث واجزم بأن قصور فهم تلك المفردات يؤثر على الاعتقاد عامة لما في نسبة تلك الأفعال لله جل وعلا ، ولعل حذر العلماء من الإغراق في تفصيل المسألة جعل هذا المجال فقيراً ويعتريهِ نقصٌ كبير ومغالطات عديدة ، ومن صور تلك المغالطات عدم تصدي العلماء لإيجاد فروق واضحة بين المفردات الثلاث ، وقيام بعضهم بتعريف بعضها ببعض في معرض التعريف كأن يعرف المكر بأنه المخادعة كما جاء في لسان العرب وغير ذلك من المصنفات وأرجو التوفيق من الله وحده والعون والنصح من كل مسلم إن ما وجد ما يرد هذا القول فليردني إلى الحق ، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وهو وحده سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.
منهج العرض والاستدلال
اجتهدت أن أثبت ما ذهبت إليه بكتابِ الله وأستدل بدلالات الآيات البيّنات ، وقد تجد عدد من آيات القرآن الكريم كلها تقود لذلك المعنى المحدد فلا شك انه فضل من الله جل وعلا أن هدانا لذلك وعندما رجعنا لكتب اللغة اختلف بعضها عما ورد في كتاب الله فهنا لا نشك جميعا أن المرجع إذن كتاب الله جل وعلا فما خالفه تركناه.
عرَّفت كلاً من المكرِ والكيدِ والخداع ثم عززتُ كلّ تعريفٍ بالشواهدِ القرآنيةِ التي تثبتُ وتؤيدُ هذا التعريف مع يقيني بأن كل مفردة تختلف عن الأخرى فالقاعدة أن القرآن الكريم منزه عن الحشو والترادف والتكرار فمن عرَّف هذه بتلك فيخشى أن يكون ذلك نسبة للقرآن تلك المنقصة والعياذ بالله بطريق غير مباشر .
مايجب الاصطلاح عليه من التعريفات للمفردات الثلاث.
وهنا سوف أورد تعريف كل مفردة ليتمكن القارئ من التفريق بينها ويعلم اختلاف كل مفردة عن الأخرى في هذا المبحث ثم انطلق لكل مفردة لأدلل على ما ذهبت إليه من كتاب الله تعالى.
المكر : إرَادَةُ وتَدْبِيرُ فِعْلٍ خَفِيّ بِحَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمُ بِمَا يُرَادُ بِهِ وَلَمْ يَحْتَسِب أنْ يَأتِيهِ هَذَاَ الفِعْلُ مِنْ حَيْثُ أتَىَ مِنْه بِصُورَتِه ِتلك.
وهو : إرَادَةُ المَاكِرِ فِعْلُ السُّوءِ باِلمَمْكُورِ بِهِ فِيْ غَفْلَة ٍمِنْهُ عَمّا يُرَاَدُ بِهِ وَعَدَمُ حَذَرِهِ مِنْ شرٍّ يَأتيِهِ مِنْ جِهَةِ المَاكِرْ.
الخداع : هو تَدْبِيرُ فِعْلٍ خَفِيّ يقومُ بهِ الخادعُ لإيقاعِ الضررِ والشرّ بالمخدوعِ من حيثُ لم يحذر ويتنبه ، كأن يرقب المخدوع قدوم السوء من باب فيفجأه من باب آخر، وعداوة الخادع والمخدوع ظاهرة وكلاهما يتربص بالآخر.
الكيد : كل تَدْبِيرٍ لِفِعْلٍ خَفِيِّ أو ظَاهر يريدُ مِنهُ الكاَئِد دَفعُ المكيدِ أنْ يرتكبَ عملا ًسيئا ًأو جرماً وذنباً بإرادتهِ بدونِ جَبرٍ او إرغام.
وقد يظن ظان أن كلا من الخديعة والمكر متشابهان ومتماثلان ولكن لو أمعنت النظر لوجدتهما مختلفان ومتغايران ، فالممكور به لا يحتسب أن يأتي من الماكر سوء ولكن المخدوع عداوته ظاهره وتربصهما معلوم ولكنه ينتظر السوء ويتحسب له من طريق فيفجأه من طريق آخر.
وفي العرض التالي ينبغي علي أن آتي بما يؤيد ما ذهبت إليه من كتاب الله تعالى ولنثبت أنه لا ينبغي استخدام أي مفردة من المفردات الثلاث في التعريف بمفردة أخرى او شرحها فكل منها تختلف عن أختها وإن كن يشتركن في (الحيلة وخفاء الفعل المدبر) ولكن تبرز بعدها اختلافات في كل فعل عن سواه.
ولا يمكن أن نقول أن المكر والكيد والخداع شر أو خير ، بل كلها حالات لها أركان إذا تحققت سميت مكراً أو كيداً أو خداعاً ، أما الخير والشر فما يكون شراً على أحد قد يكون خيرا على ضده ، فخديعة العدو في الحرب خير للمؤمنين شر على الكافرين والعكس صحيح وقس عليها بقية الأفعال ، فعند التأصيل للمسألة ينبغي علينا أولا أن نعلم أن كل حالة من تلك الحالات لها أركان كما أسلفت إذا تحققت سمّي كل أمرٍ باسمه ، ولكن البشر ربطوها في أذهانهم بالشر لأن كل ما يدبر في الخفاء من البشرِ شرّ في معظمهِ فاصطبغت بتلك الصبغة وصارت ذميمة في نظر الناس.
أولا : المكر ، شواهده واستدلالاته .
قلنا أن تعريف المكر (مايجب الاصطلاح عليه) : إرادةُ وتدبيرِ فعلٍ خفيّ بحقِ من لم يعلم بما يراد بهِ ولم يحتسب أن يأتيهِ هذا الفعل من حيث أتى منه.
وهو : إرادة الماكر فعل السوء بالممكور به في غفلة منه عما يراد به وعدم حذره من شر يأتيه من جهة الماكر.
وهنا نستحضر شواهد ذلك في كتاب الله على سبيل المثال:
-
يقول تعالى في سورة يوسف :
(ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) يوسف:102
وهنا يصح أن يسمى فعل إخوة يوسف مكراً وليس خداعاً أو كيداً لأنهم تخفوا في فعلهم المشين بحق أخيهم ، وأخاهم آمنٌ من أن يأتيهِ من قبل إخوته سوءاً أو أذىً فانطبقت عليه معايير المكر بدقة.
-
قال تعالى في قصة السحرة مع فرعون:
(قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌمَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) الأعراف:123
هذا الموقف العجيب لفرعون مع سحرته الذين حشدهم ليواجهوا موسى عليه السلام فاعتبرهم من جنوده ومن عدّته التي أعدّها ليفشل دعوة موسى ويثبت ربوبيته من دون الله ففوجئ مفاجأة صاعقة بموقف السحرة حينما رأوا ما فعله موسى عليه السلام فخروا ساجدين فكان هذا الفعل مفاجأة قاسية لفرعون فاعتبر ما حدث (مكر) متفق عليه مسبقا بينهم وبين موسى في غفلة من فرعون ليفجأوه بما يسوءه.
-
الله جل وعلا يقول
{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال:30]
يبين الله جل وعلا لنبيه ما يحاك من مكر ضده في الخفاء ويعدد نتائج مكرهم الذي يمكرونه ضد نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد يقول قائل كيف يسميه الله مكرا وهو معلوم للممكور به ؟ ونقول هنا إن الكفار يظنون أن مكرهم غير معلوم لله لكفرهم اصلا بالله ولكن الله هنا يخبر نبيه ليفشل مكرهم وليثبت المصطفى وتشتد عزيمته عندما يعلم بعون الله له وإفشاله لمكر الكافرين.
-
يقول الله جل وعلا عن مؤمن آل فرعون:
36 تعليق
شرح مفصل و واضح للخداع والمكر والكيد والفرق بينهم
جزاك الله خير
بحث جيد بارك الله لك جهدت أن أرى من فرق بينها تفصيلا حتى وجدت كلماتك جزاك الله خيرا أخوك أبو رزان المصري
من الفروق اللغوية بين المكر والكيد أن الكيد يتعدى بنفسه بخلاف المكر فيتعدى بالحرف وهذا يقوي جانب الكيد على المكر ولو رتبت الفروق الجوهرية بين كل منها في آخر البحث في نقاط محددة لكان جيدا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي الكريم
أولا : فشكر الله لك مرورك الكريم وتقبل منا ومنكم صالح القول والعمل
ثانيا: فلا يمكن أن يقارن في القوة بين المكر والكيد والخداع لأنها ليست من جنس واحد ومن المعلوم بأن تقوية شئ على شئ لا يمكن ان كانا ليسا من جنس واحد ولا مجال للمقارنة فيمكن ان يمكر ماكر بصورة اشد وقعا واشرس من كيد كائد ، ولكن يكون التمايز بالقوة والضعف بين كيد وكيد او مكر ومكر فيقال ان كيد النساء اقوى من كيد الشيطان بالمعنى الذي فصلناه اعلاه ، او يقال ان مكر فلان اشد من مكر فلان.
ثالثا فالفروق الجوهرية في الحقيقة اوضحت اختصارا واجمالا في اول البحث ومنها انطلقنا للتفصيل ولا يمنع ان يعاد توضيح أوسع في آخر البحث لاجمال ما تم التوصل اليه.
أما ما تفضلت به من قول ان الكيد يتعدى بنفسه والمكر يتعدى بالحرف فلم افهم المراد من ذلك فحبذا لو اوضحت مع ملاحظة اكررها وهي (في رأيي المتواضع) أن لا ينبغي مقارنة اثنين ليسا من جنس واحد.
بارك الله فيك
الأخ الفاضل عدنان الغامدي ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أود ان أعبر عن إعجابي وتقديري بالبحث الجميل الذي اضطلعت عليه عن مفهوم الفاظ (المكر والكيد والخداع) في القرآن الكريم ، وإبراز التمايز بينها بشكل واضح بالمقارنة والمعنى المقصود بكل منها مع إيراد الأدلة بالخصوص.
أتمنى لكم التوفيق والمزيد من هذه الأبحاث القيمة.
وفقكم الله ،،،
أخوكم عدنان العزة/ ابو المأمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله لكم ابا مأمون مروركم العطر واسال الله ان يجعل اعمالنا واعمالكم خالصة لوجهه الكريم
ولكم تحياتي والسلام عليكم
السلام عليكم الأخ الفاضل عدنان الغامدي, لقد وجدت في بحثكم ما لم أجد في غيره وأحسبه كلاما صادقا صحيحا ولقد إستنرت به
جازاك الله عنا خيرا
يتعدى بحرف يعني “لي” أو “علي” مثال . “ربي امكر لي ولا تمكر علي”
بارك الله فيك وشكر لك تعقيبك ، وكل ما ارجوه من علمائنا الافاضل تصويبنا او مناقشتنا فيما كتب فإن وجدنا الحق في سواه اتبعناه وان كان حقا ما كتب فالحمدلله، وفقنا الله جميعا لفهم كتابه على الوجه الذي يرضيه
ااسلام عليكم
يا ذا الطلعة البهية ، إليك مني خالص التحية ،
صورتك مع مجسم دب جرأة وعلم وأدب ممن أحبك في الله كل الحب.
عدنان العزة/ ابو مأمون
اخى الحبيب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- زادك الله تعالى علما ونفع بك وجعل كل ماكتبته فى ميزان حسناتك
اكرمك الله اخي علي وشكر لك مرورك
الله يقويك ….. مشكور جدا على الجهد والعطاء العلمي لما فيه من افادة و وضع النقاط على الحروف
مشكور جدا ونرجو منكم ان تقدمون بحث عن الاعجاز القراني
جزاك الله خيرا اخي الفاضل على البحث القيم وأرجو كما ذكر الأخ / بلال ان تقدم بحثا عن الإعجاز القرآني لعلنا نجد فيه ما لم نجده في غيره من البحوث القيمة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا اخي الفاضل لك وللاخ بلال وأدعوك حفظك الله لقراءة مقال هنا بعنوان : الحجاز بين القرآن والإعجاز
ولن يفتح الله علي بأمر اتحقق منه واراه يستحق النشر الا نشرته إن شاء الله واعاننا الله واياكم على كثرة الصوارف
احسنت في الجملة .. وهذا فتح
اتم الله عليك وبصرك.. وشكرا اخي الباحث عدنان الغامدي
وللحق..
فقط التعبير لم يخدمك احيانا قليلة في تجلية بعض المواطن رغم قلتها.
كما ان استخدام ضمير المتكلم لا يليق في مثل هذا الخير الكبير والفتح المجيد.
باركك المولى وعزز خطاك.
0535025483
اخي سعادة الدكتور شارع
شكر الله اشادتك ، والنقص بلا شك وارد ولا غنى ابدا عن كريم الماحاتكم وملاحظاتكم وتصويبكم .
وفقكم الله وأحسن اليكم
جزاك الله خير الجزاء على هذا البحث والاجتهاد فيه،
عندي سؤال : فهل يصح ان نقول أن الله تعالى قد فعل المكر والخداع والكيد والاستهزاء فعلا حقيقيا أم كان من باب المشاكلة اي بأنه لا يفعل تلك الافعال على حقيقتها؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله لكم على مروركم وطرح هذا السؤال الهام
أولا : ينبغي أن يستقر لدينا أن المكر والكيد والخداع ليست في اصلها افعال شر محض، وإنما سميت لتوافر اركان في العمل وصفات تميزه أدت لتسميته مكراً أو كيداً أو خداعاً ، فالرد على من ينفي هذه الأفعال عن الله بحجة أنها افعال سيئة ويتنزه الله أن يفعل السوء فنقول أن ارتباط هذه الافعال بالسوء هو في ذهن المرء وليس على وجه الحقيقة، فخداع المسلمين لأعدائهم خير ، وعمل ممدوح خاصة في الحرب ونحو ذلك من الصفات ، فلا ينشغل المرء بمحاولة تأويل آيات الكتاب سعياً في صرف المعنى عن ظاهره تنزيهاً لله لأن كل تلك الأفعال محايدة لا ينبغي وصفها بالخير أو الشر.
ثانياً: مسألة المشاكلة ونسبة هذا القول للمشاكلة وليس على وجه الحقيقة فعلينا تحرير مفهوم المشاكلة ، فيقول ابن حجة الحموي في تعريفها : المشاكلة: في اللغة هي المماثلة، والذي تحرر في المصطلح، عند علماء هذا الفن، أن المشاكلة هي ذكر الشيء بغير لفظه، لوقوعه في صحبته، كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} ١، فالجزاء عن السيئة في الحقيقة، غير سيئة، والأصل: وجزاء سيئة عقوبة مثلها، ومثله قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} ٢ والأصل: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما عندك، فإن الحق، تعالى وتقدس، لا يستعمل في حقه لفظ النفس، إلا أنها استعملت هنا مشاكلة لما تقدم من لفظ النفس. انتهى كلامه
فهو يعني بأن الله عندما جاء بمفردة تصف فعلاً وقع من الله رداً على فعلٍ وقع من سواه فإن ذلك إنما على سبيل المثل وليس على سبيل الحقيقة ، فمن فعل سيئة وجاءه الرد بسيئة فليس الرد في حقيقته سيئة بل جزاء وليس بسيئة ، والحقيقة أن هذا القول فيه نظر ، لأن الله قرر وقال (سيئة مثلها) فكيف ننفي ما أثبته الله جل وعلا؟؟ ، الحقيقة أن المسألة نسبية ، ففاعل السيئة أرادها لضرر عدوه فأحدث الله عملاً يرد ضرره ذلك بضرر مثله فكان بالنسبة لهذا الفاعل سيئة، ولو كان عند صاحب الحق جزاءً وعدلاً وعملٌ صالح ، ويقول الحموي ايضا في وصف المكر في السياق ذاته : “ومنه قوله تعالى: {ومكروا ومكر الله} ٣ والأصل: أخذهم بمكرهم، ومنه قوله تعالي: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} ٤ أي: فعاقبوه، فعدل عن هذا لأجل المشاكلة اللفظية.” انتهى كلامه
والحقيقة أن الله جل وعلا لم يستخفِ من عبده الماكر وهو يرد عليه مكره بمثله ، ولكن غياب إيمان الماكر بالله وبقدرته جعلت الفعل خافياً عليه فتحققت اركان المكر من حيث الخفاء ورد الضرر بضرر مثله فكان فعل الله مكراً ، وكذلك في بقية الأفعال ، لذلك يقول تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ، أي جزاء مكرهم السيء مكرء سيء مثله، فوصف فعل الله بالمكر والكيد والخداع والسوء وغيره إنما هو متعلق في أصله بمن وقع عليه الفعل وصورة الفعل مقارنة بمبتدأه.
فهو فعل حقيقي بمعنى أن أركانه متوافرة كماهي متوافرة في الفعل الأصلي ولكنها بالمقابلة مع الفاعل وبالنسبة إليه ولكن ذات الفعل بالنسبة للمؤمنين هو مجازاة ونصر للمؤمنين.
أرجو أن يكون في ذلك توضيح وافٍ لما تفضلتم به بارك الله فيكم وفتح علينا وعليكم فهم كتابه على الوجه الذي يرضاه.
الله اكبر ما شاء الله
شكرا لمرورك الكريم اختي الفاضلة
جزاكم الله خيرا في الدنيا والآخرة
أمنتوا بالله رضا نفسه والحمدلله رب العالمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استاذي الفاضل بارك الله فيك وفي علمك وفي هذا الطرح الجميل
إن الفهم للمعاني يضفي على العقل والنفس بهجة وسرور
وهذا الطرح لم يقتصر على فهم المعاني فحسب ولم يقتصر على تصحيح الاعتقاد في نسبة تلك الصفات لله بل تضمن أيضا تنبيه للمؤمن بمراجعة سلوكه مع الغير وبالتالي تطهير سلوكه من تلك الصفات عبادة لله وخوفا من الله أن يكيد له أو يمكر به وأنا اقتصرت عند حديثي عن سلوك المؤمن على الكيد والمكر ولم اذكر الخداع لأن العلاقة بين المؤمن وربه ليست علاقة عداوة لا ظاهرة ولا خفية لذلك فلا يقع له الخداع من الله
فأرجوا تصحيح فهمي لهذه النقطة
وكيف يمكن التواصل معكم وجزاكم الله خيرا
اخوك أنور عبدالله ابو صهيب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكم الله أخي الفاضل أبا صهيب
لا شك بأن الجزاء من جنس العمل وهذه قاعدة اساسية ثم بعد ذلك فإن القيام بأي من الأفعال مع البشر فإن له أحوال ، فلو كان ذلك في الخير كأن يفعل ذلك بحق عدو متربص او لدفع صولة او بغي كان ذلك فعلا حميداً فالمكر والكيد والخداع افعالا مجردة محايدة لا يمكن صرفها للخير أو الشر إلا بحسب سياقها ، وقد رأينا كيف ان كل فعل من تلك الافعال قد ذكر في سياق ثناء كما ذكر في سياق ذم.
أما عندما يكون ابن آدم طرفاً فاعلا في علاقة مكر أو كيد أو خداع ضد مؤمن فإن خصيمه سيكون الله تعالى مدافعا عن ذلك المؤمن.
أما إن كان الفعل خداعاً لله فهذا من أقر بوجود الله وانتقص من علمه وقدره كاليهود أو المنافقين فلا ينسب صاحب هذا الفعل للإيمان أصلا ، فلا ينبغي أن يقع الخداع من الله على مؤمن لأن الخداع وغيره من الافعال المذكورة لا يبادر الله بها عباده الا إن أتوها بغير حق فتنسب الى الله مقابلة لفعل ذلك الفاعل وكذلك الخداع.
وفي حياتنا العامة فإن من صور مخادعة الله ، الاحتيال لفعل الموبقات كالربا مثلا، فمن يسميه بغير اسمه او يصطنع فعلاً مكذوباً كشراء سلعة واعادة بيعها كما يسمى التورق وبعض صور المرابحة وكل تلك الصور الشبيهة بفعل بني اسرائيل في السبت فهذه من صور مخادعة الله ظناً من الخادع بأنه قد التفَّ على علم الله وإحاطته والله تعالى خادعه ، لذا فكما تفضلت اخي ، فإن إدراك معنى تلك المفاهيم أمرٌ بالغ الأهمية لما يعكسه على سلوك المؤمن مع الله أولا ثم مع غيره من الناس والله أعلم وأحكم وصل اللهم على سيدنا محمد
للتواصل : tafaser.com@gmail.com
جزاك الله خيراً وأدام النفع بكلماتك وأبحاثك
جزاك الله كل خير أخي أبالخير
مقالات بمنهج علمي،نتمنى الإفادة والتواصل
سعادة الأستاذ الدكتور عمر وفقه الله
سعدت و شرفت بمرورك الكريم ولا غنى وفقكم الله عن جميل استدراكاتكم وتنبيهاتكم والله يحفظكم ويرعاكم.
السلام عليكم دكتور عدنان الغامدي،
قرأت تعريف المكر و الكيد و لكني أراهما متشابهان.
هل تستطيع إعطائي مثالين يوضحان الفرق بينهما؟ و جزاكـ الله خيراً.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لتوضيح الفارق :
المكر : يدبر الماكر عمل سوء يقوم به هو مثل ما أراد قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم عندما تحزبوا لقتله وخططوا ليجعلوا دمه يضيع بين القبائل.
اجتماع أخوة يوسف للتخطيط لقتل يوسف مكر يقول تعالى : { ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } [يوسف:102]
وكل المكر يكون فيه الضحية غافلا وغائبا عما يخطط في الخفاء.
أما الكيد فهو فعل أو قول يراد منه استفزاز المكاد له ليقع في الخطأ فإغراء نساء مصر ليوسف كيد لأنه يراد له أن ينجرف ورائهن ويطيعهن في فعل الفاحشة وبذلك يرتكب الزنا بسبب كيدهن يقول تعالى:
{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [يوسف:33]
فإذا صبأ إليهن صار هو مرتكب الفاحشة ولكن مغرياتها حصلت من النسوة بقصد إيقاعه في الفاحشة وهذه المغريات هي الكيد.
ما يقوم به مندوبو البنوك مثلا من إغراء للناس ليحصلوا على قروض ربوية هو صورة من صور الكيد ، وكذلك لو أتاك من يحرضك على دفع رشوة لفلان لكي ييسر لك أمرا فهذا كيد.
وما يقوم به أكرمكم الله عارضوا الرذيلة في بعض البلدان من تزيين للزنا أو المتعة الحرام كيد لأن المراد إيقاع المكاد له في الخطأ.
ابراهيم عندما قال (تالله لأكيدن اصنامكم بعد أن تولوا مدبرين) يقصد احرضهم على بعضهم البعض فلم يلتفت إليه قومه لأنها اصنام لا تسمع ولا تضر ولا تنفع ولكنهم عندما عادوا وجدوا الفأس معلقا في رقبة كبيرهم ليوحي إليهم أن كيده وتحريضه نجح فلما رأوها (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)
فالمكر التخطيط لفعل سوء في غفلة الضحية
والكيد الفعل الذي يحرض الضحية ويستفزها للوقوع في الخطأ.
والماكر يقوم هو ومن يعينه بايقاع السوء بالضحية أما الكائد فلا يقوم إلا بالاغراء والضحية هو من يقع في الخطأ ويرتكب الفعل السيء.
أرجو أن يكون الفرق قد تبين وحياك الله اخي
بوركت جزاك الله خيرا لقد استفدت منه كثيرا
بارك الله فيكم
جزاك الله خيرا على ما أبنت من فرق بين مكر وخدع وكاد وهذا من عظمة اللغة العربية وسبحان الله كيف سعى أعداء الإسلام إلى صرفنا عنها فقد كان مكرهم لتزول منه الجبال وكيدهم شديد ، ورفع قدرك، اليوم ازددت علما بما بيّنت وأسأل الله عز وجل أن يبارك لك في علمك ويجعلك من أقرب المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
جزاكم الله خيراً وتقبل دعائك وضاعف لك المثوبة والجزاء إنه على كل شيء قدير
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اخي الكريم جداً استفدت من هذا البحث حتى في حياتي وفي معرفة أحوال الناس
والحقيقة كان البحث رائعا واعجبني زادك الله من فضله
واتمنى أن تعمل بحث ممتع مثله بما حباك الله ووهبك
عن الإفك والفجر واللد وما شابهها اللتي تعني قلب الحقائق
وإني أرى أن هذا يتمم بحثك في المكر والكيد والخداع لأنها الآلة المستخدمة منهم
وعليكم السلام ورحمة الله ويركاته
حياكم الله اخي محمد ، وسأعمل على ما تفضلتم به بمشيئة الله تعالى
واسلم لأخيك